الديموغرافيا بين البحر والنهر -معاريف
2016-10-15
الديموغرافيا ليست كذبة أو "شيطاناً"، كما يدعي البروفسور آريه الداد ("كذبة الديموغرافيا الكبرى"، "معاريف" 7/10/2016)، بل مهنة أكاديمية تستوجب الدراسة لمصادر المعطيات، التحكم بمناهج البحث، الفهم للنظرية وتطبيقها. ومع أن لنتائج الديموغرافيا آثاراً مهمة على السياسة، ولكن من الواجب قبل ذلك معرفة وتحليل الحقائق، لا إخفاء أو إلغاء بعضها، ولا استعبادها لفكرة سياسية.
في مقاله يحتج الداد ضد مقابلة أجريت معي في موقع "واي نت" عن الوضع الديموغرافي في العالم اليهودي وفي دولة إسرائيل. وقد شرحت في المقابلة كيف أنه حسب التعريف الفقهي لمن هو يهودي، لا توجد اليوم أغلبية يهودية بين كل السكان في المنطقة التي بين البحر المتوسط ونهر الأردن.
ضد هذا، استناداً إلى تقرير وضعه يورام أتينغر ورفع مرات لا حصر لها إلى كل لجان الكنيست، ودوما بذات الصيغة بل وحتى بذات الأخطاء المطبعية، يبدي الداد جهلا مذهلا حين يدعي أنه لم تكن أبدا أغلبية يهودية في البلاد، ولكن مع ذلك، ينبه من أنه توجد اليوم أغلبية يهودية على كل أرض بلاد إسرائيل.
تعالوا نستعرض الحقائق المبدئية حول الميزان الديموغرافي في إسرائيل وفي المناطق. مكتب الإحصاء المركزي، الهيئة الرسمية الإسرائيلية المخولة والمهنية لجمع ومعالجة المعطيات عن كل مواضيع حياتنا، نشر عشية رأس السنة أن عدد سكان إسرائيل يبلغ 8.585 مليون نسمة، منهم 74.8 في المئة يهود، 20.8 في المئة عرب بمن فيهم المسلمون، المسيحيون والدروز، و 4.4 في المئة آخرون، بمن فيهم المسيحيون غير العرب وبالأساس عديمو الدين والقومية في العائلات التي وصلت إلى إسرائيل في إطار قانون العودة. وتتضمن المعطيات عن إسرائيل نحو 220 ألف يهودي ونحو 320 ألف عربي من سكان أحياء شرق القدس، و400 ألف اسرائيلي في يهودا والسامرة والجولان.
في إسرائيل معدل الخصوبة لدى النساء اليهوديات ارتفع قليلا في السنوات الاخيرة، إلى ما فوق 3 أطفال بالمتوسط، ومعدل خصوبة العربيات انخفض قليلا ولكن مستواه لا يزال أعلى من مستوى خصوبة اليهوديات. ولكن الداد وأتينغر وأمثالهما يرفضون بعناد أن يذكروا أن بني البشر (يهود وعربا) لا يولدون فقط، بل ويموتون أيضا. الوضع الصحي في الدولة جيد، ولا يزال مدى العمر للعرب أدنى منه لليهود. ولكن لما كانت تشكيلة أعمار العرب أكثر شبابا، فإن معدل وفياتهم اقل بكثير من وفيات اليهود، ولهذا فإن الزيادة الطبيعية (الفرق بين الولادات والوفيات) أعلى بكثير.
وبالفعل، ففي السنة الأخيرة ازداد عدد اليهود في الدولة بمعدل 1.9 في المئة، بما في ذلك الزيادة الطبيعية والهجرة الوافدة (التي تقلصت مقارنة بالسنة التي قبلها)، بينما عدد العرب ازداد بـ 2.2 في المئة. نسبة عرب إسرائيل من بين عموم الكعكة ازدادت إذن قليلا ونسبة اليهود تقلصت قليلا. وفضلا عن ذلك: في السنة الأخيرة كان الاسم الأكثر انتشارا للمواليد في إسرائيل هو محمد. حتى هنا.
