تل أبيب مفتاح لبوابة أكبر- حمادة فراعنة
2016-06-12
على الرغم من أن الضمير الأنساني والعربي والمسلم والمسيحي ضد إستهداف المدنيين أو المس بهم ، أياً كانت قوميتهم أو ديانتهم ، وعلى الرغم من أن عملية تل أبيب يوم الأربعاء 8 يونيو/ حزيران 2016 ، أدت إلى قتل أحد أهم الأكاديميين الإسرائيليين اليهود المناصرين للقضية الفلسطينية والمتعاطفين مع نضال الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة ، ومن أهم المعادين للصهيونية ومشروعها التوسعي ، وهو البروفسور ميخائيل فايغا ، الشخصية اليسارية الصلبة في مواجهة المؤسسة الرسمية الإسرائيلية ، وعمل حثيثاً عبر محاضراته ومقالاته وكتبه التي عرى من خلالها فكرة الأستيطان الإستعماري على أرض الضفة الفلسطينية ، وساهم في إعداد كتاب حول توظيف علم الأثار في إدعاءات الفكرة الصهيونية ، وقد نعاه القائد الفلسطيني محمد بركة رئيس لجنة المتابعة للوسط العربي الفلسطيني في مناطق 48 لأنه " الشخصية الأكاديمية البارزة التي تؤمن بحقوق شعبنا " ، على الرغم من كل ذلك ، وخسارة أحد أبرز أصدقاء الشعب الفلسطيني من بين صفوف الإسرائيليين لسوء الحظ ، ولكن العملية بحد ذاتها تأكيد على أن عمل الفلسطينيين ونضالهم في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي لن يتوقف مهما تلكأ أو تباطأ أو صابه العطب ، أو إرتكبت تجاوزات في مساره ، أو تغيرت أشكال أفعاله ، ولكن ذلك يسير بإتجاه واحد محدد لا تغيير في مضمونه وهو رفض الإحتلال والعمل على مقاومته ، بأدوات ووسائل مختلفة ، تتوسل التكيف مع معطيات الواقع والرد عليه ورفض فرضه ، مهما تفوق الأحتلال على ضعف الفلسطينيين وإنحسار قدراتهم ، وتخبط أولوياتهم ، فالأدوات تتغير ، والأشكال تتبدل ، وحرارة السياسات تعلو وتهبط ، والإجراءات تتحايل ، ولكن يبقى هدف واحد هو معيار كل ما يمكن أن يربط الأحداث والسياسات والمواقف والأفعال ، وهو رفض المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ومناهضته ، ونيل الحرية والعودة والكرامة للفلسطينيين .
الشعب الفلسطيني لا يتميز عن باقي شعوب الأرض ، ولا يتفوق عليهم لا في تضحياته ولا في رغبته للحرية ولا في إنحيازه للحياة ، بل هو بشر مثلهم ، مثلما هو الإحتلال مثل كل الأحتلالات السابقة والمهزومة وإن كان يسعى للتفوق على البريطانيين والفرنسيين والأسبانيين والأيطاليين والأميركيين في إحتلالاتهم لشعوب العالم وبلدانهم في أسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية ، ويخترع الأدوات والتكنولوجيا ووسائل الأستخبارات لترويض الشعب العربي الفلسطيني ، من المسلمين والمسيحيين والدروز ، ويحبط عمليات ، ويكشف مخططات ، وتنتاب قياداته سكرات النصر ونشوة النجاح ، وفجأة ، تهب العاصفة الفلسطينية من حيث لا يحسب قادة الأحتلال وأجهزته ، وقد يكون قادة الأجهزة أكثر قيادات المشروع الإستعماري تحسباً ويقظة ولكنهم أكثر واقعية لتقدير الموقف وخاصة بعد تركهم لوظائفهم ، بعد أن يتخلصوا من إلتزامات المهنة وتعليماتها فيتحولوا إلى سياسيين واقعيين ، عجنتهم خبراتهم وزودتهم بالحصيلة وهي أن هزيمة الشعب العربي الفلسطيني ، لن تكون ، وأن لا خلاص للصراع الإسرائيلي الفلسطيني سوى التوصل إلى تفاهم وإتفاق وشراكة من موقع الند والأحترام لحقوق الشعب الفلسطيني الثلاثة : حقه في المساواة والأستقلال وفي العودة ، إذ كيف يمكم لليهودي الأجنبي حق المجيء إلى فلسطين والعيش فيها ولا يحق للفلسطيني إبن اللد والرملة ويافا وحيفا وصفد وبئر السبع للعودة إلى بيته وإستعادة ممتلكاته على أرض وطنه الذي لا وطن له سواه ، وأن حياة التشرد لا تقل قسوة عن الحياة تحت بساطير الأحتلال !! .
