حواتمة في حوار مع «مؤسسة بيلست الوطنية للدراسات والنشر والإعلام»
2016-07-09
تقديم:
ضيفنا في هذا الحوار القيادي الفلسطيني الكبير، المقاوم المفكر وفيلسوف الثورة الفلسطينية، اللقب الذي أطلقه عليه زملاءه في قيادة الثورة واهل الثقافة في فلسطين والبلاد العربية، ورعيلها المؤسس، يبرز دوره في منعطفاتها الحادة، ويحق لنا أن نطلق على هذا الحوار عنواناً مضمونه: «نحن بحاجة فعلية إلى حركة إصلاح سياسي ثقافي شامل، تبدأ من مؤسساتنا الكبرى..»، لأنه يحق لنا أن نحلمبالاستقلال الوطني الناجز، كما يحق لأجيالنا اللاحقة أن تحلم بيوم يكون فيه النظر إلى السياسة من زاوية الثقافة والمعرفة والفكر، لا العكس، وأن تكسب هويتها من مثقفها العضوي باعتباره ثروة إنسانية هامة، بعيداَ عن التلميع الإعلامي والتزويق الفصائلي، بل، بكل مَن ينهض بطموحات وحقوق شعبه، وبالإبداع الفردي والجماعي.
فيلسوف الثورة وقوة الجدل، كي لا تصاب الثورة ذاتها بالكسل الذهني، لحياة رتيبة في واقع احتلالي اقتلاعي قاس، لِيطلق عليها لاحقاً مصطلح «انسداد»، والانسداد ذاتي بكل معانيه، رتيباً انتظاريا فاقداً للحوافز التي تؤهله للتحديات، في الجغرافيا والتاريخ، والتأقلم مع تنميطه، في حرائق التاريخ، وفي سخامة الأسود لشعوبهم.
لا غرابة فيما ترى عربياً هنا وهناك، في أزمة الفكر العربي، وقصوراته في الإجتياح الكولونيالي الجديد للمنطقة، لقد أطلق حواتمة على فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي مصطلح «النهوض» و«الزمن العاصف»، وأبكر وهو في يفاعة الشباب على الربط بين التحرر الوطني والإستقلال العربي الناجز بالحداثة، أي الربط بين الديمقراطية والعدالة الإجتماعية، وكانت الحرية وتقرير المصير والخلاص من «الإستعمار الجديد» والتبعية في أجندة حواتمة، تقوم على الربط بين البرلمان والتعددية وتداول السلطة «الديمقراطية» مع التنمية والعدالة الإجتماعية، أي مشروع العدل الإجتماعي، ودونه فإن ثورات الإستقلال ستعود إلى الإستبداد وموروث الماضي.
حواتمة في شغله الشاغل يمعن النظر: الإنسداد التاريخي للعقل العربي مديد، وقد أورث هذا العقل الكسل والرتابة والعيش على الماضي بإسم الموروث، وهناك ما يكرره عن هذا التاريخ، أجدادنا «العظام» ورثوا الكسل وورثوه، المستبدون اللئام أورثونا تاريخهم الذي دونوه، وهو مليء بالحروب الداخلية، والدم والقتل مفردة المتن في قاموسهم، والعروش لا تنتصب إلا على عظام الموتى، ولا تتغذى إلا على الدم، معضلة تاريخينا الإنقسامات ودورات الدم العربي ذاته، وبإسم السماء..
واليوم فلسطين على مفترق طرق، كما العرب على مفترق طرق، بعد أن فقدوا عوامل مناعتهم، عوامل الديموية والقدرة على التجاوز، وهم يأكلون أنفسهم بأنفسهم، ويلوذون بالماضي فتكاثرت عليهم الضواري، دون القدرة على تلمس الحاضر والمستقبل، تآكل ذهب بالوحدة وبالمصير المشترك وأدواته وتطلباته، فقدان البوصلة بين الجهات الأربعة، البوصلة التي تقود إلى التضامن والنهوض، ويشتد الإرهاب، الإنقسامات والتطرف التكفيري وإستباحة الإنسانية بالمقابر الجماعية، والدم لشفاء «الغليل الإلهي» الذي في العروش، بدلاً من المقاومة الجدّية والدفاع عن الذات.
يمكن لمن يتابع حواراته وكتبه في الجانب الفلسطيني، أن يستخلص معاني حياته العامة وما واجهه من تحديات كبيرة، بعضها إستهدف حياته الخاصة بشكل مباشر، خاصةّ بعد هزيمة وعدوان حزيران/يونيو 1967، بسبب من رفضه الهزيمة ونتائجها المادية، وبسببٍ من أفكاره ضد التنميط والتعليب، وتعميم «القطعية المعرفية».
في حوارنا هذا يقدم رؤيته لمحاوريه، بلغة بسيطة موثقة وثرّية في منهجه، كي لا يكون الرصيف هو الوطن المباح للمنسيين، حين يكون الحزن العربي المقيم هو الفقر والأمية والمجاعات والحروب الأهلية الداخلية، وحين يكون الإقتلاع والمجازر والعقوبات الجماعية هو مصير فلسطين.. وليؤكد مجدداً.. أن فلسطين ستنتصر..
«بيلست»
· في التحولات المجتمعية الداخلية الاسرائيلية، تجري سطوة وغطرسة "المجمع الاستيطاني الاستعماري".
· الانقلا بات السياسية لنتنياهو، انقلاب على الطبخة السياسية بينه وبين دول اقليمية ودولية وعربية، انقلابات على تفاهمات كثيرة، دفع بها ليبرمان إلى كرسي وزارة الحرب..
· تغول اليمين العنصري واليمين الديني في "اسرائيل"، يفاقم النزعة الفاشية العنصرية.. وتسييس الدين يؤدي إلى انقلابات في منظومة "القوانين الوضعية" والمدنية، لصالح قوانين وفتاوي دينية متطرفة
■ لقد كشفتم ألاعيب نتنياهو رئيس الحكومة العنصرية المتطرفة، والذي دفع بـ «ليبرمان» إلى كرسي وزارة الحرب والعدوان، كيف تنظرون إلى تحولات المشروع الصهيوني «المجتمعية» في الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية، والأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967؟ّ!
