هل اختلافنا مع تيار الإسلام السياسي هو مجرد تفسيره الرجعى للدين واستغلاله فى تسويق شعارات سياسية فقط؟، هذا جزء من الخلاف، ولكن الجزء الأكبر والوجه الآخر للخلاف والاعتراض هو الوجه الرأسمالي القبيح البشع لهذه التيارات، الذى ضرب شعار العدالة الاجتماعية فى مقتل، فهذا التيار لا يهتم بالفقير إلا إذا كان ناخباً على رأى عمنا الراحل جلال عامر، والعدالة الاجتماعية لدى تيار الإسلام السياسي هى مجرد توزيع زيت وسكر وتقديم مسكنات من المعونات والمستوصفات، ولكن إذا عضضت رغيفه الرأسمالى وقلت ضرائب تصاعدية وحقوق عمال وتأمين اجتماعى وعلاج مجانى.. إلى آخر هذه المطالب سرعان ما سيتهمونك بالشيوعية وسيرشون عليها بهارات علمانية على بعض المخللات الصهيونية والحوادق والمشهيات الصليبية!، والاطلاع على أدبيات وممارسات تيار الإسلام السياسى خاصة «الإخوان المسلمين» تجد إحساسهم ضعيفاً جداً بحقوق العمال ومعظم استثماراتهم فى التجارة الاستهلاكية والسوبرماركتات والاستيراد من تركيا ومن قبلها تجارة العملة والمقاولات وبيع الأراضى.. إلخ، ببساطة نموهم طفيلى واقتصادهم كسيح مشلول، أما دستورهم المسلوق فهو أبلغ تعبير عن اتجاههم الرأسمالى السمسارى، وهناك دراسة مهمة نشرتها مجلة «الطليعة» فى إصدارها الجديد للباحثة د. داليا حسين الأستاذة بحقوق الزقازيق تلخص هذه النظرة الإخوانية من خلال قراءة الدستور، وهى دراسة تستحق القراءة والتأمل.
تقارن د. داليا هذا الدستور العجيب الذى وصفه الإخوان والسلفيون بأنه أعظم دساتير العالم بدساتير البرازيل وبوليفيا والأكوادور وجنوب أفريقيا وسيصدم القارئ بمدى التواضع الذى يتمتع به دستورنا المجيد بالمقارنة بهذه الدساتير، ولو بدأنا بالرعاية الصحية سنجد أن الدولة فى الدستور الجديد تلتزم بتوفير الرعاية الصحية بالمجان لغير القادرين!، إذن الأصل هو العلاج بأجر وغموض تعبير غير القادر الفضفاض وتعبير توفير نسبة كافية من الناتج القومى المبهم يجعلان الرعاية الصحية الممتازة السوبرستار الخمس نجوم هى للأغنياء فقط وعلى الفقراء الامتناع عن المرض.
وما ينطبق على انحياز دستور الإخوان فى العلاج ينطبق أيضاً على التأمين الاجتماعى الذى حصره الدستور فى فئات معينة ولم يلتزم بتوفيره للفئات التى لا يمكنها اللحاق بركب الخاضعين للتأمين مثل العمالة المؤقتة، وبالنسبة للأجور ربط الدستور الأجر بالإنتاج لا بالأسعار وتلاعب بالحد الأقصى للدخول بدون حد أقصى والدخل شىء غير الأجر، ففى الحوافز والبدلات الباب الخلفى والثغرة الواسعة للتحايل، وأيضاً لم يعتبر الدستور الامتناع عن دفع أجر العامل جريمة، وبالنسبة للإضراب فتحت كلمة ينظمه القانون باباً للسلطة التشريعية للتلاعب بهذا الحق العمالى الأصيل ضد توحش ديناصورات الرأسمالية، ونفس الكلمات والتعبيرات الفضفاضة تنطبق على حق السكن والتعليم الذى لم تحدد ميزانية لما قبل الجامعى فيه واقتصرت على الجامعات.
القضية فى النهاية ليست قضية دستور فقط، ولكنها قضية جماعة تتحد مصالحها الرأسمالية التى تجعلها تقوم بتطويع النصوص الدينية من خلال فقهاء السلطة والسلطان لمصلحتها الخاصة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف