دراسة إسرائيلية: حكومات تل أبيب تواصل عملية تطهير «اليهود العرب» من عروبتهم
2016-07-20
يؤكد أستاذ علم اجتماع إسرائيلي أن إسرائيل تقوم منذ2000 بحملة مكثفة تستهدف تأمين الاعتراف السياسي والقانوني باليهود العرب بوصفهم لاجئين وذلك كرواية وحقوق مضادة مقابل اللاجئين الفلسطينيين. جاء ذلك في كتاب «اليهود العرب: قراءة ما بعد كولونيالية في القومية والديانة والإثنية» صدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» لمؤلفه يهودا شنهاف المحاضر في جامعة تل أبيب.
ويعتبر «مدار» هذا الكتاب طليعيا في ما يختص بدرس جوهر كينونة اليهود الذين يسمون وفق القاموس الصهيوني بـ«المزراحيين» الشرقيين) ويعتبرهم الكاتب يهودًا عربًا أولا ودائما. ويعبر توظيف شنهاف لمصطلح اليهود العرب عن اعتراض أساسي إزاء ما كرسه الخطاب الصهيوني وما يزال من تضاد بين العرب واليهود عموما، ويعلن عن مقاربة مختلفة تفكك هذا الخطاب، وتضعه في السياق الكولونيالي للحركة الصهيونية. كذلك تكشف عن مساجلات أرشيفية جديدة تظهر النظرة الاستشراقية التي اتسمت بها النخب الصهيونية تجاه هؤلاء اليهود العرب.
ويفترض الكتاب أن درس اليهود العرب ينبغي أن يجد نقطة بدايته في مطلع العقد الرابع من القرن العشرين الفائت، عندما فتحت الحركة الصهيونية أعينها على اليهود العرب باعتبارهم مخزونا للهجرة اليهودية، وليس عند وصولهم إلى إسرائيل خلال حقبة الخمسينيات من القرن نفسه. ويتيح هذا الأمر إمكانية وضع درس العلاقات القائمة بين اليهود المزراحيين واليهود الأشكنازيين (الغربيين) في سياق اللقاءات الكولونيالية المبكرة التي حصلت بين اليهود العرب والمبعوثين الصهاينة الأوروبيين قبل 1948 وبعد قيام إسرائيل.
تشويه التاريخ
ويؤكد الكتاب إخضاع تاريخ اليهود الشرقيين للتشويه من قبل الصهيونية. ويستذكر أن حياتهم اعتبرت شاذة وغير سوية، وأنه ينظر إلى هجرتهم إلى إسرائيل كما لو كانت هي الحل المحتوم لهذا الشذوذ.
ويقدم الكتاب أيضا إحداثيات مثيرة حول الشراكة بين الصهيونية وبريطانيا، ليس فقط في تسهيل الاستيلاء على فلسطين، إنما أيضا في تقديم بنية تحتية ولوجستية للتواصل مع يهود العراق، عبر شركة سوليل بونيه في مدينة عبدان الإيرانية التي شكلت قاعدة للتغلغل في أوساط يهود العراق.
سجالات عبدان
وتكشف السجالات في عبدان ومع اليهود العرب في العراق عن تماثل اللغة الكولونيالية البريطانية مع لغة المندوبين الصهاينة في كل ما يتعلق بالنظرة للسكان المحليين.
وبرأي «مدار» يكشف الكتاب ايضا عبر المراسلات والوثائق أن المندوبين الصهاينة العلمانيين سعوا لتعزيز البعد الديني بين اليهود العرب من أجل «تطهيرهم» من عروبتهم، ما أسس لنتائج عكسية في فترة الدولة، حيث أدت المحاولات الرامية إلى بناء هوية إسرائيلية لليهود العرب من خلال قمع هويتهم العربية، إلى التمسك أكثر فأكثر بهذه الهوية وإلى تحديد مسألة التمييز الطائفي في إسرائيل، التي تحيل بدورها إلى بذور التناقض في الصهيونية، فكرًا وممارسة.
