:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/10441

في تجاوز فشل السياسات السلطوية والإنقسامية

2016-08-06

فهد سليمان
نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
1- وصلت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى الطريق المسدود بعد أن فشل برنامجها السياسي في الرهان على الخيار التفاوضي الثنائي– تحت الرعاية المنفردة لواشنطن - سبيلاً للوصول إلى التسوية للصراع مع الإحتلال والإستيطان. رغم هذا الفشل لم تستخلص السلطة الفلسطينية الدروس الواجب إستخلاصها لصالح البرنامج البديل، البرنامج الوطني الموحّد، وما زالت تعتاش على العامل الخارجي، لتجديد صلاحيتها من خلال ما يتوفر لها من غطاء عربي وإقليمي ودولي كطرف في المعادلة السياسية للتسوية مع إسرائيل؛ وبالمقابل، فإن البديل الوطني الديمقراطي لسياسات السلطة وخياراتها التفاوضية، لم يقدم نفسه إلى الرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي، بإعتباره المؤهل لتحقيق ما بقيت السلطة القائمة دونه■
2- ما أصاب الحركة الجماهيرية الفلسطينية من تراجع في مستوى تصديها للإحتلال والإستيطان وإجراءاته القمعية، بما في ذلك التراجع الملحوظ في دور إنتفاضة الشباب، هو واحد من النتائج السلبية لسياسات السلطة في تطويق الإنتفاضة وإضعافها، وتعطيل عوامل تطورها، والرهان بدلاً من ذلك على «المبادرة الفرنسية» بالتنسيق مع الجانب الأميركي، بكل ما تطلبه هذا الرهان الفاشل من تقديم تنازلات مجانية، كتعطيل العمل بقرارات المجلس المركزي (آذار/ مارس 2015) المؤكد عليها مراراً من اللجنة التنفيذية واللجنة السياسية المنبثقة عنها، والتراجع عن المضي في سياسة تدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية عبر اللجوء من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى محكمة لاهاي، والإحتكام إلى محكمة الجنايات الدولية، والتوجه إلى مجلس الأمن بمشروع قرار جديد لوقف الإستيطان بالكامل، وبآخر لفرض الحماية الدولية لشعب فلسطين الرازح تحت الإحتلال■
3- لقد قاد كل هذا إلى تحقيق مكاسب سياسية لصالح حكومة نتنياهو، بمثال خفض السقف السياسي لبيان باريس (3/6/2016)، نزولاً عند الضغوط الأميركية، والدعوة إلى قلب آلية «مبادرة السلام العربية» (2002) بحيث يسبق تطبيع العلاقات العربية – الإسرائيلية، الإنسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة بعدوان 67 والإعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية (الدولة بعاصمتها القدس على حدود 67 + القرار 194..)، وتنشيط الدعوة إلى إنعقاد مؤتمر إقليمي للتطبيع والسلام مع إسرائيل؛ الأمر الذي ظهَّره أيضاً تقرير اللجنة الرباعية الأخير (1/7/2016) بشكل واضح، الذي أكد «على أهمية مبادرة السلام العربية، ورؤيتها للتسوية الشاملة للصراع العربي - الإسرائيلي»، وأغفل الإشارة ولو بكلمة واحدة إلى إنسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة عام 67، وأبرز – بالمقابل –«في هذا السياق أهمية الفرصة المتاحة لبناء إطار أمني إقليمي»■
4- ينبغي عدم الإستهانة بما يجري أو التقليل من خطورة إنفتاح بعض الدول العربية على إسرائيل، أو حتى الصمت على التصريحات التي تصدر عن رئيس الحكومة الإسرائيلية وغيره من المسئولين الإسرائيليين بشأن تطور العلاقات مع دول عربية محورية إنطلاقاً من تقاطع المواقف أو السياسات التي تدعو لخارطة تحالفات جديدة في المنطقة لمواجهة ما يسمى بالخطر الإيراني أو خطر المنظمات الإرهابية كتنظيم الدولة الإسلامية.
إن ما يجري هو دعوة لإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة باصطفافات وتحالفات جديدة لا مصلحة فيها للدول العربية، وبالتأكيد لا مصلحة فيها للشعب الفلسطيني، بل أنها سوف تكون على حساب مصالحه وحقوقه■
5- إن الشعوب العربية وعلى خلاف إدعاءات نتنياهو أو إدعاءات بعض الشخصيات العربية على غرار اللواء السعودي المقاعد أنور عشقي التي تزور إسرائيل أو تلتقي مع شخصيات إسرائيلية رسمية، شعوبنا العربية لا ترى في إسرائيل دولة يمكن الرهان عليها في مواجهة التطرف والإرهاب، بقدر ما ترى فيها دولة عنصرية معادية ودولة إحتلال كولونيالي إستيطاني ودولة تمارس الإرهاب بأبشع صوره ضد الشعب الفلسطيني، وتقدم في الوقت نفسه المساعدة لمنظمات إرهابية ومتطرفة في دول عربية مجاورة.
وإذا كانت حكومة نتنياهو تحاول خلط الأوراق وإستغلال الخلافات الهوياتية في المنطقة، التي تغذيها الدوائر الإستعمارية الحليفة لدولة إسرائيل، وتجميل الوجه الإرهابي لدولة إسرائيل، فإن على أشقائنا في الدول العربية عدم الإنخداع بسياسة إسرائيل. هذا ما يجب أن يدركه الأشقاء العرب الذين يستعجلون الدخول في إصطفافات جديدة في المنطقة على حساب المصالح العليا لشعوب الأمة العربية بشكل عام، وعلى حساب المصالح والحقوق الوطنية لشعب فلسطين بشكل خاص■
6- في ضوء ما تقدم يتوجب على القيادة الفلسطينية أن تجري مراجعة شاملة تحسباً لإحتمال تراجع مكانة فلسطين الدولية في ضوء التطورات السلبية التي تحيط بالمنطقة وتخدم – موضوعياً - تحسين مكانة إسرائيل، كما حصل مؤخراً بفوز إسرائيل برئاسة اللجنة القانونية للأمم المتحدة بعد تصويت 109 دول لصالحها، منها عدد من دول التطبيع العربية.
ولا يقل أهمية في هذا السياق، التقدم الذي تحرزه إسرائيل في أكثر من ساحة دولية، بمثال: إنفتاح عدد من الدول الإفريقية على إسرائيل وبما يعزز دورها في القارة، ويخدم طموحها – في المدى المتوسط – بتوفير شروط إكتسابها العضوية المراقبة في منظمة «الوحدة الإفريقية»؛ الدفء الملحوظ في علاقة روسيا بإسرائيل وتقدم علاقات الأخيرة مع عملاقي آسيا: الهند والصين؛ المصالحة التركية – الإسرائيلية التي ستحيّد أو تقيّد الدعم التركي (سياسياً وعملياً) للحقوق الفلسطينية؛ ولا تفوتنا أخيراً الإشارة إلى تراجعات أوروبية ملموسة عن سياسة مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، وغيرها من أشكال المقاطعة■
7- شكل بيان باريس، الذي تراهن عليه السلطة الفلسطينية لإحياء العملية السياسية، مدخلاً إلى المزيد من الهبوط في الموقف الدولي من القضية الفلسطينية، حيث لم يخلُ البيان من الإشارة إلى وقف النشاط الإستيطاني فحسب، بل وضع الإستيطان والعنف الفلسطيني المزعوم في نفس المرتبة باعتبارهما يمثلان مخاطر تهدد«حل الدولتين»، كما هبط بشروط التسوية المتوازنة بإسقاطه لعدد من قرارات مجلس الأمن المهمة [1397 (2002)، 1515 (2003)، 1850 (2008)] كمرجعية للمفاوضات.