■■ بدايةً، لتكن زاوية وبؤرة الرؤية إلى «المؤتمر الصهيوني الأول» الذي عقد في مدينة بازل السويسرية، وإستناده على أسطرة «الوعد الإلهي» المزعوم في فلسطين، وإلى «الوعد البريطاني بلفور» في العام 1917 بمحدداته الإمبراطورية البريطانية «التي لم تكن تغيب عنها الشمس»، «وطن قومي لليهود في فلسطين»، وحددته العصابات الصهيونية من «النيل إلى الفرات» كما نصت عليه سقف أطماعها السياسية ومرتكزاتها الايديولوجية، وفي ترجماتها لإتفاقية «سايكس بيكو» البريطانية الفرنسية في العام 1916، وجاءت النكبة الوطنية العربية الكبرى عام 1948، وقد وضعت العصابات الصهيونية يدها على 78 بالمئة من فلسطين التاريخية، وجاء عدوان وهزيمة الخامس من حزيران يونيو 1967ليعمق الأسطرة الصهيونية بإحتلال كامل فلسطين التاريخية، وسيناء المصرية وهضبة الجولان السورية و«أسطرة الجيش الذي لا يقهره»، والأسطرة المحددة «من النيل إلى الفرات»، بما يرمز له العلم الإسرائيلي بالأزرق على الأبيض، ومضى بين التاريخين قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين رقم 181: دولة يهودية 54 بالمئة، ودولة فلسطين عربية 46 بالمئة، وإرتباطه بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وممتلكاتهم، القرار الأممي رقم 194، وجاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الذي نص على «عدم ضم الأرض بالقوة».
لقد هدف وعد بلفور إلى هدفين، الأول: هو إنهاء «المسألة اليهودية» بما تعني من مسألة أوروبية، والثاني: الربط العضوي بينها وبين المشاريع الإمبريالية والكولونيالية وضواريها الأوروبية الأمريكية بإقامة قاعدة إستعمارية لها، قاعدة متقدمة في قلب الوطني العربي، تمنع حركة النهضة والتقدم وتعيق فكرة الوحدة العربية، كي تبقى مجزأة ومتخلفة، مرتبطة بالمركز الإمبريالي.
بعد عدوان الخامس من حزيران يونيو عام 1967، أعلنت «إسرائيل» ضم القدس الشرقية المحتلة بذلك العام، وفي شهر أيار/مايو الماضي أعلن رئيس الحكومة الإئتلافية اليمينية المتطرفة نتنياهو أن «هضبة الجولان (المحتلة) لن تعود إلى سوريا في أية تسوية محتملة»، بما يشير إلى التوجهات الرسمية التي تخطط لها حكومة نتنياهو المتطرفة والعنصرية.
في العام 1993 تم التوقيع على «إتفاقية أوسلو» بين الحكومة الإسرائيلية وفريق سلطوي في منظمة التحرير الفلسطينية مدعوم من الأنظمة العربية والادارة الأمريكية، وبعد أكثر من عشرين عاماً لما سميّ من بدء «عملية السلام في الشرق الأوسط» ـــــــ مؤتمر مدريد، والمفاوضات في إطار ما سميّ بـ «حل الدولتين»، وهو ما ناضلنا ضده منذ بداياته في مؤتمر مدريد عام 1991، وكسر قرارات المجلس الوطني لمنظمة التحرير سبتمبر/ايلول 1991، ليتضح عدم إمكانية تنفيذ هذا الحل، لأن الإحتلالية الإستيطانية الإستعمارية على مدى أكثر من 22 عاماً من المفاوضات العقيمة العبثية المدمرة قد إبتلعت الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، ويجري تهويد القدس الشرقية وعلى قدم وساق.
«القوانين والتشريعات» التي سنت وتسن تلغي الفكرة من جذرها، وليس آخرها ما أعلنته «وزيرة العدل» إيلييت شكيد، قانون ضم الضفة الفلسطينية، أي إخضاعها للقوانين الإسرائيلية، بهدف «مساواة الإستيطان في الضفة الفلسطينية، بإقرار «القانون» كأمر عسكري لقائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي» ـــ أي المسؤول عن إحتلال الضفة الفلسطينية ـــ، والقفز عما يسمى بـ «الخط الأخضر» وحدود عام 1967.
لقد وصفت ذلك صحيفة «معاريف» الإسرائيلية (1/5/2016) بأنه «قنبلة سياسية»، وإعتبرته الأكبر منذ عدوان وإحتلال 1967، في هذا التراكم المنهجي وأشباه شكيد، سبق وأن قدمت (النائبة) من المستوطنة في تحليل أوريت ستروك، وعضو الكنيست عن (الليكود) ياريف ليفن مشروعاً مشابهاً، لكن نتنياهو أوقف عملية التصويت لأسباب الخوف من ردود الفعل العالمية، مع إستمرار في تغيير الوقائع على الأرض، «بالأمر الواقع».
لقد رفض نتنياهو المبادرة الفرنسية رسمياً وعلى الملأ، وهو يدرك جيداً أن «قرارات» الحكومات الإسرائيلية منذ 23 عاماً على بدء المفاوضات الإسرائيلية ـــــ الفلسطينية، برعاية منفردة أميركية لما نسميه «عملية السلام» المزعومة، وبما يتعلق بالإستيطان الإستعماري، فإن واشنطن لم تفعل شيئاً، رغم قولها أنها «معيقة للسلام».
وهو ما كنا نوجه أسئلته ومخاطرة لدعاة أوسلو، وضرورة مغادرته، ووقف المفاوضات العبثية المدمرة، و «التنسيق الأمني»، والتوجه إلى الإستراتيجية الوطنية الفلسطينية والبناء عليها، نحو تدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، لقد بدأ هذا الموقف منذ مؤتمر مدريد عام 1991.