أما الجدال على الديموغرافيا فأكثر إشكالية بالنسبة لسكان المناطق. حتى بداية التسعينيات، كان مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي مسؤولا عن المناطق أيضا. وتأسس في حينه جهاز مركزي للإحصاء الفلسطيني، وهو هيئة مهنية ولكنه عرضة للضغوط السياسية. المعطيات التي تأتي من رام الله يجب أن تقرأ بعناية وبحذر شديد. ويهاجم الداد بحدة المستندين حصريا على هذه المعطيات، ولكني لست منهم. كما يدعي أنه في حسابات السكان في الضفة حسب مرتين عرب شرق القدس. الكسول وحده لن يفهم هذا. ومرة أخرى، هذا ليس أنا.
سيناريوهات إحصائية
حسب بحثي، فإنه في بداية 2016 كان 2.448.800 فلسطيني في الضفة الغربية، دون شرق القدس، و1.750.600 في غزة. وبالإجمال 4.199.400: كل هذا بعد تخفيض عدد الساكنين بشكل دائم في الخارج، مع الأخذ بالاعتبار الهجرة السلبية من المناطق وعلى فرض أن معدلات النمو السنوية في المناطق مشابهة للمسلمين في إسرائيل، أي 2.9 في المئة بين 1997 و2007، ونحو 2.2 في المئة في السنة الأخيرة.
بالمقابل، حسب جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني فإنه في منتصف 2016 كان 2.935 مليون نسمة في الضفة الغربية، بما في ذلك 225 ألف في شرق القدس، و1.882 مليون في غزة. بالإجمال 4.817.000، مع معدلات نمو أعلى بكثير.
وحسب الجيش الإسرائيلي والإدارة المدنية، فإن عدد الفلسطينيين المسجلين في يهودا والسامرة كان 2.919.350 في بداية 2016، دون القدس، مع العلم أن بعضهم يسكن في الخارج معظم الوقت، ومعدل نمو سنوي 2.57 في المئة. عدد الفلسطينيين ومعدل النمو السنوي اللذان اعتمد عليهما هما أدنى بكثير من تلك التي لدى الجيش الإسرائيلي والإدارة المدنية.
إذا تناولنا إجمالي عدد السكان في دولة إسرائيل، يهودا والسامرة، غزة، الجولان، بما في ذلك العمال الأجانب، السياح ممن انتهى موعد تأشيرتهم واللاجئون الماكثون في البلاد بشكل قانوني أو غير قانوني، في بداية 2016 سكن بين البحر والنهر 12.890.800 نسمة. 6.336.400 يهود حسب التعريف الأساس لوزارة الداخلية شكلوا 49.1 في المئة من هذا – نحو التعادل ولكن لا يكفي للأغلبية.
في البلاد بالطبع كانت أغلبية يهودية بين الخمسينيات وبين بداية العقد الحالي. الذروة كانت عند 1975، حين كان 65 في المئة من إجمالي سكان البلاد يهودا. منذئذ ازداد عدد السكان العرب اسرع بكثير من اليهود، ورغم الهجرة الوافدة يوجد تآكل مستمر. إذا أضفنا لليهود 380 ألف مواطن ليسوا يهودا حسب الفقه، ولكنهم ينتمون إلى الاقتصادات المنزلية اليهودية، فإن عدد السكان اليهود يزيد على 6.706.400، ما يساوي 52.0 في المئة من عموم السكان. أغلبية طفيفة.
من هنا يمكن أن نتخيل سيناريوهات مختلفة. نقلل من العدد الإجمالي نحو 227.300 عامل أجنبي، سائح ولاجئ، ونسبة السكان اليهود الموسعة ترتفع إلى 52.9 في المئة. نقلص من هذا الحساب سكان غزة، فترتفع النسبة إلى 61.4 في المئة؛ نخفض الدروز في الجولان، فترتفع النسبة إلى 61.5 في المئة، نخفض السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، فترتفع النسبة إلى 79.4 في المئة؛ نخفض الأحياء العربية في شرق القدس، فترتفع نسبة اليهود إلى 82.5 في المئة.
بالطبع، في الجوهر الوجودي لدولة إسرائيل يوجد فرق هائل بين نسبة يهود 82.5 في المئة أو نسبة 49.1 في المئة. إذا رغب البروفسور الداد في أن يستخلص استنتاجات سياسية من هذه الحقائق الديموغرافية الواضحة، فمن حقه أن يفعل ذلك. ولكن حسب كتاباتهما، فإن الداد وأتينغر يشبهان ما ادعاه السياسي الفرنسي شارل موريس دي تاليران، مع عودة البوربونيين إلى الحكم بعد رحيل نابليون: لم يتعلموا شيئا، لم ينسوا شيئا.
