:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/10200

الآثار الخطيرة لتغييب المشروع الوطني الفلسطيني-معتصم حمادة

2016-06-30

جرى تغييب المشروع الوطني في إنقلاب أوسلو، ومازالت القضية تعيش سياسة المناقصة المحلية والعربية
غياب البرنامج الوطني عن ساحة العمل الوطني الفلسطيني، يترك فراغاً، يتيح في المجال للعديد من الأطراف العمل على ملئه، بموجب وصفات سياسية ومكاسب فئوية خاصة بها، إن على الصعيد الفلسطيني نفسه، أو على الصعيد العربي، والإقليمي وكذلك الدولي.
وهو الأمر الذي يحول القضية الفلسطينية، من قضية لشعب له حقوقه الوطنية المشروعة، غير القابلة للتصرف، إعترفت بها مؤسسات المجتمع الدولي، إلى شعب مشتت بين الأقطار المختلفة يعيش في ظل أوضاع متباينة، تتلاعب به الظروف السياسية المحلية، وتعمل الأطراف المهيمنة على إخضاعها لأهوائها ومصالحها الخاصة، وتتحول قضيته إلى موضوع للتجارة، سلباً وإيجاباً، يدفع ثمن هذه السياسات من حقوق أبنائه، وحقهم في العيش الكريم، ويدفع ثمن هذه السياسات في إلحاق الضرر بقضيته وتشويه صورتها، وتشويه حقوقه، والعمل على إلحاقه بهذا المحور أو ذاك، وإبقائه تحت هيمنة وتأثير هذه المحاور.
والأخطر من هذا إن غياب المشروع الوطني الموحدّ والموحدّ، من شأنه أن يفتت الحالة الفلسطينية الداخلية، وأن يشتت قواها، وأن يحولها من طرف مقرر في الإقليم، وفي مصير الشعب، إلى أطراف ملحقة يبحث كل منها عن تحالفات، ليس في خدمة القضية والمصالح الوطنية، ووفقاً لحسابات تخدم الشارع الفلسطيني وحركته السياسية، بل في خدمة المصالح الخاصة بهذه الأطراف المحلية، منفصلة أو متحالفة، ولصالح أطراف إقليمية على حساب المصلحة الوطنية، ويصبح أحياناً الدفاع عن سياسية عاصمة معينة، أهم من الدفاع عن القضية الفلسطينية حتى ولو أدى هذا إلى الإنسلاخ عن القضة بذرائع إيديولوجية مختلفة.
* * *
لذلك إذا ما راجعنا مسيرة الحالة الفلسطينية منذ أن إنقلبت القيادة الرسمية على البرنامج الوطني الفلسطيني وإلتحقت بمشروع أوسلو، بشروطه الهابطة، وإلتزاماته المذلة وطنياً، بدأت تقتات على سلسلة من المشاريع المتنوعة والمبادرات المختلفة، وكلها تأتي من خارج السياق الوطني الفلسطيني، وتندرج في سياقات إقليمية مؤذية.
فيعد إتفاق أوسلو، في 13/9/1993، تنازلت القيادة الرسمية تنازلاً خطيراً بعد إغتيال رابين، في 5/11/1995، ورضيت بتأجيل إطلاق مفاوضات الحل الدائم مع حزب العمل ورئيسه الجديد شمعون بيريس، في خطوة أرادت من خلالها تجيير القضية الفلسطينية كلها، لصالح حزب العمل، في دعم له في معركته الإنتخابية ضد الليكود وباقي خصومه السياسيين. ولعل هذه الخطوة تشكل ذروة في التفريط بالحقوق الفلسطينية حين يجري تغليب مصلحة حزب إسرائيل على مصلحة الحالة الفلسطينية وحين يجري ربط القضية الفلسطينية ومصالح شعبها بفوز حزب العمل أو خسارته في الإنتخابات، لا لشيء، سوى لأن هذه القيادة تخلت عن المشروع الوطني الفلسطيني، وإلتحقت بمشروع أوسلو، وإعتقدت واهمة أنها أصبحت بذلك شريكاً مع حزب العمل في مشروع سياسي واحد، وأنها أصبحت بذلك طرفاً في المعادلة السياسية الإقليمية كما تصوغها الولايات المتحدة، ولأنها إعتقدت بالمقابل أن بقاءها متمسكة بالبرنامج الوطني الفلسطيني من شأنه أن يعزلها سياسياً وأن يخرجها من المعادلة السياسية الأميركية للمنطقة.