في التحولات المجتمعية الداخلية الإسرائيلية، يمكننا أن نشاهد بسهولة سطوة وغطرسة «المجمع الإستيطاني الإستعماري»، داخل المجتمع، مثلما هجرة العلمانيين من القدس الشرقية، لأسباب عدم قدرتهم على الحياة في واقع متزمت، مؤشرات عدم فعاليتهم، تشير إلى «دور تسييس الدين» وأسطرته، كما يمكننا رؤية ماسميته بالإنقلابات السياسية لنتنياهو، إنقلاب على الطبخة السياسية بينه وبين دول إقليمية ودولية وعربية بتشكيل حكومة إئتلاف موسعة بين (الليكود) والمعسكر الصهيوني (هرتسوغ)، إنقلابات على (هرتسوغ)، إنقلابات على «تفاهمات» كثيرة, يدفع بها ليبرمان إلى كرسي وزارة الحرب، وهو في الأصل مديراً لمكتبه عندما شكل حكومته الأولى، في المباراة بين التطرف والتطرف الأشد، هنا لا أقول لا فرق، فالفروق في هذا العالم باتت بين المطر والمطر، يمكنك أن نشاهد مطراً لا هو كالمطر ممتلئ بالسخام الأسوط والأحماض، مع بدايات الموسم وحتى تغتسل السماء من الكربون والإنبعات الحراري وتلوث البيئة، وكثيراً ما نشاهد أيضاً في منطقتنا أمطاراً طينيه صحراوية بفعل مدار السرطان، كما هو الإستيطان الإستعماري على «أرض إسرائيل الكبرى»، الإستيطان يغيرّ التوازن في فلسطين، كما يغير التوازن «المجتمعي» الإسرائيلي ويذهب به نحو الأشد تطرفاً، مباراة شيطانية، في يوم (18 ــــــ 19/5/2016 حملت الصحف الإسرائيلية «إنقلاب نتنياهو»، بعضها حمل شعوراً بالصدمة، وفي يوم (20/5) ردت صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من نتنياهو رداً على (الإمتعاض) الرسمي العربي والمخاوف الداخلية «الإسرائيلية»، ليبرمان وزيراً للحرب، الذي سبق له وأن صرح بضرب السد العالي بمصر بقنبلة نووية، بالقول: «لا بأس سيعتادون، أولئك الذين يصرخون الآن، وسبق لهم وصرخوا حين جرى تعينه وزيراً للخارجية».
لكن الحقيقة لها جوهرها ووجها، وهي إصرار نتنياهو على الذهاب في طريق اليمين والفاشية والعنصرية والتوسع والعنف حتى نهايته، وأنه لا يوجد غيرها في جمجمته سوى العقلية الكولونيالية العنصرية «الإسرائيلية» عموماً، والمزيد من الغطرسة والدماء والجرائم والتوسع والعنف، وعلى الأنظمة العربية أن تستيقظ وتفيق من سباتها وإنقسامها العربي ــــ العربي، كما علينا أن ننهي هذا الإنقسام الفلسطيني المدمر.
فلسطينياً، إن الأمر محسوماً على المستوى الشعبي الفلسطيني، بعدم الإستسلام لمجرمي الحرب وزعران الفاشية والعنصرية.
■ من خلال نافذتكم وشرفتكم التحليلية والمعلوماتية والرؤيوية الواقعية لما يجري على الأرض الفلسطينية، هل من إنقسامات ستتعمق داخل المجتمع الإحتلالي؟ وقد شهدنا بمراحل من عمر ثورتنا نهاية صعود هذه الدولة الإقتلاعية الإستيطانية الإستعمارية؟ وأين ذهبت أسئلة مستقبل هذه الدولة، بعد متابعتنا هرتسليا الأخير؟!
■■ بعد مرور 68 عاماً على تأسيسها، يرى العالم الفاشية في أحلك تجلياتها العنصرية، كما يرى ذهاب الأفكار «المجتمعية» التي أسست لها، أو ما يسمى بـ «الصهيونية السياسية»، ثم أسئلة «ما بعد الصهيونية..»، ومراجعات «المؤرخين الجدد»، التي هزت عمارة «إسرائيل» في أساساتها بأفكارها، من بين هذه الأفكار، برزت ملامح أشرت لها مع إنطلاقة الثورة الفلسطينية، وإستحالة إقامة «دولة من الفرات إلى النيل»، بل وإستحالة السلام في «إسرائيل الكبرى» من النهر إلى البحر على كامل الجغرافيا الفلسطينية.
اليوم نشاهد تغول اليمين العنصري واليمين الديني المتطرف على وجه الخصوص، على مستوى الرأي العام، وإختراقة المؤسسات الحاكمة، وتفاقم النزعة الفاشية العنصرية، يتمثل هذا في الصعود القوي لتيار اليمين الديني المتطرف، فهو يلتهم الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 والقدس الشرقية، وبذات الوقت يجنح على صعيده الداخلي إلى فرض إنقلابات جديدة، في منظومة «القوانين الوضعية» والمدنية، لصالح «قوانين» دينية مستمدة من الأسطرة الإيديولوجية، وهو يقوض ما جرى ترويجيه منذ تأسيسها، ودعاوي إرتباطها العضوي، أي بين الصهيونية و «الديمقراطية»، هذه أسئلة «المستقبل في مؤتمر هرتسليا الأخير (تصريحات نائب رئيس الاركان يائير غولان، ايهود باراك رئيس وزراء وزير حرب سابق، موشيه يعلون وزير حرب سابق...)»، المخاوف من مقولات متطرفة منسوبة للدين اليهودي، التي تضع نهاية لمفاهيم «التبشير الصهيونية لما تسميه بـ «المجتمع الواعد»، والفاشية بدأت بتغيير شامل لمناهج التدريس بقيادة نفتالي بنيت وزير التربية والتعليم، نحو بناء أجيال تشرب حليباً مسموماً، وخطرها هو على المجتمع ذاته ومصير أبنائه.
وكذلك تجديد طرح «مستقبل إسرئيل» ذاته، في عدم قبول التجنيد والتهرب منه، وإرتفاع معدلات الهجرة المعاكسة، وتراجع سمعة «إسرائيل» ونفوذها في الخارج، وتزايد الميول العالمية لمكافحة فاشيتها، بفعل مقولات «الأسطرة الدينية» و «شعب الله المختار» و «القومية الدينية»، وهي تدرك عمق التحولات التي تجري في العالم خارج أسوارها، وضرورة إنصياعها بالوفاء لقرارات الشرعية الدولية، هذه المراجعات هي تلقائية بالنظرة للذات وللآخر، وخاصةً الذات الفلسطينية، ومن ثم «الأغيار»، علماً أن تأسيس الفكرة المروجة، هو طرح الصهيونية السياسية على انها «حركة تحرر وطني»، قام على الأسطرة الدينية وإستغلالها من قبل السياسة الصهيونية، في محاولات «ترسيخ العلاقة بين الشعب وأرضه»(!).
يجري هذا في مسار تحولاتها إلى «دولة دينية يهودية»، تعبر عنها فتاوي الحاخام الأكبر عوفاديا يوسف وإبنه الحاخام إسحق يوسف، حين يحددان (مبررات وجود الفلسطينيين على ارضهم)، بأنهم يجب أن يكونوا خدماُ لليهود، وأن يحظر عليهم كما على غيرهم من الأغيار أي (غير اليهود) العيش في هذه البلاد»، والحاخام يوسف هو أول من أفتى بالإغتيال الميداني للشباب الفلسطيني في إنتفاضته، ومن ثم العديد من الحاخامات.
هذه الفتاوي «بازار» لعرض المزاج العام، وهي أسئلة تثير الفزع الداخلي في «إسرائيل» لما سيؤول له المشروع المؤسس على المستوى الداخلي، وليس إنتصاراً لفكرة الإنسانية على مستوى خارجها فقط.
كذلك حين يضاف هذا إلى التفاعلات الدولية والتطورات الإنسانية، فإن التداعيات الداخلية على ضعفها الآن، لا تعني له شيئاً، فهو يسير في تعميق الإنقسامات الداخلية كيمين متطرف بأطروحاته الايديولوجية، فهو يريدها «دولة دينية» وما عداها من أفكار هي «لقيطة وملوثة». هذه المخاوف دفعت قيادات مدنية وعسكرية في «إسرائيل»، بوصفهم ما تمارسه تجاه الفلسطينيين «مماثل لما تعرض له اليهود في المحرقة النازية، إبان الحرب العالمية الثانية»، ألا يعبر هذا عن واقع إنقسامي في طوابق البناء الإسرائيلي، ويمكن إضافة له عوامل أخرى.
في منتصف أيار/مايو الماضي ألقى السفير الفنزويلي كلمة أمام مجلس الأمن، ونقلته صحيفة «إسرائيل اليوم» قال فيه: «إن إسرائيل تخطط لحل يقضي على الفلسطينيين، مثلما حدث لليهود في الحرب العالمية الثانية»، فبماذا يختلف السفير الفنزويلي في قراءته لواقعها، عما قاله رئيس هيئة الأركان يائير غولان بقوله نصاً: «إن (إسرائيل) تشهد في الآونة الأخيرة مظاهر عنصرية، تعيد إلى الأذهان ما عاشته ألمانيا في مرحلة ما قبل المحرقة اليهودية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي»، وقد أيده فيه «وزير البيئة الإسرائيلي» آفي غباي.
وقد أوردت صحيفة «يديعوت» بذات التاريخ بأن الأمين العام للأمم المتحدة «يتهم إسرائيل في تقرير سيصدره قريباً، بقتل ثلاثين طفلاً فلسطينياً»، وقد تزامن هذا مع محاكمات للأطفال الفلسطينيين، وأشارت «معاريف» بذات الفترة أيضاً بأن «التقرير سيتضمن تقييمات قاسية ضد المستوطنات، هي غير مسبوقة، وكذلك في هدم منازل الفلسطينيين والعقاب الجماعي (تقرير اللجنة الرباعية الدولية المقدم لمجلس الأمن الدولي 1/7/2016) والذي وصفه نتنياهو بأنه "خرافة.. فور تقديمه لمجلس الأمن 1 تموز/يوليو 2016، والسؤال هو حتى يتفاعل هذا كله، فإن المطلوب مرة أخرى العودة الفلسطينية إلى الإستراتيجية الوطنية، بدءاً من تدويل القضية الفلسطينية، لأن المزاج العالمي، ومناصرو القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية وعدالتها، ينتظرون هذا الموقف من أصحابها أولاً، كي يتزايد تضامن العالم المتفهم لقضيتهم، جراء السياسة المتطرفة والفاشية المناهضة للسلام في العالم ... جراء الممارسات العنصرية وجرائم الحرب ضد الإنسانية. يمتلك الفلسطينيون قوة الحق والحقوق التي ما بعدها قوة، في مواجهة حرب إبادة وإقتلاع وتنكيل عنصرية فاشية وضد محفزات الحقد والكراهية. بعد «مؤتمر باريس» أصدر أحد حاخامات المستوطنين، فتوى بتسميم مياه الشرب في القرى والمدن الفلسطينية، بهدف تهجيرهم من أرضهم، أو قتلهم، كما وردت بالصحف الإسرائيلية، وفي يوم 20 من حزيران/ يونيو ثم «اعتمدت الحكومة (الإسرائيلية) مئات ملايين الدولارات لتنفيذ مشروعات استيطانية في الضفة الفلسطينية، إن الحديث عن «السلام والمفاوضات» و«حل الدولتين» جرى استهلاكه بشراء الوقت في الإستيطان والتهويد، وبات استهداف الشعب الفلسطيني في وجوده وحقوقه على أرضه.
هذا كله، ألا يدفعنا لإنهاء الإنقسام المدمر، عشر سنوات عجاف بالصراع على "السلطة والمال والنفوذ بين طرفي الانقسام"، وتجاوز الإنقسام، وردع انفلات الجرائم ضد شعبنا، والوقوف بوجه الإستيطان الاستعماري الذي ينهب الأرض ويقتلع البشر والحجر والشجر.
إن تفعيل هذه التداعيات يبدأ وينطلق من الموقف الوطني الفلسطيني الجامع ، وهو ما يستدعي بفعاليته المواقف اللاحقة الدولية المؤيدة لقضيتنا والمناصرة لعدالتها.
■ الحكومة المتطرفة العنصرية وإئتلافها، تعمل على اللعب المكشوف على «مبادرة السلام العربية»، سبق وفضحتم في الجبهة الديمقراطية الخداع والمناورات الجديدة، نحو التطبيع وتزعم أحد شقي الإنقسام العربي ــ العربي، كيف ترون المستقبل العربي أمام محاولات «إسرائيل» الراهنة؟! وهل ستحلق سيناريوهات «إسرائيل» ف السماء العربية، نحو خرائط سياسية جديدة...؟
■■ تنظر «إسرائيل» إلى الحال العربية بإرتياح شديد، ومن الواضح الشديد الوضوح، بأنها تدخل يدها بما يجري على الأرض العربية من تدمير وتفتيت وشرذمة، يصب في مجرى مشروعها، وهناك على المستوى العربي الرسمي من يمارس ضغوطاً على السلطة الرسمية الفلسطينية، لتقديم تنازلات جديدة، قد تقنع «إسرائيل» بالعودة عن (لاءاتها) ورفضها لأي حل، ولأن أي تنازل جديداً لا يعني شيئاً، فلا يوجد ثمة ما يتنازلون عنه، وهي أولاً لا تريد (حلاً) ما..، تتذرع بـ «أمنها» وما يقتضيه من تنازلات تنهي جوهر وجود القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية من أساسها، بعض العرب الرسمي يريدها جزءاً من المواجهة في الانقسام الاقليمي والعربي، لذلك التنازلات وسيناريوهاتها، تتعلق بالأرض والاستيطان والمستوطنات والمياه واللاجئين والقدس الشرقية، فضلاً عن شروطها السياسية كلاعب اقليمي على مستوى العالم العربي، الفلسطيني الرسمي لم تعد لديه «بضاعة» ليتنازل عنها، وهكذا فالتوجه الإسرائيلي هو نحو العربي الرسمي، أي الأنظمة.
