لي سبعة اولاد، ثلاثة منهم خدموا في الوقت ذاته في الجيش الاسرائيلي في السنوات الاخيرة وفي الوحدات القتالية. في الفترة التي خدموا فيها حدثت عملية "الجرف الصامد"، وكانت لي انتقادات شخصية كبيرة خلال العملية للخطوات التي بادر اليها رئيس هيئة الاركان ووزير الدفاع ورئيس الحكومة. ولكن في أعماقي عرفت أن رئيس الاركان غانتس ووزير الدفاع يعلون هما شخصان عقلانيان ومجربان ويتحملان المسؤولية. وعرفت أنهما سيغطيان على النقص الكبير في التجربة الامنية لدى رئيس الحكومة الذي يسمي نفسه "السيد أمن" وتردده وعدم قدرته على تحمل المسؤولية الحقيقية. أردت دائما أن يقوم أولادي ببذل قصارى جهدهم في الجيش ومن اجل الدولة. ولكني كأب، رغبتُ في أن يوجدوا في أيدي اشخاص يقيسون بشكل مهني ملائم كل ما يجب قياسه قبل ارسالهم الى عملية أو الى حرب. وأملت أن يكون من يفعل ذلك هم اشخاص سبق لهم أن أرسلوا الجنود الى العمليات والحروب ويعرفون مغزى قرارات كهذه ومغزى ارسال المقاتل الى مهمة قد لا يعود منها، ويعرفون أن الحرب ليست مجرد كلام. توجد لي ثقة كبيرة بوزير الدفاع يعلون، ورئيس هيئة الاركان آيزنكوت. فهما ملائمان ولهما الكثير من الفضل. أعرف يعلون منذ سنوات طويلة. وأختلف معه في مواقفي السياسية في عدة مجالات. ولكني أُقدر جدا تجربته كمحارب وقائد، وايضا جرأته المدنية والرسمية. رأيت ذلك في العام 1998 عندما كنت مسؤولا عن القدس و"يهودا" و"السامرة" في "الشاباك". وكان بوغي يعلون قائدا للمنطقة الوسطى. وقد قمنا بادارة عملية متواصلة ضد ذراع "حماس" العسكرية في "يهودا" و"السامرة"، وبعد عدد من العمليات الناجحة تمكنا من الوصول الى مكان اختباء قادة الذراع العسكرية الاخوين عوض الله في الخليل. كان الاخوان عوض الله هما المسؤولان عن عدد من العمليات "الانتحارية" الشديدة ضد اسرائيل بعد اتفاق اوسلو. وكانا في ذروة التخطيط لعمليات أشد. بعد بضعة ايام قررت اقتحام البيت الذي اختبآ فيه. وحدة العمليات التابعة لـ"الشاباك" والقوات الخاصة كانتا المسؤولتين عن التنفيذ. وقد طلبت مساعدة الجيش في الدائرة الخارجية في حال هرب المطلوبين لأن المنطقة مأهولة ومعقدة. وفوجئت بطلب المستوى السياسي من الجيش عدم مساعدة "الشاباك" في العملية. المستوى السياسي، الذي كان متأثرا بقضية يحيى عياش الذي صفي في بداية 1996 وبعدد من عمليات الانتقام التي أعقبت التصفية، خشي من الفخ. فمن ناحية هناك فرصة نادرة لاعتقال أو قتل رؤساء الذراع العسكرية لـ"حماس"، ومن ناحية اخرى هناك خشية من أنه اذا قتل الاثنان اثناء اقتحام البيت، فان مسؤولية عمليات الانتقام ستقع عليهما. وبعد تردد كبير تم اتخاذ القرار وهو عدم الحسم الى هنا أو الى هناك: تقرر أن العملية هي تحت مسؤولية "الشاباك" فقط، وأن الجيش لن يتدخل فيها ولن يقوم بارسال قواته للمساعدة. قررنا اقتحام البيت، واثناء الاستعداد وصل الى المكان قائد المنطقة الوسطى، بوغي يعلون، والجنرال اسحق ايتان الذي كان قائد قوات الجيش في "يهودا" و"السامرة". وأبلغاني أنه