بدوره شكل تقرير اللجنة الرباعية في هبوطه الذريع، إطاراً لسياسات أميركية وأوروبية جديدة، إن في الموقف«المحايد» حيال الإستيطان الإسرائيلي، ما يعني القبول بالإستيطان والتسليم به في 70% من المناطق ج التي تشكل بدورها 60% من مساحة الضفة الغربية؛ أو في محاولته للمساواة بين اسرائيل، سلطة الإحتلال والشعب الفلسطيني تحت الإحتلال على خلفية مغالطة تاريخية وأخلاقية تتمثل بإغفال أن جوهر المشكلة يتمثل بالإحتلال الإسرائيلي وجرائمه وإستيطانه لأرضنا وسعيه لتهويدها وعدوانه المتواصل على حقوقنا ومقدساتنا■
8- مع تراجع فعل الإنتفاضة تحت وطأة الحصار والتضييق، عاد منحى التآكل في سياسة النظام السياسي والتفكك في أوضاع السلطة، ليشكل الظاهرة البارزة للحدث اليومي، وذلك من خلال الفوضى الأمنية التي بدأت تجتاح كبرى المدن الفلسطينية (نابلس، جنين، الخليل...)، والإشتباكات شبه اليومية بين المسلحين المحسوبين على السلطة وبين الأجهزة الأمنية، كما بات بارزاً للعيان صراع مراكز القوى والنفوذ في مؤسسات السلطة، وتفاقم ظاهرة الفساد الإداري والمالي والسياسي، والتطاول على الإرادة الشعبية في مد مساحة التطبيع مع حكومة نتنياهو بذريعة العمل على إختراق الوعي الإسرائيلي (المشاركة الرسمية من خلال عضو لجنة تنفيذية في مؤتمر هرتسيليا الذي يبحث في «ميزان المَنَعة والأمن القومي» لدولة إسرائيل، وإستدعاء الوفود الإسرائيلية للسياحة السياسية في الضفة ومقر المقاطعة)، يقابله فشل في خطة إعادة بناء المؤسسات الوطنية، وتنظيم الإنتخابات الشاملة لإعادة بناء المجلس الوطني، والتشريعي، وإنتخاب رئيس السلطة، وهي كلها مظاهر ملموسة وخطيرة، تؤكد عمق المأزق السياسي والتنظيمي للسلطة وحزبها الحاكم – حركة فتح، التي ما زالت عاجزة عن عقد مؤتمرها العام، وقد بات مؤجلاً حتى إشعار آخر، كما حال إنتخابات المؤسسات التشريعية الفلسطينية■
9- من جانب آخر، تؤكد الوقائع أن الحركة الجماهيرية، وإن كانت شهدت تراجعاً في الفعل الإنتفاضي، إلا أنها – على الوجه الآخر - شهدت نهوضاً ملحوظاً ومميزاً في ميدان النضال الإجتماعي بالتصدي للسياسات المجحفة للسلطة، لا بل إرغامها على التراجع عن بعض هذه السياسات، والرضوخ للمطالب المحقة، كقضايا المعلمين وحقوقهم، والتعديلات على قانون الضمان الإجتماعي، والسطو على صناديق إتحاد العمال بشقيه. إن كل هذا يؤكد قدرة الحركة الشعبية على التأثير في سياسات السلطة بالضغط الجماهيري لإرغامها على التسليم بحقوق الطبقات الشعبية، ووقف تدهور أوضاع الفئات الوسطى، كما والتراجع عن سياساتها الفاشلة، لصالح البدائل الوطنية الديمقراطية كالعمل بقرارات المجلس المركزي وإعادة الإعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني الموحد، في مواجهة الإحتلال والإستيطان، ووقف الرهان على المشاريع المعلقة بين الطارق والسماء، كالمبادرة الفرنسية التي باتت تشكل، في ظل إفلاس برنامج السلطة وسياستها، خشبة الإنقاذ الوهمية■
10- الإفلاس السياسي لم يقتصر على أحد جناحي السلطة، بل طال كذلك سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة ممثلة بحركة حماس، وقد وصل مشروعها الإنقسامي، ومشروع المحاصّة الثنائية لإقتسام السلطة والمال والنفوذ، إلى الطريق المسدود وبات يصطدم بالعراقيل والصعوبات اليومية التي تضعف من مشروعها للإنفراد بالسلطة في قطاع غزة، وتثلم هيبتها وتحد من قدرتها على إدارة شؤون القطاع بكافة جوانبها الأمنية والإقتصادية والخدمية والإدارية، بديلاً لسلطة رام الله وحكومتها.
لقد تجلّى المأزق في أداء سلطة الأمر الواقع بتراجع قدرتها المالية، وتنامي التناقضات الإجتماعية بين قيادة الحركة وقاعدتها المنظمة، وتعطيلها كل أشكال الديمقراطية كالإنتخابات في الجامعات والإتحادات الشعبية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني وفرض هيمنتها عليها بسلطة الأمر الواقع. هذا فضلاً عن مأزقها الأمني كحركة مقاومة معنية برعاية شروط التهدئة وصولاً إلى قمع الحركة الشعبية وتطويق الإنتفاضة، وتعطيل مفاعيل إستنهاض الأخيرة للأوضاع العامة في قطاع غزة بوجهة إدارة الصراع مع الإحتلال والتصدي لأعماله العدوانية اليومية■
11- إلى كل ما سبق نضيف فشل رهانات حماس بتثمير الإلتحاق بالمحاور الإقليمية، والصفقات التي تعقد على هامشها، كالمصالحة الإسرائيلية ـــــــ التركية وما تركته من خيبة أمل عامة، بعد إنكشاف زيف الوعود التركية برهن تطبيع العلاقات مع إسرائيل بفك الحصار عن القطاع أو بأقله تخفيفه. لقد أتت المصالحة التركية – الاسرائيية لتعزز منحى إنحسار الإهتمام الإقليمي والدولي بالواقع الإنساني المؤلم لقطاع غزة جرّاء الحصار الظالم الذي يتعرض له منذ تسع سنوات.
