"القدس مثل مدينة أطلانتيس التي غرقت في البحر، كل شيء غرق فيها. إنها القدس السفلى. ومن أعماقها يتم إخراج بقايا ديانات؛ كالأدوات التي يتم استخراجها من سفن النبوءة التي غرقت وهي مغطاة بالصدأ. إن هذا ليس صدأ بل دماء لم تجف أبدا". (يهودا عميحاي، 1998). في السنوات منذ 1967 توسعت القدس جدا؛ من الشمال حتى مشارف رام الله ومن الجنوب حتى مداخل بيت لحم وشرقا الى الوديان الصفراء التي تنحدر الى صحراء "يهودا" وغربا على حساب المناطق الخضراء. ولكن في العقدين الاخيرين تتوسع القدس ايضا باتجاه الأسفل - الانفاق، القاعات، والمغارات - وتعمق البلدة القديمة حدودها تحت المنازل والشوارع والاشخاص والانتفاضة. الانسان يمكنه اليوم السير مئات الامتار تحت الارض، والاحتفال في قاعة تحت الأرض والدخول الى متاحف من خلال فتحة توجد تحت الارض، والصلاة في عدد من الكنس، المساجد، أو الكنائس بدون نوافذ وشراء تذكرة لدخول مغارة تحت الأرض. في جوارير المخططين وعلماء الآثار تنتظر خطط لتوسيع هذا المكان بشكل دراماتيكي: فراغات ستتصل مع بعضها، شوارع قديمة سيتم حفرها، قنوات مياه سيتم إطالتها وستنشأ مدينة تحت الأرض. تتكشف اشياء جديدة تحت الارض، وهي تثير المشاعر من تاريخ المدينة البعيد. ولكن حسب منتقدي المشروع فان الحفر يخلق رواية جديدة وتبسيطية للواقع المقدسي المعقد – تحت الارض لا يوجد رشق للحجارة أو الرصاص المطاطي أو ضوء الشمس الذي يسطع في العيون، فقط اضاءة صناعية لاضاءة الاماكن التي قرر المخططون إضاءتها. تتركز الحفريات بشكل دقيق في الطبقات القديمة للقدس اليهودية، وتتجاوز الطبقات المسيحية والإسلامية. والفراغات الاسلامية التي يتم فتحها تمر بعملية "تهويد" – هكذا مع الحمام المملوكي الذي تحول الى قاعة "الرحلة الى القدس" والخان القريب الذي يسمى "قاعة ما بعد قتلنا". ويحذر الذين يحفرون جدا من الحرم. ورغم ادعاءات الحركة الاسلامية وجهات فلسطينية لا يوجد حفر تحت الحرم. لكن في ظل الوضع الحالي للمدينة تكفي نظرية المؤامرة من اجل اشعال الحريق. الاماكن الجديدة التي نشأت تحت وقرب البلدة القديمة تطرح عددا من الاسئلة الصعبة: لمن تعود الارض التي تحت المنازل؟ هل من الصحيح البحث بهذا الشكل في أحد أهم الاماكن الأثرية في العالم – الحفر الهندسي المعقد الذي يتطلب صب آلاف الاطنان من الاسمنت من اجل دعم البيوت الموجودة فوق الانفاق؟ أليست هذه طريقة ذكية اخرى لابعاد الفلسطينيين وقصتهم عن القدس؟ هل من الصحيح الحفر قريبا جدا من الحرم؟ واذا أراد أحد ما في يوم ما تقسيم المدينة بين الاسرائيليين والفلسطينيين فهل سيضطر الى التطرق لتقسيم "القدس السفلى"؟. قد يكون السؤال الاكثر أهمية هو هل الجهات المختلفة التي تعمل في الحفر، تعمل كجزء من خطة عليا؟ وهل هناك نية لوصل الفراغات التي يتم حفرها في اماكن مختلفة في بنية واحدة كبيرة. واذا كان الجواب نعم، فمن الذي يقف وراء ذلك؟ القدس القديمة داخل الاسوار وبالقرب منها هي تلة أثرية من التلال الأقدم والاكثر اكتظاظا في العالم. امكانية وجود منزل آخر تحت كل منزل في البلدة القديمة أو بئر مياه أو فراغ قديم آخر، هي تقريبا 100 في المئة. واذا اقتصر الامر على البلدة القديمة ومحيطها القريب فسيكون من الصعب جدا افراغ جميع الاماكن والفراغات الموجودة تحت الأرض أو حتى أغلبيتها. زرنا في الشهر الاخير وزحفنا في المواقع الاكثر أهمية – من شبكات المياه لمدينة داود، مروراً بالشوارع الهيرودوسية واماكن صب المياه التي تصعد من وادي قدرون الى الحرم، أنفاق "المبكى" ومغارة ضخمة بجانب باب العمود ومخازن تحت كنيسة القيامة واماكن تحت الدير بجانب الباب الجديد وغيرها. ها هي امامكم، إنها القدس السفلى. في أعقاب المياه ثمة اربع جهات رسمية اساسية أوجدت القدس السفلى: سلطة الآثار، شركة تطوير شرقي القدس، صندوق ارث "المبكى الغربي"، وجمعية "العاد". يبدو أن الاخيرة هي الجهة الاكثر أهمية التي تعمل في مجال تطوير المدينة السفلى في العقد الاخير. جمعية اليمين، التي تهتم بشراء المنازل واسكان اليهود فيها والسياحة ايضا، تحولت في العقدين الاخيرين الى طرف اساسي في كل ما يتعلق بالآثار في القدس بشكل خاص وبالبلاد بشكل عام. كشفت "هآرتس" مؤخرا أن "العاد" حصلت في العقد الاخير على ميزانية من مئات ملايين الشواكل، القسم الاساسي منها هو تبرعات من شركات مسجلة بملاجئ ضريبية. "العاد"، التي تمول الحفريات الأثرية الكبيرة والاكثر استمرارا في تاريخ المدينة، تنشط بالذات في مدينة داود في قرية سلوان. هناك تم اكتشاف البقايا الاقدم للقدس. وقد كشفت الحفريات الكثيرة عددا لانهائيا من الأدلة من فترات مختلفة ووسعت الحديقة الوطنية لمدينة داود التي تقوم الجمعية بادارتها. حقيقة أن سلوان مكتظة بعشرات آلاف السكان الفلسطينيين اصطدمت مع طموح توسع الجمعية والسعي الى المكتشفات الاثرية. وهكذا نشأت طريقة الحفر عن طريق صناعة الانفاق رغم أنف عدد كبير من سكان المكان. وحقيقة أن السكان الفلسطينيين يرون يوميا عشرات العمال (اليهود والمتطوعين) وهم يدخلون تحت منازلهم تثير لديهم الشكوك الكبيرة. كثير من علماء الآثار ايضا غير راضين عن ذلك. وخلافا للحفر العمودي من أعلى الى أسفل، فان الحفر في الانفاق الذي كان منتشرا في القرن التاسع عشر، يعبر الطبقات في الوسط. في علم الآثار يدور الحديث هناك خلاف على هذه الطريقة. عالم الآثار البروفيسور يورام تسفرير من الجامعة العبرية، الذي توفي قبل خمسة اشهر، كان من أبرز المنتقدين لهذه الطريقة. "الحفر من الجانب مدمر ومحظور استخدامه"، قال. البروفيسور روني رايخ، من جامعة حيفا، الذي أدار اغلبية الحفريات في مدينة داود قبل خمس سنوات قال إنه في جميع الفحوصات التي تمت لم يتبين أن الآثار قد تضررت نتيجة الحفر عن طريق الانفاق في سلوان، حيث إنه فوق الانفاق لا توجد سوى طبقات من التراب لا أهمية لها تقريبا. والانفاق نفسها هي مبان أثرية قديمة يقوم علماء الآثار بافراغها وكشفها أمام الجمهور والعلم. وسواء أكان هذا أو ذاك، فان الحفر في الانفاق في العقود الاخيرة انضم الى انفاق طبيعية وحفريات قديمة، الامر الذي أوجد عالما تحت الارض غني لكل من يأتي الى الحديقة الوطنية. قريباً من جدار سد عمره 3 آلاف سنة، موجود في مركز الحديقة الوطنية، أو في مركز قرية سلوان – هذا يعتمد على من نسأل – ندخل تحت