*بروفسور في الجامعة العبرية
في مقاله يحتج الداد ضد مقابلة أجريت معي في موقع "واي نت" عن الوضع الديموغرافي في العالم اليهودي وفي دولة إسرائيل. وقد شرحت في المقابلة كيف أنه حسب التعريف الفقهي لمن هو يهودي، لا توجد اليوم أغلبية يهودية بين كل السكان في المنطقة التي بين البحر المتوسط ونهر الأردن.
ضد هذا، استناداً إلى تقرير وضعه يورام أتينغر ورفع مرات لا حصر لها إلى كل لجان الكنيست، ودوما بذات الصيغة بل وحتى بذات الأخطاء المطبعية، يبدي الداد جهلا مذهلا حين يدعي أنه لم تكن أبدا أغلبية يهودية في البلاد، ولكن مع ذلك، ينبه من أنه توجد اليوم أغلبية يهودية على كل أرض بلاد إسرائيل.
تعالوا نستعرض الحقائق المبدئية حول الميزان الديموغرافي في إسرائيل وفي المناطق. مكتب الإحصاء المركزي، الهيئة الرسمية الإسرائيلية المخولة والمهنية لجمع ومعالجة المعطيات عن كل مواضيع حياتنا، نشر عشية رأس السنة أن عدد سكان إسرائيل يبلغ 8.585 مليون نسمة، منهم 74.8 في المئة يهود، 20.8 في المئة عرب بمن فيهم المسلمون، المسيحيون والدروز، و 4.4 في المئة آخرون، بمن فيهم المسيحيون غير العرب وبالأساس عديمو الدين والقومية في العائلات التي وصلت إلى إسرائيل في إطار قانون العودة. وتتضمن المعطيات عن إسرائيل نحو 220 ألف يهودي ونحو 320 ألف عربي من سكان أحياء شرق القدس، و400 ألف اسرائيلي في يهودا والسامرة والجولان.
في إسرائيل معدل الخصوبة لدى النساء اليهوديات ارتفع قليلا في السنوات الاخيرة، إلى ما فوق 3 أطفال بالمتوسط، ومعدل خصوبة العربيات انخفض قليلا ولكن مستواه لا يزال أعلى من مستوى خصوبة اليهوديات. ولكن الداد وأتينغر وأمثالهما يرفضون بعناد أن يذكروا أن بني البشر (يهود وعربا) لا يولدون فقط، بل ويموتون أيضا. الوضع الصحي في الدولة جيد، ولا يزال مدى العمر للعرب أدنى منه لليهود. ولكن لما كانت تشكيلة أعمار العرب أكثر شبابا، فإن معدل وفياتهم اقل بكثير من وفيات اليهود، ولهذا فإن الزيادة الطبيعية (الفرق بين الولادات والوفيات) أعلى بكثير.
وبالفعل، ففي السنة الأخيرة ازداد عدد اليهود في الدولة بمعدل 1.9 في المئة، بما في ذلك الزيادة الطبيعية والهجرة الوافدة (التي تقلصت مقارنة بالسنة التي قبلها)، بينما عدد العرب ازداد بـ 2.2 في المئة. نسبة عرب إسرائيل من بين عموم الكعكة ازدادت إذن قليلا ونسبة اليهود تقلصت قليلا. وفضلا عن ذلك: في السنة الأخيرة كان الاسم الأكثر انتشارا للمواليد في إسرائيل هو محمد. حتى هنا.
أما الجدال على الديموغرافيا فأكثر إشكالية بالنسبة لسكان المناطق. حتى بداية التسعينيات، كان مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي مسؤولا عن المناطق أيضا. وتأسس في حينه جهاز مركزي للإحصاء الفلسطيني، وهو هيئة مهنية ولكنه عرضة للضغوط السياسية. المعطيات التي تأتي من رام الله يجب أن تقرأ بعناية وبحذر شديد. ويهاجم الداد بحدة المستندين حصريا على هذه المعطيات، ولكني لست منهم. كما يدعي أنه في حسابات السكان في الضفة حسب مرتين عرب شرق القدس. الكسول وحده لن يفهم هذا. ومرة أخرى، هذا ليس أنا.