إن إنحسار الإهتمام الخارجي بأوضاع القطاع له أيضاً بعد سياسي لا يقل – من حيث تأثيره المباشر على التطورات - بل يفوق أهمية البعد الإنساني، ومن نتائجه تشجيع إسرائيل على التحضير لعدوان جديد على القطاع، سيكون الرابع من نوعه في السنوات الأخيرة بعد حروب «الرصاص المصبوب»(2008 / 2009)، و «عمود السماء» (2012)، و «الجرف الصامد» (2014). هذا ما تشير إليه على أية حال التصريحات المتواترة على لسان قمة الهرم السياسي التنفيذي (نتنياهو، ليبرمان..)■
12- إن السلطة في قطاع غزة، والتي تقوم على إدامة الإنقسام، بلغت هي الأخرى، نهاية الطريق، لكنها لم تُسلِّم بالوصول إلى الفشل، ومازالت تعتاش على سياسة تجيير الإنقسام ورهن القطاع، في خدمة مصالح بعض المحاور الإقليمية، مقابل تعطيل وإفشال محاولات المصالحة وإنهاء الإنقسام، على حساب المصالح السياسية والوطنية الإجتماعية لأبناء شعبنا في قطاع غزة، وعلى حساب مجمل القضية الوطنية التي مازال الإنقسام يشكل خاصرتها الرخوة، في الصراع ضد الإحتلال والإستيطان■
13- يتبارى الطرفان (فتح وحماس) في إدانة الإنقسام وفي الدعوة لإنهائه، لكنهما يتمسكان بمصالحهما الفئوية على حساب المصلحة الوطنية العليا، وما الشروط والشروط المضادة، التي يشهرها كل طرف في وجه الطرف الآخر، إلا تأكيد فاقع على ذلك، كإصرار حماس على حل مشكلة الموظفين المعيّنين في عهدها (وعددهم يتجاوز الـ 40 ألفاً) من خلا ل إعتمادهم في ملاكات السلطة، ما يبقي ويشرِّع ويعزز هيمنتها على قطاع غزة من داخل المؤسسة نفسها؛ وما شرط حركة فتح إعادة بسط سيطرتها على الإدارة والأجهزة الأمنية إلا الوجه الآخر لشروط حركة حماس، وهي في كل الأحوال شروط حركة تنتهك ما إتفق عليه حول تحرير الإدارة والأجهزة من الهيمنة الحزبية، وإعتماد شروط بديلة تبعد المؤسسة الرسمية عن كل أشكال الصراع الحزبي ونفوذه■
14- القرار الأخير لحكومة السلطة الفلسطينية في رام الله بتنظيم الإنتخابات المحلية والبلدية، صدر تحت ضغط الإرادة الشعبية وضغط مؤسسات المجتمع المدني، وهو وإن كان محاولة لتنفيس الأجواء الشعبية التي تزداد إحتقاناً في مواجهة السلطة يوماً بعد يوم، إلا أنه يشكل فرصة إضافية لتعبئة الحركة الشعبية لدخول إستحقاق الإنتخابات بإعتباره حقاً ديمقراطياً من الحقوق الثابتة لأبناء شعبنا، لا يحق لأحد أن يصادره لا في الضفة ولا في القطاع، وهو شكل من أشكال حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. إن أية محاولة لتعطيل هذا الإستحقاق، إنما تشكل تعدياً على الحركة الشعبية، وعلى الديمقراطية، وعلى حقوق المواطن في إختيار ممثليه بإرادته الحرة، بديلاً لسياسة الهيمنة والتعيينات الفوقية على أسس مصلحية وفئوية ضيقة■
15- كذلك تشكل الدعوة للإنتخابات المحلية والبلدية (والجهوزية التي أبدتها اللجنة المركزية للإنتخابات) دليلاً على إمكانية تنظيم إنتخابات تشريعية ورئاسية شاملة في الضفة والقطاع، الأمر الذي يتطلب تطويراً في أداء الحراك والضغط الجماهيري، على طرفي الإنقسام، لإخراج الحالة الفلسطينية من دوامة المناورات المفضوحة هنا وهناك، وإعتماد الإنتخابات الشاملة، وإعادة بناء المؤسسات وفقاً للإرادة الشعبية الحرة، مدخلاً لإنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الداخلية بديلاً للمناورات والمشاورات ومباحثات المحاصّة الثنائية بين فتح وحماس، والتي أثبتت، بعد تسع سنوات من الإنقسام المدمر، عدم الإلتزام بما يتم التوصل إليه من حلول وطنية بالحوار الشامل■
16- تراجع الفعل الإنتفاضي تحت وطأة الحصار والتطويق على يد أجهزة السلطة الفلسطينية، وبنتيجة سياساتها الفاشلة، ما هو إلا مرحلة مؤقتة في حياة الحركة الشعبية الفلسطينية تمهد لمرحلة قادمة تستعيد فيها الإنتفاضة والحركة الجماهيرية نهوضها وحيويتها، بشكل أكثر تقدماً، وأكثر قدرة على الفعل والتأثير. فالعناصر الموضوعية لتجديد الحراكات الإنتفاضية والمقاومة الشعبية في وجه الإحتلال والاستيطان مازالت قائمة، في ظل إشتداد سياسة القمع والبطش ومصادرة الأرض والإغتيالات بدم بارد على يد سلطات الإحتلال وعصابات المستوطنين، أو في المزيد من الإفلاس والفشل لرهانات السلطة على حلول تؤكد تباشيرها أنها حلول وهمية■
17- أثبتت حركة اللاجئين في المخيمات والتجمعات السكنية في لبنان بخاصة والشتات عموماً، قدرتها على التصدي لسياسات وكالة الغوث (الأونروا) الهادفة ليس فحسب لتقليص خدماتها، وما يترتب عليها من خفض المستوى المعيشي للاجئين، بل كذلك في إعادة النظر بوظيفتها في توفير الإغاثة والخدمات الصحية والتعليمية والوقائية والبيئية للاجئين، التي من أجلها تأسست ويتجدد تفويضها دورياً، لجهة تحويلها إلى منظمة للتنمية، بكل ما في ذلك من إنعكاس سلبي على مجمل خدمات الوكالة وعلى مكانتها القانونية ودورها السياسي في سياق صون حق العودة إلى الديار والممتلكات، والتصدي للحلول والسيناريوهات والمشاريع التصفوية البديلة. إن وحدة حركة اللاجئين، في المخيمات والتجمعات السكنية، سواء في الشتات أو في المناطق الفلسطينية المحتلة، ستبقى الضمان الرئيس والسلاح الأكثر فعالية في يد حركة اللاجئين للدفاع عن حقوقهم الإجتماعية والإنسانية والحياتية، وكذلك من أجل صون حقهم الثابت في العودة إلى الديار والممتلكات■
18- إن العنصر الذاتي هو ما يحتاج إلى إستنهاض من قبل القوى الوطنية والديمقراطية لتجديد فعل الحركة الشعبية. وواحد من مكونات العنصر الذاتي أن يقدم البديل الوطني الديمقراطي نفسه إلى الحالة الشعبية برنامجياً، وفي الشارع، وأن يتقدم الصفوف في الميدان، في مواجهة الإحتلال والإستيطان، ومن أجل حق الأسرى في الحرية وفي الدعوة الضاغطة إلى وقف التنسيق الأمني، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية، ودعم المقاومة الشعبية بكل الأشكال والوسائل، وتدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، وتفعيل الدعاوي الفلسطينية في محكمة الجنايات الدولية ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين، ونقل قضية الإستيطان والأسرى إلى مجلس الأمن الدولي، والمطالبة بانعقاد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لحل القضية الفلسطينية وقيام الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس بحدود 4 حزيران (يونيو) 67، وصون حق عودة اللاجئين في العودة إلى الديار والممتلكات الذي يكفله القرار 194.
وفي مواجهة الإنقسام، نجدد الدعوة إلى إعادة بناء المؤسسات التشريعية والتنفيذية لمؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني والأهلي في الوطن والشتات على أسس ديمقراطية، ورفض وإدانة إستخدام المال السياسي، وسياسة التوظيف الزبائني في مؤسسات السلطة، ومكافحة مظاهر الفوضى والفساد، وتعزيز دور الحركة الشعبية في مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وصون المصالح المعيشية للطبقات الفقيرة والوسطى وأصحاب الدخل المحدود، والدفاع عن حقوق المرأة والشباب■