هذا هو الشهر الخامس الذي نواجه فيه الانتفاضة الجديدة، انتفاضة المفكات والمقصات. وهي لن تنتهي، لن تنطفيء، لن تنهزم. نحن نعيش منذ الآن في وضع حذرت أنا وآخرون منه – دولة ثنائية القومية. نزاع عنيف بين أمتين مختلطتين الواحدة بالاخرى. مواد الاشتعال للنار – اليأس السياسي والضائقة الاقتصادية في المناطق – ستواصل تغذيتها.
الخطوات المضادة التي امرت الحكومة باتخاذها ليست ناجعة. ضررها الامني اكثر من نفعها. فمنذ نهاية الثمانينيات – عندما قدت الادارة المدنية في الضفة الغربية – توصلنا الى الاستنتاج بأن هدم منازل المخربين ليس رادعا، وهذا عقاب ليس مقررا في أي قانون، ولكن ليس فيه أي نفع أمني.
صلاحية اطلاق النار لقتل كل منفذ لعملية، حتى وإن كان فقط قصد ايقاع الأذى، هي خطوة لم تتخذ في كل سنوات كفاحنا ضد الارهاب. فجهاز الامن امتنع على مدى السنين عن المطالبة بعقوبة الموت حتى لأسوأ القتلة، لمنفذي العمليات الاكثر اجرامية. وقد امتنعنا عن ذلك ليس لأننا رقيقو القلب ولطفاء النفس. فقد توصلنا الى الاستنتاج بأن ضرر الاعدام سيكون أكبر من منفعته الامنية. هكذا اعتقدت كل حكومات اسرائيل.
عمليا، فان معنى التعليمات الجديدة لفتح النار هو قتل من يحاول أو يعتزم تنفيذ عملية طعن أو دهس. بعد اكثر من اربعة اشهر و150 فلسطيني قتيل يمكن أن نقول بيقين إن ليس لسياسة فتح النار هذه أي قيمة ردعية. بالمقابل، فان كل جنازة اخرى في مناطق الضفة الغربية وفي شرقي القدس ترفع مستوى العنف وتوسع عدد منفذي العمليات المحتملين. وفي الحساب الامني البارد للربح والخسارة، فان هذه الخطوة ليست مجدية وليست رادعة وهي لا تفعل سوى أن تهديء لغمضة عين غضب واحباط الجمهور الاسرائيلي.
بكلمات بسيطة، ليس لمثل هذا النوع من الارهاب جواب عسكري، استخباري واداري ناجع. واذا كان ممكنا تعطيل الشبكات الاجتماعية في المناطق وفي القدس لكان في ذلك ما يقلل بشيء ما عنصر التحريض، ولكن الاهمية التي يمليها رئيس الوزراء نتنياهو للتحريض مبالغ فيها على نحو ظاهر وتستهدف التغطية على غياب الحل. فمن يعيش 48 سنة تحت الاحتلال، في الضائقة، ليس لديه ما يأمل فيه وليس لديه ما يخسره. وهو لا يحتاج الى أحد ليحرضه – فهو محرض على أي حال.
من اجل وقف ارهاب الافراد مطلوب تغيير حاد للاجواء في المناطق. وحده فعل سياسي دراماتيكي يمكنه أن يفعل ذلك. الكثيرون يتحدثون اليوم في صالح الانفصال عن الفلسطينيين. وسيحسنون صنعا اذا ما سموا الولد باسمه – تقسيم البلاد. وهذا يتضمن تقسيم القدس الشرقية التي يسكن فيها وحدها اكثر من 300 ألف فلسطيني.
الانفصال عن الفلسطينيين ممكن فقط من خلال اقامة دولة فلسطينية مجردة على 22 في المئة من اراضي بلاد اسرائيل بين النهر والبحر. هذه هي النسبة التي الاسرة الدولية والفلسطينيون (باستثناء حماس) مستعدون لقبولها. وبمراعاة حقيقة أنه في غضون سنتين ستصل نسبة اليهود الذين يعيشون بين النهر والبحر دون 50 في المئة – فان 78 في المئة من الارض ليست حلا سيئا بالنسبة لنا. فالاصرار على 100 في المئة أدى بنا الى المكان الذي نعلق فيه اليوم. وسيصعب علينا أكثر فأكثر اقتصاديا وسياسيا أن ندفع ثمن انعدام الشجاعة السياسية لأن نقول ونفعل الامر السليم.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف