:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/10952

أزمة نائب رئيس، أم أزمة برنامج سياسي؟- معتصم حمادة

2016-10-22

يحلو لبعض المراقبين أن يربطوا بين الأزمة التي عاشتها السلطة الفلسطينية (ومن خلفها حركة فتح) في صيف العام 2004، قبل رحيل الرئيس عرفات بأسابيع، وبين الأزمة التي تعيشها الآن، في زمن الرئيس عباس. لكن سها عن بال هؤلاء المراقبين أن ثمة فاصلاً زمنياً عمره حوالي 12 سنة، يفصل بين الأزمتين، وهو فاصل شهد العديد من التطورات السياسية الدراماتيكية، أهمها أن مشروع السلطة (ومن خلفها فتح) قد وصل إلى نهايته المسدودة، وأن السلطة إزدادت هشاشة، وباتت عاجزة عن إدارة شؤون مناطقها بالجدارة المطلوبة، أنهكها الوهن، والفساد، ونخرتها المحسوبيات والزبائنية، وباتت نخبها في المؤسسات الإدارية والأمنية محكومة بحالة نهمة إلى المزيد من المكاسب والغنائم والإمتيازات، في ظل نظام إقتصادي شبه ريعي، يعتاش على المساعدات والمنح والقروض وفرض الضرائب، تتراجع قدراته على تأمين مصالح المواطنين الصحية والتعليمية والإجتماعية بشكل عام، يتعارض مع الشأن العام في السياسة بشكل فاقع من الكيدية وردود الفعل العصبية، في حالة تراجع، قد تبدو هجومية، لكن مظهرها الهجومي ما هو إلا تعبير عن زيادة الوهن، ومحاولة لإظهار القوة التي بدأت تتسلل من بين أيدي السلطة، وتفقد هيبتها في الشارع. قد تبدو الأزمة في مظهرها وكأنها صراع على منصب نائب الرئيس، ( في مسؤولياته الأولى المتعددة)، لكنها في جوهرها أزمة سياسية خانقة، تتخوف من حالة إنهيار، فيما لو غادر الرئيس الحالي مسرح السياسة لسبب أو لآخر، في ظل ما يتردد عن رغبته في الإستقالة، وتزداد الأزمة تفاقماً مع إقتراب موعد إنعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح، الذي يفترض به أن يعيد تنظيم صفوف الحركة، على المستوى القيادي الأول، بما في ذلك مناقشة إستحداث منصب نائب لرئيس الحركة، في ظل تخوف أن يقود هذا الأمر إلى تعميق الصراعات داخل الحركة، بعد أن طفت علاماتها على السطح، في تصريحات من هنا وهناك، أهمها الموقف من دحلان وإخوانه، ومستقبل العلاقة معهم، رغم الحديث أن الأمر بات محسوماً. لكن ما يكذب ذلك أن فتح إستحدثت لجنة خاصة لقضايا «التجنح» كما وصفتها، ما يعني أن قضية دحلان وإخوانه مازالت قضية تعتمل في صفوف فتح، على المستويات القيادية والقاعدية.
* * *
ويبدو أن حماس قرأت من جانبها أزمة فتح، وأزمة السلطة وأدركت أن أي تطور سوف تكون هي معنية به، خاصة عندما يدور الحديث عن نائب لرئيس السلطة. إذ ترى حماس أن القانون الأساسي للسلطة لا يتضمن منصباً لنائب الرئيس، وأن من ينوب عنه في حال غيابه المفاجئ هو رئيس المجلس التشريعي، ولمدة ستين يوماً، يتم خلالها إنتخاب الرئيس الجديد. حماس ترى أن عزيز دويك مازال هو رئيس المجلس التشريعي، وأنه هو، قانوناً، المعنى بتولي السلطة الإنتقالية، وأن أي تغيير في هذا النظام هو خرق للقانون الأساسي، والذي لا يمكن تعديله إلا بقرار من المجلس التشريعي نفسه ووفق آلية قانونية معينة. وبالتالي فإن دخول حماس على الخط، وإن كان يبدو في ظاهره حرصاً على «الدستور»، كما يقال، إلا أنه في حقيقته صراع على السلطة، يندرج في إطار الإنقسام القائم بينها وبين فتح، ولعل هذا ما يفسر، على سبيل المثال، لماذا «أوصت» كتلة حماس البرلمانية بإعادة «إحياء» حكومة هنية المنحلة عام 2014، بذريعة أن حكومة الحمد الله لا تمارس دورها في رعاية شؤون قطاع غزة. ولعل هذا، أيضاً، ما يفسر الحديث الذي يتردد في أوساط حماس، وحتى في أوساط إقليمية، عن إحتمال ترشيح خالد مشعل لرئاسة السلطة الفلسطينية خلفاً لعباس. يدعم هذا الحديث التأكيد أن عباس هو آخر من يمسك بالمسؤوليات الأربع دفعة واحدة [فتح ــــ السلطة ــــ اللجنة التنفيذية ـــــ رئاسة دولة فلسطين]، وأن هذه المناصب سيعاد توزيعها على أكثر من شخصية. كما يدعمه عودة بعض مسؤولي حماس إلى نغمة نزع الشرعية عن عباس وعن الحكومة، ما يبرر عودة «حكومة هنية»، لسد الفراغ المزعوم، ويمهد للحديث عن مشعل رئيساً للسلطة. إذن نحن أمام شكل آخر من أشكال الصراع على النفوذ وعلى السلطة، ما يتعارض مع كل الحديث عن ضرورة إنهاء الإنقسام، وضرورة اللجوء إلى العملية الديمقراطية (الإنتخابات) لإستعادة الوحدة الداخلية. عزز هذا الأمر فشل السلطة في تنظيم الإنتخابات البلدية والمحلية، بعدما سطت حماس على النتائج، مسبقاً، حين إرتكبت مجزرة بحق لوائح حركة فتح، ما أدى إلى نسف العملية وتأجيلها، كما يبدو، حتى إشعار آخر.
* * *
من حق فتح أن تناقش أوضاعها الداخلية، وأن تبحث في أمر نائب لرئيس الحركة. لكن ماعدا ذلك فهو يخص عموم الحالة الوطنية الفلسطينية، إن في الدعوة لعقد المجلس الوطني، أو إنتخاب نائب لرئيس السلطة، أو نائب لرئيس اللجنة التنفيذية، أو نائب لرئيس دولة فلسطين. لكننا نعتقد في هذا السياق أن المعضلة الفلسطينية لا تكمن في هذه القضية. ولا زالت وقائع الخلافات عام 1979 على تعيين نائب لرئيس اللجنة التنفيذية ماثلة في الذاكرة، حين عطلت فتح هذا الأمر، حتى لا يتحول نواب رئيس اللجنة إلى قيود على تفرده بالتحرك والقرار.
المشكلة الفلسطينية تتعدى مسألة نائب الرئيس، للمناصب الرسمية الأولى، وتمتد لتطال أولاً وقبل كل شيء البرنامج السياسي للمؤسسة الفلسطينية. لن ينقذ نائب الرئيس برنامج أوسلو وقد وصل إلى نهايته المسدودة. ولن يشكل نائب الرئيس حلاً لعملية تفاوضية عبثية مازالت السلطة تنادي بإستئنافها، وإن تحت مسميات أخرى، كالمبادرة الفرنسية مثلاً. ولن يكون منصب نائب الرئيس هو الطريق إلى إقامة نظام إقتصادي متحرر من التبعية للإقتصاد الإسرائيلي. ولن يصلح نائب الرئيس أوضاع المؤسسة فيعيد الإعتبار للجنة التنفيذية في م.ت.ف، وللمجلس المركزي، ويضمن إعادة إنتخاب مجلس وطني فلسطيني جديد وفق نظام التمثيل النسبي الكامل، وتنظيم دوراته المتعاقبة وفقاً لنظامه الداخلي، وإعتماد قراراته وتوجهاته بإعتبارها هي الملزمة لعموم الحالة السياسية، بما في ذلك إعادة الإعتبار للبرنامج السياسي الوطني الموحد، وإنهاء الإنقسام، وشق الطريق أمام إستراتيجية سياسية جديدة وبديلة للسياسات التي نفقت، وباتت، تحت وطأتها، السلطة الفلسطينية مركباً تائهاً، وباتت مؤسسات السلطة و م.ت.ف، في حالة شلل موصوفة، تحل محلها القرارات والمراسيم الرئاسية الفردية، بما يتعاكس تماماً، مع مبادئ الإئتلاف الوطني، وبما يحول م.ت.ف، من جبهة وطنية متحدة لعموم الشعب الفلسطيني، إلى مجرد مؤسسات توظيفية، نفعية، ويحول هيئاتها التشريعية والتنفيذية إلى مجرد هياكل عظمية فاقدة للحركة، ومشلولة الإرادة.
ولعل أخطر ما يدور في الحالة الفلسطينية أن الصراعات داخل فتح، كحركة مأزومة، تحاول أن تقدم نفسها للرأي العام، وكأنها معركة الدفاع عن القرار الوطني الفلسطيني، في الوقت الذي لا تعدو فيه هذه الصراعات، مجرد معارك دفاعاً عن مصالح فئوية وفردية، على حساب المصالح الوطنية