«إسرائيل» لم تأخذ الجهد الفرنسي بجدية، وعليه هي فقط مع «المفاوضات المباشرة على الجانب الفلسطيني دون سقف زمني ودون مرجعية، مع مواصلة الاستيطان، مفاوضات بلا اطار بل مفتوحة المدى، هي امتداداً للمفاوضات العبثية المدمرة 22 عاماً، ومواصلة لها.
التحركات الدولية والأوروبية على وزنها لم تقنع «إسرائيل»، ونتنياهو الذي يواصل لعبة تقديم «شيكات بلا رصيد» لأطراف عربية.
كما أن الإجراءات التهويدية في القدس الشرقية، تنسف كل الإدعاءات، بإعتبارها «عاصمة أبدية لإسرائيل»، ونتنياهو يردد في كل مناسبة، هنا نتنياهو لا يتحدى الفلسطينيون فقط، بل يتحدى النظام الرسمي العربي، والعالم بأسره الذي أصدر العديد من القرارات من خلال مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تدعو «إسرائيل» للإنسحاب من الأرض الفلسطينية، وترفض عمليات الإستيطان والإجراءات التهويدية التي تستهدف مدينة القدس، وهي تدرك أن القدس قد خرجت من الأجندات العربية الرسمية الراهنة، وأنها يتيمة تحت الإحتلال.
سبق وأن اعلنت أوروبا الغربية أنها ستحكم على الحكومة الجديدة، من خلال أفعالها، وكذلك الولايات المتحدة، ولكن هل ستفرض عليها عقوبات في مواجهة اغتصابها للأرض الفلسطينية، وممارساتها الفاشية، لا نتوقع ذلك، ما دامت السلطة الفلسطينية تندد فقط ثم تواصل تنسيقها الأمني، ومشروعها الفئوي الخاص الفاشل 22 عاماً من المفاوضات من فشل إلى فشل.
نتنياهو يشترط «تحديث» المبادرة العربية في قمة بيروت، والمقصود قلبها رأساً على عقب، بمعنى نسفها تماماً، وعليه فإن الأنظمة العربية أمام مفترق طرق، الأمر الواقع الذي تفرضه «إسرائيل» عليهم، أو البحث عن خيار آخر يتعلق بدورهم ورفض خيار الاستسلام لها.
سبق لنتنياهو إبان مؤتمر هرتسليا، وكان وزير حربه المقال يعلون على منصة الخطابة، وأخذ بالحديث عن المبادرة العربية، فأرسل له رسالة صوتية مباشرة على الخليوي، يقول لها فيها «أخرس، لأن المبادرة العربية في البراد، وحتى يبرد الحديث عن السلام».
سبق لنتنياهو أن أعلن عن رفض الانسحاب من الجولان السوري المحتل، وفي الوقت الذي يقدم به شيكات بلا رصيد للأنظمة العربية، الطرف الحاكم العربي يواصل منذ عام 2002 «السلام خيار استراتيجي ولا بديل عنه»، رغم أن السلام يحتاج إلى أدوات قوة لتحقيقه، وطالما أن «إسرائيل» ذاتها هي الرافضة له ومن موقع القوة، أما حديث نتنياهو بأن «المبادرة العربية تتضمن عناصر إيجابية»، فقد جاء ذلك للعب على ما يسمى «تحولاً» إيجابياً من المبادرة ذاتها، وانتهى مفعول ذلك مع انتهاء مؤتمر باريس، وألاعيبه مكشوفة تماماً.
الحالة العربية تكشف عري النظام العربي، كما ليس هذا فحسب، بل الممارسات الإسرائيلية في منهجية الوصول إلى «يهودية الدولة» تكشف عريها أيضاً، لأنها إعلان رسمي عن عنصريتها، فهي قد وصلت إلى جدار مسدود، ترفض «حل الدولتين على حدود 4 حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين» وضد قيام الدولة الواحدة، فقيام الدولتين على حدود 4 حزيران/ يونيو 67 والاستقلال والعودة هو اعتراف بوجود الشعب الفلسطيني، وكذلك الحال في الدولة الواحدة والتمييز العنصري، وعدم تحقيق الدولة الفلسطينية سيزيد من معدلات المقاومة الفلسطينية ويعري عنصريتها وتطرفها.
لأيام محدودة امتطى نتنياهو جناحيّ حمامة سلام، مناورة في مسرحية مكشوفة، يعتبرها نوبة انفعال عربية مؤقتة « المبادرة في الثلاجة»، وسرعان ما تبرد، وأن الأنظمة العربية لديها كم هائل من المشاكل المستعصية، وليست القضية الفلسطينية (قضية العرب المركزية) على رأسها، فلا مانع من مسرحية التظاهر بالاستعداد للتسوية، لكنه لن يقنع أحداً.
هكذا، فالسيناريوهات الإسرائيلية موجودة في مزيد من تدمير وتفتيت المجتمعات والمقدرات العربية؛ لم يأت هذا من فراغ، بل من إكتمال نقص مناعتها، لتنحط إلى الدرك الأسفل والتآكل الداخلي، وستصل إلى فقدان بوصلتها في تحديد العدو من الصديق، إن لم تنهض بحركة إصلاح يقودها ثقاة، والخيارات السياسية والإقتصادية والأمنية والثقافية الاجتماعية السلمية، في إعادة بناء الدولة المدنية، عبر الديمقراطية مقرونة بالعدالة الاجتماعية، تفتح على عوامل الوحدة، وتنبذ الطوائف والمذاهب والقبائل والإثنيات بإحتضانها الصحيح لمفهوم الدولة المدنية الوطنية الديمقراطية دولة المساواة في المواطنة وبين المرأة والرجل، ليكون المجتمع ذاته نابذاً لكل ما يشوه معانيه ومواطنيه ومقاصده، واستبعاد الدين عن السياسة تسييس الدين حروب الانقسامات الأهلية والوظائفية والمذهبية، وهذا ما نشهده الآن في عديد البلدان العربية، وإعادة تصويب وتدقيق التاريخ العربي نحو المستقبل العلمي ومجتمع الكفاءات، بدلاً من الشعوذة والتعلق بالماضي بـ«دولة الخلافة»، والتكفير واستباحتة الانسان لإنسانيته ولكل القيم الإنسانية، فالماضي لم يمضِ بعد، وعجلة الزمن العربية متوقفة ، طالما أن المعاصر والمستقبل منبوذاً.
