الأتفاق الإستراتيجي التركي الإسرائيلي -حمادة فراعنة
2016-07-03
فعلاً " تمخض الجبل فولد فأراً " كما يُقال ، وينطبق ذلك على الأتفاق التركي الإسرائيلي من وجهة نظر ناقديه ، من الفلسطينيين والعرب وحتى من بعض المسلمين ، وحقيقة هو ليس فأراً بل هو مساهمة ملموسة لصالح أهالي قطاع غزة المحاصرين الذين لا رافعة فلسطينية أو عربية إو إسلامية أو دولية لهم ، تجعل من الحصار الإسرائيلي الظالم المفروض عليهم بمثابة جريمة أمام المجتمع الدولي لمعاقبة المجرم الإسرائيلي الذي يفرض الحصار ، وهي جريمة بكل المعايير السياسية والقانونية والأخلاقية ، ولكن الحصار ومن يفرضه بدلاً من توجيه الأدانة له ، يجد التفهم الدولي حفاظاً على أمن المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي .
لقد تم خطف قطاع غزة ، منذ الأنقلاب الأسود الذي نفذته حركة حماس الأخوانية ، وأطلقت عليه " الحسم العسكري " في حزيران 2006، وفشلت حركة فتح في إحباط الأنقلاب ومواجهته ، وأخفقت القيادة الفلسطينية طوال تسع سنوات من إستعادة قطاع غزة بإعتباره جزءاً من مسؤولياتها ، ولأن المحافظات الجنوبية جزءاً من مشروع الدولة المنشودة التي إعترفت الأمم المتحدة يوم 29/11/2012 ، على أنها أراضي الدولة الفلسطينية ، وتم التعامل مع هذه المعطيات كأمر واقع مفروض .
السلطة الفلسطينية في رام الله تقع تحت سلطة الأحتلال الأجنبي الأستعماري ، ومرتبطة معه بإتفاق التنسيق الأمني الذي يمنع عنها ممارسة أي فعل كفاحي ضد الأحتلال بهدف تقويضه وجعله مكلفاً حتى يرحل ، وسلطة حماس في غزة تقود منفردة القطاع وتفرض عليه قوانينها وإجراءاتها ورؤيتها الحزبية الأيديولوجية ، وتوصلت إلى إتفاقات وتفاهمات مماثلة مع سلطات الأحتلال الأجنبي الأستعماري الإسرائيلي ، من خلف ظهر الرئيس الشرعي والمنتخب ، وبدون التنسيق مع رام الله أو حتى مشاورتها ، فالتفاهمات والتهدئة التي تم التوصل إليها في أعقاب ثلاثة حروب شنها جيش الأحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة ، في 2008 و 2012 و 2014 ، لم يكن أبداً يستهدف إسقاط سلطة حماس أو تقويضها ، بل سعى للحفاظ عليها وإبقاء سلطتها ، ولكنه هدف إلى تقليم أظافرها وخلع أنيابها ، وجعلها غير قادرة على ممارسة الفعل الكفاحي ضد الأحتلال ، وضد أي عمل عسكري ينطلق من قطاع غزة ضد مناطق الأحتلال الأولى عام 1948 ، ولذلك تم التوصل إلى التفاهمات وإتفاق التهدئة عبر وساطة القاهرة ، وتم توقيعه في 21/11/2012 في عهد الرئيس محمد مرسي ، وتم تجديده يوم 26/8/2014 في عهد الرئيس السيسي .
ومنذ الأنقلاب التوصل إلى تفاهمات القاهرة في عهد الرئيس مرسي عام 2012 ، وإتفاق التهدئة في عهد الرئيس السيسي عام 2014 ، فشلت حركة حماس في تحقيق غرضين :
أولهما : الحفاظ على دورها ومكانتها كفصيل كفاحي وجه ضربات موجعة للعدو الإسرائيلي أرغمت شارون على ترك قطاع غزة وإزالة المستوطنات وقواعد جيش الأحتلال عام 2005 ، ودفعت غالبية أهالي قطاع غزة والضفة للإنحياز لها ، والتصويت لصالحها في الأنتخابات التشريعية في شهر كانون ثاني 2006 ، وحصولها على الأغلبية البرلمانية بواقع 75 مقعداً أهلها لتشكيل حكومة حزبية منفردة برئاسة إسماعيل هنية ، في مواجهة حركة فتح التي حصلت على 45 مقعداً فقط .
وثانيهما : إخفاقها منذ توليها للسلطة منفردة في قطاع غزة في تقديم نموذج فلسطيني يُحتذى للفلسطينيين ، لا إنتخابات بلدية ولا نقابية ولا مجالس طلبة الجامعة ، ولا حرية صحافة ولا حرية تظاهر ورفض أي مظهر من مظاهر التعبير عن الرأي ، وهكذا قدمت نموذجاً مذلاً للشعب الفلسطيني ، ونموذجاً مماثلاً لأحزاب وإدارات حسني مبارك ، ولجان معمر القذافي الثورية ، وزين العابدين بن علي ، وغيرهم من الأحزاب المتسلطة الأحادية التي لا تقبل بالأخر ، ولا تقر بالتعددية ، ولا تستجيب لقيم تداول السلطة ، وعدم الأحتكام لصناديق الأقتراع .
أهالي غزة محاصرون ، وحركة حماس الأخوانية التي تنظر إلى تطورات الأحداث وفق مصالحها الحزبية وعليه لم يتردد د . أحمد يوسف وهو أكثررموز حركة حماس إنفتاحاً وموضوعية في النظر إلى الأتفاق التركي الإسرائيلي بإعتباره إنجازاً يقدم لأهالي غزة بصيصاً من الأمل وقليلاً من الحياة فيقول 1- " إن الأتفاق أبعد شبح الحرب عن القطاع ، في ظل العلاقات والترتيبات الأمنية بين الطرفين " بين أنقرة وتل أبيب ، و 2- الأتفاق تحدث عن " الأشكاليات المتعلقة بالكهرباء والمياه وعجز المستشفيات عن إستيعاب الحالات المرضية والخط التجاري بين تركيا وغزة ، فضلاً عن المنشأت السكنية وتفعيل المنطقة الصناعية المتعطلة ، بإعتبارها قضايا تحمل صفة الأولوية بالنسبة للقطاع " ، وهو يتفهم موقف تركيا لأنه " فوق الشبهات " على حد وصفه ، ولذلك يُقدر القيادي الحمساوي موقف تركيا بقوله " تركيا لم تستطع إنجاز مطلب رفع الحصار عن قطاع غزة ، مما دفعها للتراجع عن هذا الشرط ، مقابل بذل الجهود الحثيثة لتقديم كل ما يلزم من أجل تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين في قطاع غزة " .
حركة حماس من جهتها أكدت في بيان أصدرته يوم 28/6 " تمسكها بمواقفها المبدئية تجاه الأحتلال الإسرائيلي وفي مقدمتها إنهاء الأحتلال وتحقيق الحقوق الوطنية " وهي " تتطلع إلى مواصلة تركيا لدورها في دعم القضية الفلسطينية ، وإنهاء الحصار كاملاً عن قطاع غزة ، والضغط على الأحتلال لوقف إعتداءاته على الشعب وعلى الأرض الفلسطينية " .
بينما أكدت حركة الجهاد الإسلامي " رفضها التطبيع مع العدو الصهيوني من قبل أي طرف عربي أو إسلامي تحت أي مبرر أو ذريعة " وبمعزل عن أي إتفاق ، فهي " ترحب بأي جهود عربية أو إسلامية لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني ، وإنهاء الحصار عن قطاع غزة بالكامل " .
من جهتها إعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن " الأتفاق يدشن تطوراً في التعاون الإستراتيجي التركي الإسرائيلي ، المستمر منذ قيام الكيان الصهيوني المحتل " .