الارض من خلال بوابة حديدية تؤدي الى نفق صغير يؤدي الى عدد من الغرف والقاعات. هنا في المنطقة التي ما زالت مغلقة أمام الجمهور تم الكشف عن سدود ومياه، لاسيما تلك التي تعود الى الفترة الكنعانية من عمر المدينة، حسب التسلسل الزمني اليهودي – قبل احتلال الملك داود للمدينة. بعضها معروف منذ أكثر من مئة سنة. في بداية القرن الماضي أجرى الحفريات في المكان رجل الجيش وعالم الآثار البريطاني مونتيغيو باركر، الذي بحث هناك عن كنوز "الهيكل". الحفر تحت القدس بحثا عن كنوز "الهيكل" هو توجه متكرر في قصة القدس السفلى. وفي نهاية المطاف اضطر باركر الى الهرب من البلاد بعد أن اكتشف المسلمون أنه حفر في الحرم. وفي أعقاب ذلك اندلعت اشتباكات عنيفة في القدس. وسيندلع العنف بسبب الحفر قرب الحرم مجدداً في التاريخ. سنعود الى شبكات المياه والسدود تحت سلوان. في التسعينيات عندما حصلت جمعية العاد على ادارة الحديقة بدأ اثنان من علماء الآثار هما رايخ الذي ذكر أعلاه وايلي شوكرون من سلطة الآثار، بتوسيع الحفر القديم. وقد كشفا عن خزانات ضخمة من الفترة الكنعانية القديمة. إنها "صهيون" الأصلية التي تم احتلالها من قبل داود، وأعطت اسمها للقدس، وفيما بعد لـ"ارض اسرائيل". المقام هنا لا يسمح برواية كل ما تم اكتشافه في هذه المنطقة. "الاكتشاف" الجديد هو قنينة من الزجاج من القرن العشرين من مدينة ميلانو، التي بقيت هناك خلال بعثة باركر. والاكتشاف الاقدم هو مغادرة سكنية من الفترة الكلكوليتية – قبل 6 آلاف سنة – حيث سكن فيها كما هو معروف السكان الدائمون الاوائل للقدس الذي تمتعوا بنبع جيحون القريب. وبين الاكتشاف القديم والجديد تم اكتشاف كومة كبيرة من عظام الاسماك من أيام "الهيكل الاول". وهذا دليل مفاجئ على وجود نخبة تحب الأكل المستورد من بعيد. استمر نبع جيحون بتشكيل وجه المدينة على مر التاريخ. بنى الكنعانيون فوقه سدا كبيرا وحفروا القنوات المائية والبرك، وحفر ملوك "يهودا" عين شيلوح المشهورة (عين سلوان)، وبنت جمعية "العاد" فوق كل ذلك مبنى ضخما من الاسمنت ليكون مركزا للزوار – ولكن بعد أن تبينت أهمية المكتشفات في المكان تم الغاء الخطة، وبدل مركز الزوار تم انشاء فراغ ضخم ومظلم تحت سقف الاسمنت تستعرض فيه العاد قدراتها في عرض المواقع الأثرية للجمهور الواسع. ويرى الزوار هناك عروضا بالصوت والضوء، حيث يتم بشكل وهمي بناء البقايا عن طريق فيديو متطور. يصف الفيلم الحقبة الكنعانية واحتلال داود ومسار الحجاج الى الحرم. ومثل باقي مواد الارشاد في مدينة داود، هناك أولوية للرواية اليهودية الاسرائيلية عن الموقع. "من الواضح لي تماما أنه يوجد دافع لتعزيز الرواية اليهودية الصهيونية، لكني أعتقد أن الاجهزة أكثر حذرا الآن لأهمية الروايات الاخرى في القدس"، قال شاحر شيلا، مرشدنا في انفاق مدينة داود. وهو باحث في شؤون القدس وباحث سياحي وكان في السابق مدير التسويق في "العاد". وفي الوقت الحالي يعمل مستشارا خارجيا للجمعية. وهو يفخر بأنه عمل على ترجمة مواد الارشاد في الموقع الى اللغة العربية، وهو مرشد للمكان بشكل دائم لمجموعات فلسطينية. يقول شيلا إن العالم السفلي له امتيازات