كي نخرج من الخمول الذهني المزمن والشديد، وكي يفتح التاريخ أبوابه المغلقة مجدداً، بدلاً من الإرتهان التام للقبور والماضي، في «حضارة» لا تنتصر فيها إلا غرائزها، بدلاً من تأهليها للإستجابة للتحديات.
■ قدمتم الكثير حول تجربة أميركا اللاتينية وخصصتموها كتجربة في كتبكم وتحليلكم... كيف ترون إنتكاسة اليسار الجديد في أميركا اللاتينية؟
■■ لا أحبذ كلمة انتكاسة، لأن النظام العربي الرسمي استخدمها في هزيمته المنكرة عام 1967، ومن مواقع قراءة الظواهر في السياسة من الرؤية المعرفية والمادية، أقول بأن التاريخ يسير بحركة حلزونية لولبية، ولكنها حركة صعود.
اليسار الجديد والديمقراطي اللاتيني، شقّ طريقه منذ سبعينات القرن الماضي، وأميركا اللاتينية تعتبر «الحديقة الخلفية لواشنطن»، نضالات ومراكمات كبيرة ساهمت في وصوله للسلطة عبر مبدأ التداول الديمقراطي، منذ السبعينيات من القرن الماضي في مواجهة الليبرالية المتوحشة وانقلابات العسكر المرتبط بواشنطن، في مواجهة إعلام عولمي مغرض، وعليه، فإن الصراع بين اليسار الجديد اللاتيني وواشنطن هو صراع بين فكرة الديمقراطية التعددية والإشتراكية والعدالة الاجتماعية، وبين التبعية والارتهان والهيمنة، ونهب مقدرات هذه البلدان الغنية.
كتابي الذي ذكرت، تناولت به التجربة الثورية اللاتينية مستنداً إلى أرقام الفقر ومعدلاته، وإلى مجموعة الاستبيانات والمقارنات والمقاربات التي أوصلتني إلى خلاصاتها، اليسار اللاتيني الجديد ظهر بنماذج متعددة بعد الصمود الكوبي البطولي في جزيرة الحرية على امتداد نصف قرن كامل.
لقد فعل صندوقّي النقد والبنك الدولي فعله، من افقار بالقارة فضلاً عن الشركات الاحتكارية الكبرى، ويجدر ملاحظة أن هذا اليسار الموصوف قد نهض بعد سقوط نموذج تجربة الاشتراكية السوفيتية والأوروبية الشرقية.
أقصد أنه امتداد جديد للصراع بين الاشتراكية والرأسمالية في مرحلتها المتوحشة، وهو ما سيبقى ممتداً في منظومة القّيم السياسية العليا، خاصةً بين المساواة والعدالة الاجتماعية من جانب، وما تدعيه الرأسمالية من «حرية» السوق.
اليسار اللاتيني على أرض الواقع أفشل ما يروجه الفكر السياسي الأميركي، بأنه لا بديل عن الرأسمالية وتسيّدها الإيديولوجي، ولا طريق آخر، فالرأسمالية هي «نهاية التاريخ» كتيب فوكوباما، أستاذ العلوم والسياسة الشهير، وقد تراجع عنه لاحقاً.
قدم اليسار اللاتيني الجديد نماذج مختلفة، من حيث نسبة المزج بين الإشتراكية والرأسمالية، بين «المساواة والعدالة ــــ والحرية»، وأبقى على روابط وثيقة مع الولايات المتحدة والمؤسسات المالية للنظام الرأسمالي العالمي، لقد مثلت تجربة كوبا وفنزويلا، بوليفيا، الاكوادور، اورغواي على اليسار من هذه التجربة ، وقدم الرئيس الراحل هوغو تشافيز نموذجاً أقوى مما قدمته البرازيل والأرجنتين وتشيلي ونيكارواغوا، بالحرص على الإندماج بالإقتصاد العالمي، وأن تحقيق الديمقراطية الفعلية هي في رفع المستوى المعيشي للقطاعات الكبيرة من الشعب، وهوغو تشافيز لجأ إلى تأميم الثروات الوطنية كأساس لتجربة الإشتراكية، ودخل في صراع مباشر مع الولايات المتحدة، وكذلك فعل اليسار في البيرو، حين أمم مناجم النحاس.
على امتداد فترة الحرب الباردة عملت واشنطن على الحيلولة دون تجربة كوبا إلى دول أميركا اللاتينية، من هنا انطلقت فعالية اليسار الديمقراطي الجديد في القارة، الذي مكنه شعبياً من فرض التغيير، عبر العملية الديمقراطية، دون أن نغفل دور العملاق المالي والاقتصادي القاطرة الكبرى في أميركا اللاتينية، وهي البرازيل ذات الاقتصاد والسوق الضخم.
إن دخول البرازيل في مجموعة «البريكس» مع روسيا والصين وجنوب أفريقيا أثار غضب واشنطن، خاصةً عندما قدمت «بريكس» رؤيتها للبنك الآسيوي وللنظام المالي المتعدد الأقطاب، و«بريكس» مجموعة اقتصادية عملاقة على المستوى العالمي، والبرازيل أيضاً اتخذت سياسات اقتصادية تضرب الهيمنة الأميركية وأركان التبعية للولايات المتحدة، كما ضد الاحتكارات الأميركية وتوابعها وعملائها المحليين، وجاءت تحديات تشافيز في فنزويلا من داخل منظمة «أوبك» النفطية، وقامت الرئيسة الأميركية كريستينا كوشنر من اليسار البايروني (يسار الوسط)، بإهانة السياسات الأميركية، من على منبر الأمم المتحدة، معلنة انحيازها ، للشعوب المقهورة، وعلى وجه الخصوص الشعبين الفلسطيني والعراقي، واتهمت واشنطن بدعم الإرهاب العالمي ومنظمات القاعدة، ويمكن القول بأن الإعلام الأميركي المعولم هو من أسقط كوشنر، وهو ذاته الذي يفبرك لإسقاط ديلما روسيف «حزب العمال البرازيلي» عبر أداوته المحلية المهزومة المستعدة لفعل أي شيء.
لقد عاقبت واشنطن الزعيم العمالي البرازيلي ديلما دي سيلفا، وحاكت له قصصاً في الفساد، لكنها لم تنجح.
وهذا القائد العمالي هو كوكتيل من تاريخ النضال الصعب والمديد، وقدرت شخصياً له حساسيته ورهافته وعاطفته حين رأيته يبذل دموعه، ولكنهم أيضاً فشلوا ويواصلون مع روسيف المناضلة بقوة سلاح مقاومة الدكتاتوريات في البرازيل، وعلى طريق التعددية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
كما تجري واشنطن مؤامرات مع الرجعية الفنزويلية للإطاحة بالرئيس مادورو، هل هذا هونهاية المطاف؟!
اليسار اللاتيني الجديد هو حركة شعوب تواقة للعدالة الإجتماعية والديمقراطية التععدية، في الوقت الذي تبرز به مواجهات، فإن الرأسمالية والليبرالية الأميركية المتوحشة تتداعى أمام العالم، إن هذا صراع ممتد وسيطول..
■كلمة حول الانقسام الفلسطيني.. هل بات الانقسام والخراب قدراً فلسطينياً؟ وإلى متى ..؟ رسالتكم للشعوب العربية، و لشعبنا الفلسطيني في هذه المرحلة من النضال ..؟
■■عيد فطر سعيد. وكل عام وأنتم بخير، شعبنا الفلسطيني الصابر المقاوم.. الشعوب العربية والمسلمة .. وأحرار العالم..
يا شعبنا الفلسطيني البطل.. الصامد.. المرابط في الوطن، وفي كل أماكن تواجده.. إذا عدنا للإمبراطوريات القديمة السحيقة في التاريخ، والتي لجأت إلى ممارسة العبودية، والتمييز.. فإنها قد إندثرت، والإدعاء بوجود بوجود سلطة فوق البشر، كانت تستهدف حقوق الناس، وعدم تنظيمها في قانون يساوي الإنسان وعادل.
اليوم تعانون من الإحتلال والتمييز العنصري والإستيطان الإحتلالي والآبارتهيد، ذات المصطلحات والمعاني القديمة التي لفظها التاريخ وأحاله إلى مزابله..
اليوم، وبفضل صمودكم وتضحياتكم، تنفضح الأسطورة، لدى فئات ليبرالية واسعة في اليهودية الصهيونية ذاتها، بل إنها تسير نحو الفاشية التي تتعاظم في مفاصلها كدولة، كما يحتدم النقاش حول خطر المظاهر العنصرية والفاشية، لدرجة إقدام نائب رئيس الأركان (يائير جولان) للتحذير في خطاب رسمي، من أن «مظاهرها تذكر الجميع بما كان قائماً في ألمانيا قبل 70-80 عاماً، وهو يقصد بروز النازية، وفي «16/6/2016 في مؤتمر هرتسليا للأمن الاسرائيلي كرر ذلك ايهود باراك رئيس وزراء حرب اسرائيل سابقاً وموشيه يعلون وزير حرب اسرائيل السابق ما قاله نائب رئيس الأركان الحالي يائير جولان.
إن هذه هي مقدمات الرواية الطبيعية بعد كشف الخديعة، وما تم تسويقة على أن فلسطين هي «أرض الميعاد» وهو في الحقيقة جحيمين، لمن ضُللوا من اليهود الصهاينة .. لمن إستُعبدوا وإستعمروا عنصرياً وفاشياً.. ولمن إقتلعوا من أرضهم..
إن مجرد رصد بسيط للتحولات العنصرية والفاشية، يعني أن جميع إنتصاراتها في الحروب العربية، هو بداية هزيمة شاملة، لأنه ينطلق من مفاهيم عنصرية، من خارج أخلاق التاريخ وتطوره الطبيعي.. والفارق في هذا السياق هو أن سلطات الإحتلال ذاتها تصنع وتغذي وتحقق هذه التحولات داخل المجتمع الإسرائيلي ذاته.. لا تكبحها.. أو تعالجها..، لأن ما تفعله حكوماتهم بشعبنا الفلسطيني، هو مماثل لما فعله النازيون باليهود، لقد قفزت هذه اللحظة إلى الواجهة أيضاً لدى الشعوب الأوروبية، وكانت لحظة مؤجلة منذ «وعد بلفور» المشؤوم.
وأقول للشعوب العربية.. ما بعد سايكس ــــ بيكو كان وعد بلفور في صك الكولونيالية البريطانية، وحتى يقوم الأول: كان الثاني في قلب العرب، ونعيد على مسامعكم ما قاله روني جانييل في القناة الإسرائيلية الثانية، أنه: «لا يرى مستقبلاً لأولادي في إسرائيل، لأن مظاهر الفاشية صحيحة، والدولة تنزلق في منحدر في كل مجالاتها»..
إنه مفاعيل صمودكم يا شعبنا تحت الإحتلال الفاشي البغيض، إنه عذابات الأسرى الأبطال، ودماء الشهداء 1948 وفي يوم الأرض الشهير، في مخيمات اللجوء والشتات في الأردن ولبنان وسوريا، في القدس والضفة الفلسطينية وقطاع غزة المحاصر والذي يتعرض لجرائم الحرب، أمامهم اليوم قطاع غزة.. ليتذكروا (غيتو) وارسو، مع أنه لا يماثله..
أنتم من يفضح وعلى الملأ ظواهر العنصرية والعنف ويستأصلها من جذورها بدحر الإحتلال البغيض، الفاشية التي تجتاح الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتقوم على نظام التمييز العنصري في عام الـ48، فيا له من تطور طبيعي للفكرة الكولونيالية المؤسسة، لنرى تجلياته في العنصرية والفاشية معاً.
وأقول للشعوب العربية، والمسلمة: ــــ بعد مرور قرن من الزمن على سايكس ـــــ بيكو، إن ما يتهدد العرب، ووطنهم، ودولهم، وشعوبهم، ومصيرهم ومستقبل أجيالهم، هو في مآلات «قضيتهم المركزية» في فلسطين، مصيرهم على قدر واحد من الخطورة في السينياريوهات الجهنمية في تداعياتها وإرتداداتها الكبيرة، تفتيتية تفكيكية ــــ ما قبل قومية، ما قبل تشكيل الدولة الوطنية ــــ، لتبرر فرض «الدولة اليهودية» وجوداً وزعامة، على المنطقة والإقليم، هذا هو جوهر الفهم للصراع العربي ـــ الإسرائيلي، وبتنا نعلم ونقرأ ونشاهد ونسمع إسقاطات مباشرة عليه، تبدأ بالتطبيع سراً أو علناً، حين يكون المطلوب والهدف لأي نهضة عربية هو ثنائيتين: الأولى هي الحداثة بعد إستكمال الإستقلال الناجز بالجلاء وعدم التبعية، والثانية: الديمقراطية والعدالة الإجتماعية.