صفة اللجوء
ويتبنى الكتاب عرض منظور جديد لفهم العلاقات الدقيقة بين اليهود العرب واللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا عن ديارهم في عام 1948، وهي علاقة عادةً ما تجري التعمية عليها أو إقصاؤها في الدراسات التي تستند إلى التأريخ الصهيوني ونظرية المعرفة الصهيونية. ويشير إلى «أننا ما زلنا نشهد، منذ عام 2000، حملة مكثفة تستهدف تأمين الاعتراف السياسي والقانوني باليهود العرب بوصفهم لاجئين».
وسعت هذه الحملة إلى خلق حالة من التماثل مع اللاجئين الفلسطينيين، حيث تصور كلتا المجموعتين على أنهما ضحيتان من ضحايا حرب 1948. وفي الواقع كما يشير الكتاب، يأمل مناصرو هذه الحملة، وعلى رأسهم إسرائيل التي تلقى المساعدة من المنظمات اليهودية في هذا الشأن، بأن تحول دون منح «حق العودة» للفلسطينيين وتقليص حجم التعويضات التي يحتمل أن يطلب إلى إسرائيل أن تدفعها عن الأملاك الفلسطينية التي وضع الحارس العام الإسرائيلي لأملاك الغائبين يده عليها.
ويؤكد شنهاف أن الفكرة التي تقف وراء الخروج بهذا القياس تشكل سياسة رعناء وظلمًا أخلاقيًا، وليس أقل من ذلك قراءة خاطئة للتاريخ.
اليهود في البلدات العربية
كما يؤكد أنه ينبغي لأي شخص عاقل أن يقر بأن القياس الذي أقيم بين الفلسطينيين واليهود العرب لا أساس له. فلم يكن اللاجئون الفلسطينيون يريدون مغادرة فلسطين. كما تعرض العديد من التجمعات السكانية الفلسطينية للتدمير في عام 1948، وطُرد ما يقرب من 700.000 فلسطيني. في المقابل، وصل اليهود العرب إلى إسرائيل بموجب مبادرة أطلقتها إسرائيل والمنظمات اليهودية. وقد كان بعضهم يعيش في راحة وأمان في الأراضي العربية، وكان آخرون منهم يعانون من الخوف والاضطهاد. ويؤكد شنهاف الباحث اليهودي غير الصهيوني والناشط من أجل الحفاظ على العربية لدى اليهود الشرقيين إن تاريخ اليهود العرب وهجرتهم إلى إسرائيل تتسم بالتعقيد، ولا يمكن استيعابها في تفسير سطحي ضحل، حيث فقد الكثير من القادمين الجدد أملاكًا جمة، وليس هناك من جدل حول وجوب السماح لهم برفع مطالباتهم الفردية لاسترداد ممتلكاتهم من الدول العربية.
كما يؤكد أن القياس اللاأخلاقي الذي لا يستند إلى أي أساس، ويساوي بين اللاجئين الفلسطينيين واليهود العرب، فهو يورط أفراد كلتا المجموعتين في خلاف لا داعي له، ولا يحترم كرامة الكثيرين من اليهود العرب ويلحق الضرر بإمكان التوصل إلى مصالحة حقيقية بين اليهود والعرب.
تطهير من العروبة
في كلمات التقديم يشير الكتاب إلى أن شنهاف لم يكتف بالتصدّي لـ «عملية تطهير اليهودي العربي من عروبته» من الناحية النظرية فقط بل إنه يردف ذلك بالسلوك العمليّ. فقد اتجّه إلى تعلّم اللغة العربية واستغرقه هذا الأمر مدة عشر سنوات، وبعد ذلك بات ينذر جلّ وقته لترجمة نتاجات من الأدبين العربي والفلسطيني إلى اللغة العبرية، فأنجز حتى الآن ترجمات لكتاب عرب وفلسطينيين مثل إلياس خوري وسلمان ناطور ومحمود شقير وعلي المقري ومحمود الريماوي وسميرة عزّام وغيرهم وغيرها من أدبيات النكبة الفلسطينية. وتشهد إسرائيل في الأيام الأخيرة جدلا كبيرا حول تغييب اليهود الشرقيين في مناهج التعليم الرسمية أو استحضارهم بشكل مجزوء وناقص أو مشوه.
المصدر: القدس العربي