رغم قرار وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان، إلا أنهما سيرسلان القوات التي طلبناها من اجل تعزيز قوتنا. وكنت فخورا بجرأتهما على اتخاذ قرار كهذا رغم توجيهات المسؤولين عنهما. وصلت القوات وقمنا باقتحام البيت بعد بضع ساعات، وقتل الاخوان عوض الله اللذان كان بحوزتهما الكثير من السلاح. أصبح الارشيف العسكري لـ"حماس" في حوزتنا مع الكثير من المعلومات. وبعد ذلك تعرضت "حماس" لضربة شديدة قد تكون الاقوى في تاريخها في "يهودا" و"السامرة"، الامر الذي كان السبب وراء عامين من الهدوء حتى اندلاع الانتفاضة الثانية. هذا هو يوغي يعلون، شخص صلب لكنه شريك ومقاتل شجاع وقائد بكل معنى الكلمة. بالمناسبة، رئيس الحكومة نتنياهو الذي كعادته لم يدعم الجهاز المسؤول عنه، يفخر حتى الآن بنجاح "الشاباك" والجيش الاسرائيلي في تلك السنوات في "يهودا" و"السامرة"، وهو يعتبر نفسه صاحب هذا النجاح. ليبرمان هو عكس بوغي يعلون تماما. فهو ليست له تجربة أمنية، ولم يسبق له أن أرسل أي جندي الى المعركة، ولم يسبق له أن تحمل مسؤولية اتخاذ القرارات. وكوزير للخارجية قام بزيارة الدول التي ليست ذات صلة. ليبرمان هو الذي تظاهر قبل بضعة اسابيع أمام المحكمة العسكرية لصالح الجندي الذي قام بقتل "المخرب" المحيد، الى جانب باروخ مارزيل وبنتسي غوفشتاين من "لاهافاه". عندما نرسل أبناءنا الى الجيش والى الحروب، نريد أن يكونوا في أيدي أمينة وصاحبة تجربة. هذه الأيدي ليست أيدي ليبرمان، إنها أيدي يعلون ورئيس الاركان آيزنكوت ونائبه يئير غولان الذين اعرفهم جيدا. اذا حصل ليبرمان على وزارة الدفاع فان آيزنكوت سيتحول الى الشخص الاكثر أهمية في جهاز اتخاذ القرارات الامنية. وهو الشخص الوحيد القادر على التأكد من أن الوزير المسؤول عنه ورئيس الحكومة لا يجروننا الى وضع غير ممكن. تبلغ اسرائيل 68 سنة. وتعيين ليبرمان وزيرا للدفاع يبين أنه ليس هناك شيء متجمد وأننا نستمر في الانزلاق بسرعة. عدد الاسرائيليين الذين يبحثون عن جوازات سفر اجنبية في الدول التي جاء منها آباؤهم وأجدادهم في ازدياد. الشرخ بين اليهود والمتدينين وبين العلمانيين والمتدينين يزداد عمقا، والمسافة بين الشرقيين والاشكناز طويلة، والشيطان الطائفي الذي تغذى في السنوات الاخيرة من الغربوزيين يتقوى، والعدالة الاجتماعية ما زالت بعيدة عنا، ومشكلة السكن تتواصل، والفساد في تصاعد، وهناك علامات على الركود الاقتصادي في الأفق، والعنصرية ضد اليهود من أصل اثيوبي وضد العرب في اسرائيل والمهاجرين واللاجئين تتصاعد. في دولة اسرائيل التي تبلغ 68 سنة من عمرها "زواج الدم" من قبل اليمين المتطرف ليس عملا مخجلا. اذا كنا نعتقد في دولة اسرائيل التي تبلغ 68 سنة أن الجهاز الامني يتصرف بشكل سليم، فانه منذ الآن سيقاد من قبل رئيس الحكومة الذي لا يملك الأمن، ومن قبل وزير الدفاع الذي لا يملك التجربة. وأنا أتساءل بيني وبين نفسي: هل هذه نهاية البداية أم هي بداية النهاية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف