كان من الصعب تصديق ما تسمعه الأذن: توجد لاسرائيل قنوات حوار مع الدول العربية السنية المجاورة، ليس فقط مع مصر والاردن، بل ايضا مع دول الخليج ودول شمال افريقيا. هذا ما قاله وزير الدفاع موشيه يعلون في مؤتمر الأمن الذي عقد في ميونيخ، حسب ما كتبه براك ربيد ("هآرتس"، 15/2). وقد سارع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لمشاركة يعلون في جلد الدب. ففي خطابه في القدس في لجنة رؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة قال إن "اغلبية الدول السنية تعتبر اسرائيل حليفة وليست عدوة".

توجد حاجة الى جرأة كبيرة من اجل نشر قصة كهذه. ففي منطقتنا يوجد عقاب شديد لقصص الغرام السرية لدرجة تصل الى القتل من اجل الحفاظ على شرف العائلة. ولكن عمليا في هذه الحالة لا حاجة الى أن تكون بطل كبير. فقد كانت لاسرائيل قصص غرام مشابهة: بعد توقيع اتفاق اوسلو بوقت قصير واتفاق السلام مع الاردن، ازدهرت العلاقات ايضا مع دول عربية اخرى كثيرة لم ترغب فقط في اظهار رغبتها بالسلام مع اسرائيل، بل وأقامت ممثليات رسمية لاسرائيل على اراضيها.

المغرب، تونس، قطر، عُمان وموريتانيا قامت بوضع أيديها بيد اسرائيل بشكل علني. واتحاد الامارات العربية والبحرين لم تدر ظهرها عند رؤية الممثل الاسرائيلي، حتى قبل أن يحلم أحد باتفاق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين. فقد كان عراق صدام حسين هو الذي "فحص امكانية" اقامة علاقات غير رسمية مع اسرائيل. لكن جميع هؤلاء الاصدقاء الجيدين تراجعوا عن تأييد اسرائيل بعد أن تبين أن أميرة الصف تريد استغلالهم دون تقديم ارباح سياسية، وأهمها حل المشكلة الفلسطينية.

يستطيع يعلون الصراخ من الصباح حتى المساء أنه لا توجد علاقة بين الازمات الحالية في الشرق الاوسط وبين الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وهو على حق. لكن هناك صلة وثيقة بين الصراع وبين غياب علاقات سليمة مع الدول العربية، لا سيما مع الشعوب العربية. هناك صلة كبيرة بين الصراع وبين تحفظ الدول السنية التي تنظر الى محاولة المس بالاماكن المقدسة في الحرم. ولكن من المريح للقيادة الاسرائيلية أن تضلل بأقوال لا أساس لها بأنه اذا أغرق الجيش المصري أنفاق حماس وأن الاردن يخشى من داعش والسعودية تعتبر ايران عدوة فان هذا يعني أن اسرائيل هي الحليفة المفضلة.

مثل اسرائيل، يمكن أن يكون للدول العربية، سنية أو غير سنية، أكثر من عدو. فـ "الغرام السني" السعودي لاسرائيل، الذي كشفه يعلون، لا يحول فلسطين السنية الى صديقة لاسرائيل. ويمكن أن يكون بشار الاسد العلوي هو ضمانة أمنية أفضل لاسرائيل. أفضل من سيطرة المنظمات السنية على سوريا. والاخوان المسلمين في اليمن هم شركاء للسعودية، خلافا لاقوال يعلون ونتنياهو. ولكن لماذا نسمح للحقائق بأن تشوش "الانجاز السياسي" الكبير بمصافحة الامير السعودي تركي الفيصل الذي كان رئيس الاستخبارات والذي يدير الحوارات منذ وقت طويل مع اسرائيل.

لماذا يجب أن يثير هذا "الانجاز الكبير" الاعجاب؟ بماذا يتفاخر يعلون ونتنياهو؟ بأن مدراء الفيلا يتحدثون مع ممثلي الغابة؟ ألم يكن من المفروض أن يحدث العكس؟ وأن "الحيوانات المفترسة" هي التي تتفاخر بالعلاقات مع قادة النور والحكمة؟ فجأة تتفاخر الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط بأن ممثلي الانظمة القمعية على استعداد لعناقها، أو الالتقاء معها في يوم من الايام في الشارع. يمكن أن "حيوانات الغابة" قد رأت أخيرا واحدة تتبع لها.





لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف