:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/10325

الحدود التي تتنفس: كونفيدرالية إسرائيلية - فلسطينية-هآرتس

2016-07-19

خلافا للانتفاضات السابقة التي نشبت في 1987 و2000 كمقاومة على خلفية قومية، فان جوهر الانتفاضة الجديدة غير المعلنة هو اجتماعي – اقتصادي. فلم يضع من أثاروها استئناف محادثات السلام هدفاً، ولم يطالبوا بفرض السيادة الفلسطينية على مناطق الضفة الغربية. إن هذه الانتفاضة تعكس خيبة أمل جهات معينة في المجتمع الفلسطيني من النظام الاقتصادي – الاجتماعي الذي تطور في العقود الاخيرة في البنية الاسرائيلية- الفلسطينية، وتأسس على نموذج السلام الاقتصادي. حظيت اسرائيل بالهدوء الامني، وفي المقابل منحت الفلسطينيين حكما ذاتيا واسعا. وتمكنت أجزاء في المجتمع الفلسطيني من العيش براحة مقابل استعدادها لتأجيل تنفيذ الاهداف القومية. مفتاح الحفاظ على الاستقرار يكمن في ايجاد الحوافز في المجال الاقتصادي – الاجتماعي. عائلات العمال في اسرائيل وموظفو السلطة واجهزة الامن التابعة لها ورجال اعمال من الطبقة المتوسطة والعليا حصلوا على امتيازات كبيرة. إن اولئك الذين وجدوا أنفسهم خارج النظام الجديد تحولوا الى رجال الانتفاضة. وقد حصلوا على الالهام من الاحتجاج الذي تطور في السنوات الاخيرة ضد النماذج الاقتصادية الليبرالية الجديدة في العالم، بما في ذلك إسرائيل ودول المنطقة. هذا هو السبب في أن العنف اندلع في الاحياء الفلسطينية في شرقي القدس، التي تجاوزها النظام الجديد وبقيت ضعيفة اقتصاديا وتعيش في ازمة اجتماعية. انتشرت الانتفاضة الى الضفة الغربية، حيث قادها هناك شباب فلسطينيون اعتقدوا أن فرصتهم للاندماج في النظام القائم ضعيفة. احتجاج مشابه شاهدناه ايضا في اوساط الشباب العرب من مواطني اسرائيل الذين تجاوزتهم سياسة «الاندماج الاقتصادي». الانتفاضة الاجتماعية – الاقتصادية حصلت على أبعاد الاحتجاج الجماهيري. مجموعات مصالح حقيقية في المجتمع الفلسطيني بقيت خارج دائرة العنف بسبب تفضيلها للنظام القائم.. ومن بين أهداف العنف كانت علامات النظام الاقتصادي – الاجتماعي: موقع سارونه في تل ابيب الذي يمثل ثقافة الوفرة ورجال المستوطنات الذين يعتبرون مجموعة تحظى بتفضيل بارز في توزيع الموارد. البعد القومي الذي ميز الانتفاضتين السابقتين لم يتلاش تماما؛ لأن اسرائيل وليس السلطة الفلسطينية، هي التي تعتبر المسؤولة عن النظام الذي يخلد دونية المجموعات التي تسببت في اندلاع الانتفاضة. إن الدمج بين البعد القومي والبعد الاجتماعي في الانتفاضة الحالية له مغزى استراتيجي أكثر اهمية من أبعاد العنف نفسها. فهي تعكس التطور التاريخي في بنية العلاقة بين اليهود والفلسطينيين. وهذه البنية هي الدمج بين الابعاد القومية والاجتماعية والاقتصادية. وفي الوقت الذي يُعرف فيه البعد القومي العلاقة من خلال الصراع والعنف والفصل بين السكان، يُعرف البعد الاقتصادي العلاقة من خلال التعاون، الامر الذي يشوش الفصل ويحول المنطقة الجغرافية – السياسية بين النهر والبحر الى ساحة واحدة. يلقي هذا التطور بظله الثقيل على الموقفين السائدين في النقاش الاسرائيلي: الموقف الأعمى لليسار وهو حل «الدولتين»، الامر الذي حول المكان الى مكان مشترك وتجاهل عدم اخلاقية الفصل، حيث سيشمل هذا الامر اقتلاع السكان. وموقف «دولة اسرائيل الكبرى» لليمين والوسط، الذي يمنح عملية تحويل المكان الى فلسطيني- اسرائيلي متداخل، حيث تسعى لضمان النجاعة الاسرائيلية فيه مع تجاهل التأثير الاخلاقي الكامن في استمرار السيطرة على الفلسطينيين، والتأثير الذي يتعلق بمكانة اسرائيل في العالم. في كل موقف من الموقفين هناك عامل من العاملين اللذين يميزان بنية العلاقة الاسرائيلية الفلسطينية، الفصل مقابل التوحيد، وكلاهما لا تعرف أن هذه المركبات موجودة في الوقت ذاته. أي أن الموقفين يشبهان الواقع المعقد. مطلوب ايضا موقف جديد يدمج بين المبادئ الموجودة في جوهر الفصل والموجودة في جوهر التوحيد. موقف كهذا يكمن في فكرة الحدود التي تتنفس. والترجمة السياسية له يمكن أن تكون في انشاء كونفيدرالية اسرائيلية- فلسطينية. الحدود التي تتنفس تضمن الفصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين في المستوى السياسي والثقافي. وسيتم الطلب من اسرائيل أن تتنازل للفلسطينيين عن كل ما يتعلق بالاعتراف بالحقوق القومية وتنفيذ السيادة على الارض. لكن حدودت كهذه ستُمكن من استمرار التعاون الاجتماعي – الاقتصادي. وبهذا يتمتع الجانبان بميزات الوحدة الاقتصادية دون احداث أي تغيير في الحدود أو اخلاء سكان. يمكن اعتبار نموذج الحدود التي تتنفس تعديلا تاريخيا لنظرية الجدار الحديدي التي تبناها في السابق حزب العمل من اجل صياغة العلاقة بين الصهيونية والعالم العربي. الحدود التي تتنفس لا تعمل على تفكيك الفكرة الاساسية، عبر وضع الفواصل بين الشعوب، بل هي تستبدل المواد الصلبة. هذه نظرية تدمج مركبات من النموذجين القائمين في النقاش الاسرائيلي وتنشئ نموذجا جديدا غير خالٍ من القيود، لكن يمكن ايضا تحويل المستحيل الى خيار ممكن.