لقد إنفجر العمل المسلح ضد المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي من خارج فلسطين ، منذ منتصف الستينيات على أيدي أبناء اللاجئين وسكان المخيمات الفقراء ، وإنفجرت الأنتفاضة المدنية الشعبية في الضفة والقدس والقطاع عام 1987 ، والأنتفاضة المسلحة عام 2000 ، وثورة القدس عام 2015 ، وها هي تصل إلى قلب تل أبيب بمحاذاة وزراة الدفاع ، وليس صدفة أن محمد وخالد مخامرة من يطا جبل الخليل إختارا هدفهم في مجمع سارونا التجاري الشبيه بمكة مول أو تاج مول في عمان حيث يخرج مئات الضباط والجنود العاملين في مجمع وزارة الحرب الإسرائيلية لتناول الأفطار أو الغذاء أو الأستراحة خلال ساعات العمل ، والدوام في مكان لا يبعد عشرة أمتار عن مقاهي ومطاعم سارونا ، مما يعكس معرفة وفهم الشبان الفلسطينيين بطبيعة المكان وأجواء العمل فيه ، وأن تسربهم من الضفة الفلسطينية لقلب تل أبيب يحملان السلاح ، ليدلل على قدرة الأختراق مهما بدا ذلك صعباً ، وأن هؤلاء الشباب الذي لا زال أحدهما خالد مخامرة طالباً في كلية الهندسة في جامعة مؤتة مبعوثاً للدراسة من قبل منظمة التحرير كمنحة مقدمة من قبل الحكومة الأردنية لأبناء فلسطين ، مثلهم مثل أبناء المخيمات ، وأبناء مناطق 48 ، وهي العناوين الثلاثة المقدمة من قبل الأردن للشعب الفلسطيني عبر منظمة التحرير لمواصلة حياته وتحسين مستوى معيشته عبر التحصيل الأكاديمي الجامعي .
عملية تل أبيب تنير الطريق لكل عاقل ، أن طريق الحياة والكرامة مفروشة بالتضحيات ، وأن خيارات الأحتلال الإسرائيلي مهما بدت متفوقة ، فهي متعاكسة مع حق الأنسان الفلسطيني في الحياة الطبيعية مثل كل الشعوب ، وكافة أبناء البشر ، وأن طريق العنف والعنف المضاد ، والقتل والقتل المماثل سيتواصل طالما أن الكرامة وحق الحياة على أرض الوطن مفقودة وغير مضمونة للفلسطيني الذي لا وطن له ولا كرامة له سوى على أرض وطنه فلسطين ، الذي لا وطن له سواه .
وبعيداً عن الأنفعالات ، لندقق بالفعل الواعي الصادر عن عدد من قيادات الجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية الذين تجمعوا حول حركة أسموها " ضباط لصالح أمن إسرائيل " وأطلقوا مبادرة مصاغة من جانبهم تحت عنوان " الأمن أولاً " وتم تسليمها للحكومة ولأعضاء الكنيست وسربوها للصحفيين وأعلنها رئيسهم ضابط الأحتياط أمنون رشف بقوله " خطة العمل تعتبر وسيلة للخروج من المأزق الذي وجدت اسرائيل نفسها فيه، وتحسن من وضعها الأمني السياسي، فقط عملية متكاملة : أمني ، مدني ، اقتصادي وسياسي في الضفة والقدس وقطاع غزة – يمكن ان تؤدي الى تحسن كبير ودائم في الوضع الأمني الإسرائيلي ، لذلك يجب اخذها كوحدة واحدة " وقال " كلما تدهور الشعور الشخصي بالامن ينقسم الخطاب في اسرائيل ويصبح أكثر عنفا، ولدى طرح البرامج، بدلا من الجدل حول وجود شريك فلسطيني أم لا، دولة اسرائيل قادرة على اخذ زمام المبادرة واتخاذ تدابير أمنية مستقلة من شأنها تعزيز مكانتها ، وخلق الأمن والسلام ووقف الانقسام بين صفوف الشعب" .
ويطالب الحكومة الإسرائيلية " الاعتراف بكافة البلدات والاحياء الفلسطينية في مدينة القدس كجزء من الدولة الفلسطينية ، ولدى التوصل الى اتفاقية نهائية مع الجانب الفلسطيني تكون اسرائيل ملتزمة بهذا الموقف ، كذلك يتوجب على اسرائيل ان تعلن بشكل واضح بأنها لن تقوم ببناء أي مستوطنة جديدة ، وعدم توسيع المستوطنات القائمة ، وتعلن احترامها وحفاظها على الوضع القائم المعمول به في المسجد الأقصى ، وكافة الأماكن المقدسة الأخرى ، وتعلن عن قبولها مبادئ المبادرة العربية للسلام كأساس للمفاوضات ، وتصدر بيان تقول فيه الحكومة أنه لا يوجد لديها أي اطماع في المناطق التي تقع شرقي الجدار، وهي تحتفظ بها اليوم وتتواجد فيها حتى التوصل الى اتفاقية نهائية " .
وتضم هذه الحركة ما يقارب من 200 ضابط سابق من كبار ضباط الجيش وأجهزة الأمن ، من بينهم رئيس جهاز الموساد الأسبق شبطاي شبيط ، وقائد الجيش الاسبق دان حلوتس ، ورئيس جهاز الشاباك الاسبق عامي ايالون ، وداني ياتوم رئيس جهاز الموساد الأسبق ، والضابط احتياط داني روتشلد ، والضابط اهود جروس ، مما يدلل على أن الأحساس بالإنتصار مفقود ، والأحساس بالأمن مفقود كذلك ، وأن لا خيار أمام الإسرائيليين سوى التوصل إلى إتفاق يوفر للفلسطينيين الأمن والكرامة والعدالة المفقودة ، ذلك هو الخيار الأصوب لوقف كل أشكال العنف من الطرفين ، من الأحتلال ومن المقاومة ، من الفلسطينيين ومن الإسرائيليين على السواء ، فهل تستجيب حكومة المستوطنين والتوسع والضم الإستعماري لنداء ضباطهم أصحاب الخبرات والتجارب في مقارعة الفلسطينيين وإحباط مقاومتهم ؟؟ .