كثيرة في كل ما يتعلق بادارة الجمهور. "الامور التي توجد تحت الارض لها هالة السر، وهي تنشئ شعورا من الخروج عن المألوف. وأن تكون خارج المألوف هو من الامور الاجمل في عالم السياحة"، قال، "أن تكون تحت الارض هذا شيء غير عادي لأننا جميعا نعيش فوق الارض. فهذا يُمكنك من الانفصال عن الجمهور. السحر والسرية يسهمان في السيطرة على الناس. ولا أحد يشوش على عملي". المشوش الاكبر هو الجهاز المحمول الذي لا يمكن استخدامه في الانفاق الموجودة تحت الارض. عند الخروج من نبع جيحون (أم الدرج، حسب الفلسطينيين) يُطلب من السياح رفع بنطالاتهم والسير في مياه عين سلوان – النفق الاشهر في تاريخ المدينة والذي تم حفره لادخال المياه الى منطقة مغلقة لمواجهة الحصار بشكل افضل. التحليل المقبول هو أن الملك حزقياهو هو الذي بادر الى هذا المشروع الهندسي الضخم. ولغز نجاح جماعتي الحفر في الالتقاء تحت الارض تشغل بال الباحثين منذ القرن التاسع عشر. نحن تنازلنا عن السير في المياه وواصلنا السير في قناة كنعانية جافة. وفي نهاية القناة يصمم مستضيفونا من "العاد" على ذهابنا مئات الامتار حتى بركة شيلوح. فهناك يمكن مواصلة السير تحت الارض. وهذا من اجل عدم السير في شوارع سلوان، الامر الذي قد ينتهي برشق الحجارة. وهذا تذكير صغير لما يحدث في القدس فوق الارض. "الباب التاسع" المشروع الاكبر لتوسيع القدس السفلى منذ فتح النفق قبل عشرين سنة كان حفر "قناة صب المياه". وهي قناة ضيقة وطويلة منذ "الهيكل الثاني" تؤدي من بركة شيلوح في الجزء السفلي من سلوان من تحت الشارع الرئيس للقرية وأسوار البلدة القديمة وحتى "حائط المبكى" الغربي. هذا المشروع الذي تم حفره من قبل رايخ وشوكرون بين سنوات 2007 – 2011 فتح اماكن وخيارات جديدة للمتنزهين في القدس وجمعية العاد. ولكن هذا ايضا يتقزم أمام القناة الكبيرة التي يتم حفرها الآن والتي خلال بضع سنوات ستؤدي الى المسار ذاته من بركة شيلوح حتى "حائط المبكى" الغربي بطول 700 متر. لا يدور الحديث في هذه المرة عن قناة ضيقة بل شارع المدرج الهيرودي، الشارع الرئيس للقدس في نهاية عهد "الهيكل الثاني". وهو شارع روماني بعرض 7.5 متر وهو مضاء وفيه لافتات، سيؤدي الى "الباب التاسع" تحت الارض في أسوار القدس. إن استكمال الحفر سيُمكن من السير فيما يشبه "كون مقابل" ذهابا وإيابا من "حائط المبكى" الى مدينة داود: بدون سلوان وبدون السكان الفلسطينيين، فقط مستوطنون يهود أو جيبات حرس الحدود. هذا الشارع، إذا شئتم، سيكون الشارع السريع للقدس السفلى. يمكن رؤية قسم من هذا المشروع الكبير بالقرب من عين شيلوح. جزء منه تم حفره بعد اكتشاف البركة قبل 12 سنة. واعترف رايخ بصدق في كتابه "حفر مدينة داود"، بأن الحفر يتم بدون ترخيص. "مدير قسم الحفريات في سلطة الآثار جاء الى الموقع وقال إننا خالفنا قانون الآثار. وأنا لا أتفق مع هذا الادعاء". لكن كما في حالات اخرى في القدس السفلى – الامر الذي يبدأ كأمر شاذ من الاجراءات يتحول بسرعة الى مشروع رسمي معروف وممول. رايخ وشوكرون حفرا 600 متر من الشارع بعرض 2.5 متر فقط. وفي السنتين الاخيرتين تم استئناف الحفر في منطقة اخرى