رسالتي الراهنة للشعوب العربية والدول العربية، ما أعلنه نتنياهو في جلسة «مجلس وزراء الليكود» مؤخراً، في 12/6/2016 رداً على مبادرة القمة العربية 2002، التالي:
«لن أوافق أبداً على قبول مبادرة السلام العربية كأساس للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وإذا فهمت الدول العربية بأن عليها أن تعّدل مبادرتها للسلام حسب التغيرات التي تطالب بها إسرائيل، فسيكون عندها ما يمكن الحديث فيه، أما إذا جاءت بالمبادرة من العام 2002 وقالت: «إما أن تأخذوها أو تدعوهاTake it or Leave it فعندها فإننا سنختار أن ندعها . «Leave it
وأعلن نتنياهو «أن القسم الإيجابي في المبادرة هو إستعداد الدول العربية للوصول إلى سلام وتطبيع مع إسرائيل وواضح بأن العناصر السلبية هي طلب الإنسحاب إلى خطوط 67 مع تبادل الأرض، الإنسحاب من هضبة الجولان، ومسألة اللاجئين، وهذا مرفوض من جانبنا» ـــ [هآرتس 13/6/2016].
وأعلن في جلسة «مجلس وزراء الليكود»: «المبادرة طرحت قبل 13 سنة أكل الدهر عليها وشرب ـــ ومنذئذ تغيرت الكثير من الأمور في الشرق الاوسط، ولذا يجب أن تكون (المبادرة العربية) مفتوحة للتعديلات، ولا تكون المبادرة إملاء».
إعلان نتنياهو أمام «مجلس وزراء الليكود» ضغوط وقحة على الدول العربية لتنازلات خطرة ومدمرّة للحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية، التطبيع المسبق، التنازلات عن حدود 4 حزيران 67، التنازلات عن القدس العربية، التنازل عن حقوق اللاجئين، التنازل عن هضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية.
الشعوب والدول العربية، الأحزاب والنقابات، المثقفين والكتاب، الفضائيات والصحافة، الكل مدعو لكشف ورفض شروط نتنياهو وحكومة اليمين واليمين الفاشي المتطرف، والكل مدعو لوقف التنازلات والتدهور في الموقف العربي، والإلتزام العربي الجاد والمسؤول بقرارات الشرعية الدولية وفي المقدمة: «قرار الأمم المتحدة في نوفمبر 2012، الإعتراف بدولة فلسطين عضواً مراقباً على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة وعودة اللاجئين وفق القرار الأممي 194». وبيان الرباعية الدولية المقدم لمجلس الأمن الدولي 1 تموز/ يوليو 2016 بدعوة اسرائيل إلى "الوقف الكامل للاستيطان في الأرض المحتلة عام 1967".
السلطة الفلسطينية والدول العربية مدعوة إلى الذهاب إلى الأمم المتحدة ولمشروع قرار جديد «الإعتراف بدولة فلسطين عضواً عاملاً كامل العضوية في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وحماية أرض وشعب فلسطين والأراضي العربية المحتلة تحت رعاية الأمم المتحدة».
أدعو السلطة الفلسطينية إلى وقف السياسة الإنتظارية، والإنتقال إلى سياسة وطنية موحدة لتنفيذ قرارات المجلس المركزي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بوقف التنسيق الأمني مع دولة الإحتلال وغزو إستعمار الإستيطان والتهويد في القدس والضفة الفلسطينية، وفك حصار قطاع غزة الشجاع.
أدعو كل الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة إلى تشكيل جبهة مقاومة متحدة لدحر أي عدوان احتلالي قادم على القطاع الشجاع، أدعو إلى إنهاء الانقسام، وإلى قيادة وطنية موحدة للالتفاف والاجماع حول ومع الانتفاضة الشبابية وتطويرها إلى انتفاضة شعبية شاملة.
إن الإنشقاق المدمر ليس قدراً، وقد مر عليه عقد أعجف من الزمن، ولدينا حلقة مركزية في النضال الوطني المشترك يلح في راهنيته بعد فشل «الدوحة 2» للمحاصصة والإقصائيين فتح وحماس، يتمثل في ضرورة وقوف عموم القوى السياسية والمجتمعية لإسقاطه، وتطبيق الإتفاقات الوطنية ذات الإجماع الوطني، وحدها المؤهلة لمواجهة إجراءات العدو الرامية إلى إجهاضه ومنع تنفيذه بكل السبل والوسائل.
الإنقسام مصلحة صافية لعدونا، يعمل على تأبيده واستعماله في مخططاته، والمطلوب استعادة الوحدة الوطنية، وإعادة بناء الإئتلاف السياسي الوطني بين قواه السياسية والمجتمعية، إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، على أسس ديمقراطية بالتمثيل النسبي الكامل، والمطلوب نقله إلى حيز التنفيذ العملي، في مواجهة المصالح الفئوية والفردية الأنانية، والشخصية الضيقة، المطلوب إنهاء هذه الحلقة الأخطر في تاريخ الإنقسامات الفلسطينية، والمطلوب إستعادة الوعي الجماعي الوطني بلا أبعاد سلطوية وفئوية، إنهاءً جذرياً وإستراتيجياً، والإسراع في تنفيذ اجتماع القيادة الفلسطينية العليا المؤقتة، في بندها المتعلق بالأمناء العاميين للفصائل الفلسطينية ورئيس المجلس الوطني والمستقلين، تعنى بإدارة الشأن الفلسطيني، بدءاً من إنهاء الإنقسام، وإنتهاءً بدمقرطة المؤسسات الوطنية بالتمثيل والنسبي الكامل المعبر عنها في منظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية، منظمة التحرير والسلطة في الضفة وقطاع غزة ليست إقطاعية لفصيل سلطوي هذا أو ذاك بدعم عربي واقليمي دولي وانقسامات انقلابية سياسية وعسكرية دامية محورها تقاسم السلطة والمال والنفوذ الفئوي والشخصي، والمحاصصة الفئوية والاقليمية، المحلية والمحاور الاقليمية والدولية والاسرائيلية التوسعية.
ـــــــ من على منبركم أتوجه بالتحية لشعبنا الصامد المرابط..
ــــــ المجد للشهداء..
ــــــ الحرية لأسرى الحرية..
ــــــ تحيا الإنتفاضة الفلسطينية الشبابية..