ولما أفلست آلية تطبيق إتفاق أوسلو، وتبين أن الجانب الإسرائيلي إعتمد إستراتيجية المماطلة في التقدم إلى الأمام على طريق حل قضايا الوضع الدائم، وأغرق المفاوضات بالقضايا الجزئية، إلتقط الجانب الفلسطيني الرسمي خطة خارطة الطريق المقدمة من اللجنة الرباعية، بإعتبارها خشبة الإنقاذ له ولإفلاسه السياسي بعد أن تخلى عن المشروع الوطني لصالح أوسلو. الملاحظ أن الطرف الفلسطيني الرسمي، وتدليلاً على أزمته السياسية إلتحق بخطة خارطة الطريق حتى قبل الإعلان عنها، وتعامل معها بإعتبارها الحل الأمثل الذي لا مثيل له في حلبة الحلول للصراع مع الإحتلال الإسرائيلي. وكان واضحاً أن إستغراق الجانب الرسمي الفلسطيني في البحث عن حلول بديلة للمشروع الوطني الفلسطيني، لا يكشف أزمته السياسية فحسب، بل يفاقم هذه الأزمة ويضعف الحالة السياسية الفلسطينية، ويفتح في جدار مناعتها العديد من الفجوات، ويتيح للعديد من الأطراف المحلية والعربية والإقليمية مواصلة التلاعب بالقضية الوطنية، إما من بوابة تأييد المنحى الجديد للحل، كخطة خارطة الطريق، وإما من بوابة رفض هذا المنحى، وفي كلا الحالتين، يكون الأمر على حساب الحقوق الوطنية، خاصة عندما تسود المفاهيم الشعبوية، في المزايدات الوطنية، أو المفاهيم المضطربة في المفاوضات، مما يلحق تشويهات كبرى بالخطاب السياسي الفلسطيني، وبالمفاهيم السياسية والمعادلات.
* * *
موت خطة خارطة الطريق، قبل إقلاعها، وقبل أن تشهد آليات تطبيق بعض جوانبها النور، حل مشروع «الدولتين» مكانه «الاستراتيجي» في ملف المتابعة الدولية والإقليمية والعربية للقضية الفلسطينية مستنداً في الوقت نفسه إلى مبادرة عربية للسلام تبنتها قمة بيروت في العام 2002.
وهكذا، ونتيجة الإفلاس السياسي القاتل الذي تعاني منه القيادة الفلسطينية الرسمية، تحول، من جديد، «حل الدولتين» و«المبادرة العربية» إلى خشية الإنقاذ الجديدة، بعد أن تبين إفلاس الرهان على خطة خارطة الطريق.
«حل الدولتين» من شأنه، كما تكشفت سيناريوهات تطبيقه(آخرها وزمة عباس ــــــــ هرتسوغ)، أن يلغي القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية وأن يلغي حدود 4 حزيران /67، وأن يشرع الاستيطان، وأن يعتمد حدود «الجدار» حدوداً لدولة بلا سيادة، تخضع لرقابة أمنية إسرائيلية وأجنبية، وأن يشطب حق العودة للاجئين، وبالتالي فإن أي إدعاء أن «حل الدولتين» يشكل نسخة أخرى من المشروع الوطني هو إدعاء كاذب لا يمت إلى الحقيقة بأية صلة.
أما مبادرة السلام العربية، فإنها القنبلة العربية التي من شأنها أن تفجر الموضوع الفلسطيني وأن تدمره. فهي أولاً فتتت الحقوق الوطنية المشروعة لشعب فلسطين، فشطبت الحقوق الوطنية والقومية للفلسطينيين داخل الكيان الإسرائيلي، وأسقطتها من حساباتها، وتركتهم لوحدهم في معركة صون الشخصية والحقوق الوطنية في مواجهة قوانين الأسرلة والتمييز العنصري. وهي، في الوقت نفسه شطبت حق العودة للاجئين وأسقطته من نصها ولم تأتِ حتى على ذكره، ودعت بدلاً منه إلى «حل متفق عليه» مع الجانب الإسرائيلي (وهو مشروع ابتدعه أساساً شمعون بيريس في أطروحته المعروفة «للسلام» في «الشرق الأوسط الجديد»، كما قدمت للكيان الصهيوني هدية كبرى تتمثل في الإعتراف به وتطبيع العلاقة معه، من قبل الدول العربية كلها، ومن خلفها الدول الإسلامية كذلك، في إنحياز فاقع للمشروع الصهيوني، مقابل الدولة الفلسطينية التي كانت محوراً من محاور المشروع الوطني الفلسطيني، لكنها حولت هذا المحور من محور كفاحي نضالي، إلى جزء من صفقة خاسرة، والدليل على ذلك أن باب النقاش، أخذ طريق المناقصة في الدعوة إلى التطبيع قبل الإنسحاب من الأرض العربية المحتلة. والمناقصة في ملامح الدولة الفلسطينية من دولة مستقلة كاملة السيادة، عاصمتها القدس الشرقية بحدود الرابع من حزيران 67، كجزء من حل إستراتيجي شامل، يقود إلى فكفكة الكيان الصهيوني وفكفكة منظومته القانونية والسياسية، من هذا كله، إلى دولة منقوصة السيادة، على الأرض والشعب، ومنصة يتم الانطلاق منها نحو التلاقي مع المشروع الصهيوني في إطار شرق أوسط يقوم على أنقاض إتفاقية سايكس ــــــ بيكو، وعلى حساب مصالح شعوب المنطقة، وعلى حساب حقها في إقامة دولتها الوطنية وحماية وحدتها الترابية وصون ثرواتها المالية والباطنية ومواردها الإقتصادية.
المعركة لإعادة الإعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني تستحق أن تكرس لأجلها الجهود الوطنية، الفلسطينية وكذلك العربية.