منه على طرف الشارع المؤدي الى البلدة القديمة، حيث حفر هناك 120 متراً بعرض الشارع كله، 7.5 متر. سلطة الاثار لا تسمح بزيارة هذه الحفريات. رايخ، الذي هو اليوم رئيس المجلس الأثري، وهذه وظيفة رفيعة المستوى في عالم الآثار الاسرائيلي، يعبر عن موقف مفاجئ تجاه حفر الشارع الهيرودي. "إنه حفر من اجل السياحة، وبعد ذلك السياسة، أو قد يكون أولا السياسة وبعد ذلك السياحة. من الناحية العلمية هذا لا يضيف الكثير. ولكن هذا لن يثري معرفتنا. فنحن نعرف مسار الشارع ونعرف كيف يبدو ومتى بُني". سرنا في نفق ضيق عرضه كعرض الاكتاف، السقف مرتفع ويسمح بالسير وقوفا على الاقدام. وهو مضاء بالمصابيح التي نمت حولها الاعشاب. وبعد سير سريع لعشر دقائق توجد ثغرة باتجاه موقف جفعاتي للسيارات. وهو مكان كبير قريب من مدخل الحديقة الوطنية في مدينة داود. وقد تحول هذا الموقف في السنوات الاخيرة الى بئر كبيرة مليئة بالمباني من جميع فترات القدس. إن هذا مرحلة في الطريق لبناء مركز الزوار الجديد من قبل "العاد"، المعروف باسم الموقع القديم. وقد تمت المصادقة مؤخرا على المشروع باجراءات استثنائية بعد تجند وزارة العدل لصالح الجمعية. المركز القديم مهم جدا لأنه سيكون مفترقا رئيسا في الطريق الى المدينة السفلى. واضافة الى انفاق التنظيف المتصلة به، سيتم وصل الشارع الهيرودي الكبير بنفق صغير آخر سيصل الى مركز الزوار القائم في مدينة داود. في هذا المقطع تم حفر بئر كبيرة للمياه تسمى "بئر يرمياهو"، وحسب رواية المسؤولين عن الموقع كان هذا مكان سجن النبي يرمياهو الذي حذر من الخراب القريب. وقد تم التخطيط لنفق آخر من موقف جفعاتي باتجاه منطقة عوفل جنوب الحرم. نستمر مع نفق الاسمنت، ونمر بأساسات سور البلدة القديمة العثماني حتى حائط كبير يغلق الطريق ويؤدي الى مفترق مسدود، الحائط الغربي. "لا أعرف كيف وصلت الى هنا. أريد التنزه في مدينة داود"، قالت سائحة شابة مبلبلة جاءت الى هذه النقطة. بعد دقائق طويلة مع الخارطة والشرح حول الجغرافيا للمنطقة، كانت راضية وعادت الى داخل النفق. من هنا يمكن الصعود عن طريق الدرج الى الحديقة الاثرية دافيدسون. زاوية "المبكى" عندما وصل الحفارون في النفق الى الحائط الغربي توجهوا يمينا (جنوبا) وحفروا نفقاً بطول عشرة أمتار حتى زاوية "المبكى". نحن الآن سنسير في أعقابهم. وهناك في المكان المغلق في وجه الجمهور يمكن رؤية حجر الزاوية للجزء السفلي من "المبكى". وقد قمنا بالتصور بالقرب منه وخرجنا بوساطة الدرج الى الهواء في حديقة دافيدسون. توحيد الانفاق يوفال باروخ، المسؤول عن منطقة القدس في سلطة الآثار، قال إنه يمكن الاستمرار والزحف عن طريق نفق الصب الاسمنتي عشرات الامتار الاخرى من نهاية الحفر وحتى الطرف الشمالي لساحة "حائط المبكى". في هذه المنطقة يبتعد النفق عن الحرم. وفي الوقت الحالي لا يمكن الوصول من هذا النفق الى "انفاق المبكى" الكبيرة التي تمتد من الساحة شمالا. لكن لا أحد ممن قابلناهم نفى امكانية مجيء يوم، ليس في المستقبل البعيد، يتم فيه الوصل بين النفقين. وعندها سيكون بالامكان السير من عين شيلوح في اعماق سلوان مرورا بـ"حائط المبكى" وانتهاء بمركز الحي الإسلامي. هناك خطة اخرى تم اعدادها للحفر في ساحة "حائط المبكى" واقامة ساحة اخرى للصلاة تحت الارض، لكن هذه الخطة مجمدة الآن. الخطة المهمة بالنسبة للجمعية الآن هي حفر موقف سيارات كبير تحت الأرض في أسفل حارة اليهود. في الجزء الشرقي من "ساحة المبكى"، حفرت فيكسلر بدولح، شارعا رومانيا في اطار الحفر من أجل بناء مكاتب كبيرة. وهناك ايضا مثلما في موقف جفعاتي للسيارات، ستكون طبقة أثرية تحت الارض ومدخل تحت ارضي من باب الاسباط ومرورا بالشارع الروماني وانتهاء بمركز ساحة "حائط المبكى". باختصار، يمكن القول إنه في السنوات القادمة سيتم فتح فراغات اخرى كثيرة في منطقة "المبكى"، وقد يتم أخيرا ايجاد الحل لمن يعاني من أشعة الشمس في الساحة في الصيف. ولكن في الوقت الحالي نضطر للتعرض لاشعة الشمس والسير 100 متر من حديقة دافيدسون وحتى الدخول الى "انفاق المبكى". من "حائط المبكى" إلى الفيادلوروزا الاماكن الموجودة تحت الارض الاكثر شهرة في القدس هي تلك التي تسمى "انفاق المبكى". إنها مجموعة من الفراغات والانفاق والقاعات التي تمتد من "ساحة المبكى" في الجنوب ومرورا بأسفل الحي الاسلامي وانتهاء بشارع فيادلوروزا في الشمال. مئات آلاف السياح يزورون هذا المسار كل سنة. وأهم شيء في هذا المسار هو الكنيس الموجود تحت الارض في المكان الاقرب للحجر الكبير المقدس في "حائط المبكى"، وبوابة مغلقة كانت تؤدي ذات مرة الى داخل الحرم، محجر عتيق وقنوات وآبار مياه. ولكن هذا العالم اتسع جدا في السنوات العشر الاخيرة واجزاء كبيرة منه لم يتم كشفها للجمهور. في هذه المنطقة ايضا وصل الى ذروته التعاون الغريب بين سلطات حكومية ومنظمات يمينية مع تجاوز القوانين والاجراءات من اجل ايجاد اماكن تحت ارضية ليس معروفا لمن تنتمي وبناء على أي قانون. في العام 1993 اشترى ارفين موسكوفيتش، اليهودي الأميركي الذي يساعد منظمات المستوطنين، كنيس خيمة اسحق. أقيم هذا الكنيس في بداية القرن العشرين، وهو يوجد في شارع هغاي قرب "حائط المبكى". وبمساعدة "عطيرت كوهانيم" بدأ مشروع لترميم هذا الكنيس، واثناء الترميم وعند الحفر في أرضيته تم اكتشاف مغطس من الفترة المملوكية وقاعة خان كبيرة من تلك الفترة، وبقايا للجسر الكبير الذي يؤدي الى الحرم في فترة إيليا كابيتولينا (القدس في العهد الروماني المتأخر) ومبنى فاخر من فترة هيرودوس. المباني التي هي اسلامية في أغلبيتها "تم تهويدها" وتم منحها لصندوق "إرث المبكى". ولم يتطرق أحد لمواضيع مثل لمن تعود الارض وبناء على أي قانون تم حفرها وكيف تحول صندوق "إرث المبكى" الى المالك للفراغ الذي لم يكن موجودا حتى الآن؟. المثال الابرز هو القاعة التي تسمى "بعد قتلنا" وهي قاعة كبيرة من الفترة المملوكية التي اكتشفها الحفارون عند النزول من الكنيس والاستمرار شمالا. ومثل الكثير من الفراغات تحت الأرض في البلدية القديمة فقد كانت القاعة مملوءة بالقمامة ومياه المجاري نتيجة تدفق المجاري غير القانونية على مدى عشرات السنين. وقد تم سحب مياه المجاري وتنظيف القاعة. "لقد عمل الناس هنا وهم يضعون الكمامات. وهناك علماء آثار هربوا"، قال يوفال باروخ. وبعد ذلك، حسب ادعاء سلطة الآثار، كانت هناك حاجة الى تدعيم القاعة كي لا تتهدم المنازل التي فوقها. لذلك تم وضع اعمدة دعم كبيرة وتم صب الارضية بالاسمنت. في الوقت الحالي يتم استخدام القاعة للتعليم وتأجيرها لمناسبات خاصة، لكن توجد استثناءات. فحسب نظام القاعة يمكن تأجيرها للاشخاص المتبرعين فقط. كم يتبرعون؟ فقط من يتبرع بـ 36 ألف دولار على الاقل يمكنه اجراء حفل ختان هناك. ايضا جهات رسمية يمكنها احياء مناسبات في المكان. وقد تم مؤخرا استبدال قادة شرطة القدس في المكان. اذا كان يوجد شيء كهذا "مدينة القدس السفلى"، فان يوفال باروخ هو رئيس بلديتها. ففي جولة معه دافع عن المشروع. "لا أقول بل أحدد أنه لو لم يتم تدعيم هذه القاعة لكانت المنازل التي فوقها قد انهارت. أنا لا اختبئ ولا أُبعد المسؤولية. نحن ندعم هذه المشاريع، فهذا جزء من عملنا لتطوير مواقع سياحية. وعندما تسنح الفرصة ويتبين أن هناك فراغات كبيرة يمكن وصلها بـ"انفاق المبكى" واجراء بحث جدي وتطوير السياحة، فاننا سنسير في الامر". ينظر سليماني الى الامور بشكل مختلف. "يتم هنا مشروع حفر ضخم بعيدا عن أعين الجمهور وبطرق حفر بدائية. حفر بدون حدود وبدون معايير واضحة. إنه ليس حفرا بحثيا أو للانقاذ وليس له حدود زمنية أو مكانية أو اهداف مهنية". حاخام "حائط المبكى"، الحاخام شموئيل رابينوفيتش، متهم من سليماني بأنه يستخدم سلطة الآثار لتجاوز لجان الاجراءات – "لقد بنوا مدينة كاملة بدون ترخيص للبناء". وصلنا الى القاعة من خلال ممرات تم فتحها في السنوات الاخيرة تصل بين القاعة وبين "انفاق المبكى". وفي الوسط تم اجراء حفريات كبيرة كشفت عن امور مهمة بالذات من الفترة الرومانية. والاكتشاف الاهم هو جدار لمبنى جماهيري كبير من زمن "الهيكل الثاني"، ويشمل شبكات مياه ونوافير وبركة. ونظرا لأن المباني الفاخرة قريبة من الحرم فانه لا يمكن حفرها في المستقبل القريب. المبنى الذي تم اكتشافه هنا هو الاكثر تميزا في تلك الفترة والذي تم حفره قبل بضع سنوات، لكن الحفر مغلق في وجه الجمهور، بسبب الأمان وصعوبة حركة الزوار على عمق كبير. من هنا يمكن الوصول الى "انفاق المبكى". وقد تم حفر المسار في الثمانينيات. ويمكن في المستقبل القريب الصلاة في كنيس باسم المتبرع اسحق تشوفا. في آخر ايام "عيد الغفران" سنة 1996 التقى رئيس البلدية في حينه ايهود اولمرت مع رئيس جمعية عطيرت كوهانيم، ماتي دان، وموسكوفيتش ورؤساء الاجهزة الامنية. وكانت مناسبة اللقاء افتتاح نفق "حائط المبكى" – هدم جدار يسمح بالخروج من النفق الى الشارع. وفي اليوم التالي اندلعت الاشتباكات التي أدت الى موت أكثر من 100 شخص بينهم 17 جنديا اسرائيليا. وقد كانت هذه الاحداث هي المقدمة لانتفاضة الاقصى التي اندلعت بعد ذلك بأربع سنوات. ينتهي مسار "أنفاق المبكى" في بركة صغيرة للمياه التي يقطعها جدار اسمنتي. وفي الطرف الثاني للبركة يسيطر الدير الكاثوليكي "أخوات صهيون". وبعد ذلك يوجد قوس أكاهومو (هذا هو الشخص)، وهو مكان مقدس في المسيحية. من الناحية المبدئية، ازالة الجدار الذي يقسم البركة سيكون مرحلة في الطريق الى خلق بنية تحت ارضية كبيرة تقطع