الموضوع الأهم في زيارة شكري لإسرائيل-هآرتس
2016-07-12
الموضوع المركزي في زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ليس فقط كسر «تقليد» نشأ في السنوات التسع الماضية، حيث لم يزر خلالها أي وزير خارجية لمصر اسرائيل، بل كون وزير الخارجية وليس وزير الاستخبارات هو الذي أرسل من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي. في سنوات ولايته الاخيرة اعتاد الرئيس مبارك ارسال وزير الاستخبارات، عمر سليمان، أو مساعديه لمناقشة التنسيق العسكري والاستخباري وتنسيق المواقف فيما يتعلق بعملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، أو من اجل التشاور حول طريقة ادارة السياسة تجاه «حماس». يشير قرار إرسال وزير الخارجية إلى مستوى جديد من العلاقات التي هي أقرب للتطبيع السياسي، والتي لا تكتفي بالتعاون الاستخباري فقط. الوزير شكري دبلوماسي قديم ومجرب، وكان سفير مصر في الولايات المتحدة بين سنوات 2008 – 2012، صحيح أنه ركز حديثه في المؤتمر الصحافي على عملية السلام مع الفلسطينيين، وكرر الموقف القائل «حل الدولتين قابل للتحقق»، لكن في هذا السياق، ما لم يُقل هو الذي يجب أن يثير الاهتمام. لم يقدم شكري مبادرة للسلام مصوغة ومرتبة ولم يحدد معايير لاستئناف المفاوضات أو جدولا زمنيا. وفي اقواله لم يقدم مصر كوسيط رسمي، واكتفى بذكر لقاءاته في 29 حزيران مع القيادة الفلسطينية ونية مصر استكمال النقاشات في رام الله والحوار مع الطرف الاسرائيلي. ولكن خلافاً للكلاشيه المعروف الذي يقول: «أهمية الزيارة تكمن في مجرد حدوثها»، يبدو أن الرئيس السيسي قرر فتح قناة سياسية علنية مع اسرائيل، حيث قد يدعو رئيس الحكومة لزيارة القاهرة؛ لأنه توجد لمصر وإسرائيل مصالح مشتركة، جزء منها فقط في مجال الأمن. التعاون الامني والاستخباري ليس أمرا جديداً، ولم يتطلب في الماضي نقاشاً بمستوى وزير الخارجية. وقد وافقت اسرائيل على أن تتجاوز مصر اتفاقات كامب ديفيد وتُدخل الى سيناء قوات برية وجوية محظوراً دخولها حسب الاتفاق، وأعطت الموافقة المسبقة ايضا في نيسان على نقل السيادة على جزيرتي صنافير وتيران للسعودية مع تعهد سعودي بالالتزام بالاتفاقات. كل ذلك تحقق عن طريق مبعوثين ومحادثات سرية بين الاطراف دون احتفالات وتغطية اعلامية. ولكن توجد لمصر مواضيع حيوية اخرى تلزمها بـ «الظهور علنا» مع اسرائيل، أحدها هو «سد النهضة» الذي تنشئه اثيوبيا على النيل والذي يقلق مصر بشكل كبير. مع استكمال الجزء الأول منه في العام القادم قد تخسر مصر حسب التقديرات بين 11 – 19 مليار كوب من المياه كل سنة، هذه الخسارة ستؤدي إلى تراجع إنتاج الكهرباء بـ 25 – 40 في المئة. ويعتبر هذا السد تهديدا كبيرا إلى درجة أن الرئيس المقال، محمد مرسي، المنتمي لـ «الإخوان المسلمين» هدد بهدمه. تعتقد مصر بأن لاسرائيل تأثيراً كبيراً على اثيوبيا، واذا لم يكن في استطاعتها منع اقامة السد فيمكنها على الاقل التأثير على اثيوبيا من اجل التنسيق مع مصر حول تقسيم المياه بشكل لا يضر باقتصادها. يمكن ايضا أن يكون هذا هو سبب توقيت زيارة شكري، فوراً بعد عودة نتنياهو من افريقيا، لسماع ما استطاع نتنياهو تحقيقه مع الاثيوبيين. بناء على بعض المحللين في مصر، يبدو أن نتنياهو أحضر بشرى جيدة لمصر، وإلا لما كان شكري يكلف نفسه. المعلومات حول الزيارة في دول افريقيا حيوية بالنسبة لمصر من اجل الاستعداد لمؤتمر وزراء الخارجية لدول حوض النيل الذي سيعقد، الخميس القادم، في اوغندا. مصر بحاجة ايضا الى دعم اسرائيل في موضوع نية الولايات المتحدة اخراج قوات الرقابة الدولية للامم المتحدة من سيناء، حيث إن مصر تعتبر هذه الخطوة بمثابة خضوع للارهاب. يوجد لمصر ايضا اهتمام بالعلاقة المتجددة بين تركيا واسرائيل، وبالتحديد البند الذي يسمح لتركيا بأن تكون الممول الرئيس للمواد الاستهلاكية ومواد البناء في غزة. دخول تركيا يضع مصر في وضع غير مريح في أفضل الحالات، حيث إنها، مع اسرائيل، تستمر في فرض الحصار الرسمي على قطاع غزة في الوقت الذي تتحول فيه تركيا إلى حليفة لـ «حماس»، وهذه المرة بـ «ترخيص» إسرائيلي. من أجل تغيير هذه المعادلة فان مصر بحاجة الى تنسيق المواقف مع اسرائيل، والسعي الى تحقيق اتفاق المصالحة بين «حماس» و»فتح» بأسرع وقت كي تستطيع فتح معبر رفح. هذه مواضيع ثقيلة لا يمكن لزيارة وزير الخارجية المصري الخاطفة أن تحلها. لكن مجرد تشعب خارطة المصالح السياسية بين إسرائيل ومصر هو تطور مهم ويحتاج الى سياسة اسرائيلية مرنة وحكيمة، حيث إن خطوات بناء الثقة مع الفلسطينيين في هذه المرة ستكون لها قيمة استراتيجية في العلاقات بين اسرائيل ومصر ودول عربية اخرى.