سيناريوهات إحصائية
حسب بحثي، فإنه في بداية 2016 كان 2.448.800 فلسطيني في الضفة الغربية، دون شرق القدس، و1.750.600 في غزة. وبالإجمال 4.199.400: كل هذا بعد تخفيض عدد الساكنين بشكل دائم في الخارج، مع الأخذ بالاعتبار الهجرة السلبية من المناطق وعلى فرض أن معدلات النمو السنوية في المناطق مشابهة للمسلمين في إسرائيل، أي 2.9 في المئة بين 1997 و2007، ونحو 2.2 في المئة في السنة الأخيرة.
بالمقابل، حسب جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني فإنه في منتصف 2016 كان 2.935 مليون نسمة في الضفة الغربية، بما في ذلك 225 ألف في شرق القدس، و1.882 مليون في غزة. بالإجمال 4.817.000، مع معدلات نمو أعلى بكثير.
وحسب الجيش الإسرائيلي والإدارة المدنية، فإن عدد الفلسطينيين المسجلين في يهودا والسامرة كان 2.919.350 في بداية 2016، دون القدس، مع العلم أن بعضهم يسكن في الخارج معظم الوقت، ومعدل نمو سنوي 2.57 في المئة. عدد الفلسطينيين ومعدل النمو السنوي اللذان اعتمد عليهما هما أدنى بكثير من تلك التي لدى الجيش الإسرائيلي والإدارة المدنية.
إذا تناولنا إجمالي عدد السكان في دولة إسرائيل، يهودا والسامرة، غزة، الجولان، بما في ذلك العمال الأجانب، السياح ممن انتهى موعد تأشيرتهم واللاجئون الماكثون في البلاد بشكل قانوني أو غير قانوني، في بداية 2016 سكن بين البحر والنهر 12.890.800 نسمة. 6.336.400 يهود حسب التعريف الأساس لوزارة الداخلية شكلوا 49.1 في المئة من هذا – نحو التعادل ولكن لا يكفي للأغلبية.
في البلاد بالطبع كانت أغلبية يهودية بين الخمسينيات وبين بداية العقد الحالي. الذروة كانت عند 1975، حين كان 65 في المئة من إجمالي سكان البلاد يهودا. منذئذ ازداد عدد السكان العرب اسرع بكثير من اليهود، ورغم الهجرة الوافدة يوجد تآكل مستمر. إذا أضفنا لليهود 380 ألف مواطن ليسوا يهودا حسب الفقه، ولكنهم ينتمون إلى الاقتصادات المنزلية اليهودية، فإن عدد السكان اليهود يزيد على 6.706.400، ما يساوي 52.0 في المئة من عموم السكان. أغلبية طفيفة.
من هنا يمكن أن نتخيل سيناريوهات مختلفة. نقلل من العدد الإجمالي نحو 227.300 عامل أجنبي، سائح ولاجئ، ونسبة السكان اليهود الموسعة ترتفع إلى 52.9 في المئة. نقلص من هذا الحساب سكان غزة، فترتفع النسبة إلى 61.4 في المئة؛ نخفض الدروز في الجولان، فترتفع النسبة إلى 61.5 في المئة، نخفض السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، فترتفع النسبة إلى 79.4 في المئة؛ نخفض الأحياء العربية في شرق القدس، فترتفع نسبة اليهود إلى 82.5 في المئة.
بالطبع، في الجوهر الوجودي لدولة إسرائيل يوجد فرق هائل بين نسبة يهود 82.5 في المئة أو نسبة 49.1 في المئة. إذا رغب البروفسور الداد في أن يستخلص استنتاجات سياسية من هذه الحقائق الديموغرافية الواضحة، فمن حقه أن يفعل ذلك. ولكن حسب كتاباتهما، فإن الداد وأتينغر يشبهان ما ادعاه السياسي الفرنسي شارل موريس دي تاليران، مع عودة البوربونيين إلى الحكم بعد رحيل نابليون: لم يتعلموا شيئا، لم ينسوا شيئا.
*بروفسور في الجامعة العبرية