البلدة القديمة من الشمال الى الجنوب. ولكن الى الآن ليس هناك خطة لازالة هذا الجدار. ويبدو أن الدير لن يوافق على ذلك. مغارة صدقياهو في الطريق الى مغارة صدقياهو تجدر الاشارة الى أنه ليس فقط جهات اسرائيلية هي التي توسع القدس السفلى. فالتوسيع الاكثر دراماتيكية في العقد الاخير تم على يد الاوقاف الاسلامية في الحرم، حيث حفر رجال الاوقاف في العام 1999 بئرا كبيرة في الحرم دون رقابة أثرية، الامر الذي تسبب بضرر كبير للآثار في الحرم. وقد تم تسمية ذلك "كارثة أثرية". وكان الهدف من البئر فتح مدخل آخر الى قاعات المصلى المرواني المعروفة بالعبرية باسم "اسطبلات سليمان". وهناك يوجد مسجد تحت الارض كبير يمتلئ بالمصلين في ايام الجمعة والاعياد. ويمكن أن نضيف عددا من المواقع لخريطة القدس السفلى: بمساعدة رجال الآثار، نقوم بزيارة أسفل دير سان سلفادور القريب من الباب الجديد، وبئر مياه كبيرة توجد في أسفل الحي القبطي في كنيسة القيامة، يستطيع قارب صغير السير فيه. وليس بعيدا عن هناك انتهى مؤخرا صراع قضائي بين عائلة الحرباوي وبين الاقباط حول مخزن مشترك وواسع، وفي الحي اليهودي توجد ثلاثة متاحف وشارع (الكاردو) وجميعها تحت الارض. في الاحياء المسيحية والاسلامية يتم تحويل المخازن الى منازل ويتم وضع اجهزة الكترونية متطورة لتبديل الهواء بسبب عدم وجود النوافذ. بوابة الدخول الصغيرة الى مغارة تصدقياهو لا تكشف ما يختفي وراءها. إنها مغارة كبيرة تم حفرها على مدى اجيال لاستخراج الحجارة وبناء المدينة فوقها. وتبلغ مساحتها 9 دونمات وهي تمتد تحت نحو ربع المنازل في الحي الاسلامي. ولكنها ايضا مثل القدس تتوسع باستمرار ويتم اكتشاف فراغات جديدة بين الفينة والاخرى. الروايات والقصص حول هذه المغارة كثيرة جدا. التراث اليهودي يقضي بأن الملك تصدقياهو هرب عن طريقها من القدس في ايام "الهيكل الاول". ومن هنا يأتي الايمان بأن هذه المغارة تصل حتى مدينة أريحا. التراث الاسلامي يقضي بأن كورح وطائفته الخطائين تم ابتلاعهم فيها. الحقائق الأثرية حول هذه المغارة تقضي بأنها كانت محجرا في زمن "الهيكل الثاني" وقبله. الحجارة الاخيرة التي تم استخراجها منها تم استخدامها في بناء برج الساعة في العهد العثماني الذي كان يوجد في باب الخليل، والذي تم تفكيكه من قبل البريطانيين. عند بناء الاسوار في القرن السادس عشر تم اغلاق بوابة المغارة وتم نسيانها حتى سنة 1854 حيث هرب كلب المحقق البريطاني جيمس براكلي الى داخل ثقب صغير قرب باب العمود. وعندها تم اكتشافها مجددا. ومنذ ذلك الحين تعتبر مكانا لاجتماع المكتب المقدسي لحركة "البناة الاحرار". وهذا يضيف بُعداً سرياً آخر. تسيطر الشركة الحكومية لتطوير شرقي القدس على هذه المغارة. وبين فينة واخرى تجري هناك مناسبات شخصية. وقد ظهر هناك قبل فترة يوني ريختر وهرئيل تسكعت ويشاي لبيدوت. إن كل شيء تحت الارض ليس منطقيا. فليس بعيدا من هناك وفي قاعة صغيرة يتم النزول اليها عن طريق ممر ضيق في المغارة، نحو 20 مترا تحت الشارع، وجدنا ثلاث قطط صغيرة تنتظر أمها ويبدو أنها لم يسبق أن رأت الضوء.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف