ليبرمان يخاطب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة من فوق رأس السلطة وحماس في غزة أو رام الله
2016-10-26
أثارت المقابلة التي أجرتها صحيفة «القدس» الفلسطينية الصادرة في القدس المحتلة مع وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الكثير من التعليقات في الحلبتين الإسرائيلية والفلسطينية.
وعلى الرغم من أن المقابلة لم تحوِ الكثير من الجديد على مواقف ليبرمان المعروفة، إلا أنها اتسمت بأهمية كبيرة جراء قول هذا الكلام وهو في موقع المسؤولية الأولى عن التعاطي مع الفلسطينيين، سلماً أو حرباً.
وكان أبرز ما قاله إنه بالوسع إنشاء ميناء بحري في غزة إذا توقفت حركة «حماس» عن إطلاق الصواريخ. وعنى هذا الكلام استعداداً للتسليم بسلطة «حماس»، وهو ما يغدو أكثر أهمية في ظل موقف ليبرمان السلبي من الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة في رام الله.
وكان واضحاً جداً في المقابلة أن ليبرمان يخاطب الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة من فوق رأس قيادته سواء في غزة أو رام الله. وأكثر من التوجه لعموم الفلسطينيين وكأنه يرفض فصائلهم وممثلهم الشرعي والوحيد منظمة «التحرير»، يرفض السلطتين القائمتين. ومع ذلك، كان هناك من رأى في المقابلة نوعاً من التمهيد لمفاوضات مستقبلية مع «حماس»، حتى لو بشكل غير مباشر.
وبحسب المعلق العسكري في موقع «والا»، أمير بوحبوط، فإن ليبرمان يحاول تقويض محاولات المصالحة الجارية بين «فتح» و «حماس». ويشير إلى أنه لا يمكن قراءة المقابلة من دون الأخذ بالحسبان المخاوف الجدية في تل أبيب من احتمال إقدام إدارة أوباما في نهاية ولايتها على فرض خطوة سياسية على كل من إسرائيل والفلسطينيين. ولهذا فإن ليبرمان قصد تهدئة الأجواء في الوقت الراهن حول قطاع غزة، لتسهيل استعدادها لمواجهة خطوة سياسية قد تنسج بين أميركا والسلطة الفلسطينية في رام الله.
وكان ليبرمان أعلن أنه إذا توقفت «حماس» عن حفر الأنفاق وإطلاق الصواريخ، فسوف تكون إسرائيل أول دولة تساعد في إنشاء ميناء بحري ومطار في غزة. وشدد على عدم نية إسرائيل العودة لاحتلال القطاع، لكنه رفض استمرار «حماس» في تكثيف استعداداتها العسكرية. وتستشعر إسرائيل قلقاً من الجماعات السلفية في قطاع غزة وهي جماعات تلاحقها «حماس»، خصوصاً إذا مارست عمليات إطلاق صواريخ، ولكن إسرائيل ترد على الصواريخ بضرب «حماس»، ما يخلق مفارقة.
وتتناقض الرؤية في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بشأن «حماس»، حيث يرى البعض أنها تقوم بعمل جيد بكبحها الجماعات السلفية ومنعها من إطلاق الصواريخ، وبالمقابل هناك من يرى أن «حماس» تدير لعبة مزدوجة وأنها تسمح أحياناً «بتقطير» الصواريخ للإبقاء على غزة كمركز استقطاب للاهتمام العالمي. وعلى أيّ حال، هناك قناعة بأن كلًّا من «حماس» وإسرائيل غير معنيتين بالصدام العسكري في هذه الفترة. فإسرائيل، لأسباب سياسية إقليمية ودولية تريد الهدوء، و «حماس» تستغل الهدوء الراهن في تعزيز قوتها واستعداداتها لأي مواجهة مقبلة.
ومهما يكن من أمر، يرى نوعم أمير في «معاريف» أن ليبرمان «فجأة لم يعد الرجل السياسي، بل وزير دفاع يتحدث باللغة العسكرية. فهو لم يخترع نهج العصا والجزرة، الجيش الاسرائيلي يعمل هكذا حيال الفلسطينيين منذ سنين، ولكن ليبرمان استوعب المبدأ. فالشعارات الفارغة من المضمون عن تصفية زعماء حماس في غضون 48 ساعة اختفت وكأنها لم تكن. ولعله تبقّت بعد مؤشرات على الاسلوب الفظ، ولكن اللغة لغة هيئة الأركان».
وأضاف: «لو كنتم قلتم لليبرمان قبل نصف سنة، بأنه سيقبل الفكرة الهاذية في أن يكون للفلسطينيين في قطاع غزة ميناء بحري ومطار جوي، لكان تفجر من الضحك. أما اليوم فهذا هو ليبرمان آخر: ليس فقط اكثر اعتدالا، بل وأكثر حكمة أيضاً».
وفي «يديعوت»، كتب يوسي يهوشع أن ليبرمان يتبنى نظرية نتنياهو: «إذا أعطوا سيأخذون»، معتبراً أن ذلك مفاجئ وهو تغيير لموقف ليبرمان. وأشار إلى أن ليبرمان «حتى اليوم عارض في أحاديث مغلقة إمكانية إقامة ميناء أمام شواطئ غزة، أما الآن فيتبين أن الحديث يدور عن خيار حقيقي من ناحيته. وهذه هي في واقع الأمر المرة الاولى التي يتحدث فيها عن إقامة بنى تحتية استراتيجية كهذه في القطاع، ويوضح بأن الميناء والمطار يوجدان على جدول الأعمال».
وأوضح يهوشع أنه «يمكن أن نرى في مجرّد المقابلة الشاذة التي منحها – والتي يحتمل أن تكون تعكس سياسة لم تنسق بعد مع رئيس الوزراء – محاولة لتجاوز رؤساء القيادة الفلسطينية والتوجّه مباشرة الى الشعب كي يمس، مرة اخرى، بالرجل الذي استهدفه ليبرمان مع تسلمه منصبه كمن يقف على رأس قائمة التهديدات على اسرائيل: ابو مازن. عباس غير معني بالتسوية، عاد وادعى». عموماً بسّط ليبرمان استراتيجيته القائمة على مبدأ العصا والجزرة: الوعد بتحسين الحياة مقابل الهدوء الأمني.
أما محرر الشؤون الفلسطينية في موقع «والا» آفي يسسخاروف فكتب أنه «منذ زمن بعيد تبيّن أنه مع دخوله وزارة الدفاع، قرر ليبرمان تغيير جلدته والتصرف مع حماس بقفازات من حرير، بل ولم يضن في رسائل المصالحة والتهدئة التي حلّت محل الوعود القديمة حول تصفية اسماعيل هنية. فضلاً عن ذلك، فإن رسائل بصيغة: إذا توقفوا عن التسلح وحفر الأنفاق، فسنعطيهم ميناء، لا تشذ عن الخط التقليدي لحكومة اسرائيل. ولكن ما برز على نحو خاص في اقوال ليبرمان للصحيفة الصادرة في شرق القدس، هو محاولته أن يملي على الجمهور الفلسطيني قيادته. فقد عاد ليبرمان وهاجم رئيس السلطة أبو مازن غير الشريك، وشرح بأنه لن يكون ممكنا التوقيع على اتفاق دائم معه.
ويعتبر يسسخاروف «أن المشكلة التي تبرز من أقوال ليبرمان أشد واقسى. فلسبب ما، نجد أن وزير الدفاع ـ وعلى ما يبدو بعضاً آخر من كبار المسؤولين في حكومة اسرائيل ـ يميلون إلى التفكير بأن وريث ابو مازن بعد رحيله سيكون أكثر اعتدالاً وأكثر راحة للمفاوضات. لعل ليبرمان لا يزال يأمل، ان لم نقل يتخيل، في أن محمد دحلان سيكون هو من سيأخذ القيادة على السلطة الفلسطينية».
ويشدد يسسخاروف على أن كل من يعرف قليلاً ويتابع التطورات في الطرف الفلسطيني يفهم ويعرف جيداً بأن هذه ليست وجهة الأمور. فاحتمالات دحلان للعودة من المنفى كي يأخذ في يديه قيادة فتح والسلطة طفيفة، في ضوء عدد الاعداء الهائل الذي راكمه على مدى السنين في قيادة المنظمة. وفي نهاية المطاف، إن لم تحصل مفاجآت، فان أعضاء اللجنة المركزية لفتح هم الذين سينتخبون الوريث عند حلول الوقت.
والبعد الأخير الظاهر في مقابلة ليبرمان هو موقفه الدائم والمثير من فلسطينيي الداخل وتكرار تأييده لفكرة تبادل السكان. وكان قد اقترح في الماضي وأثار ضجة، نقل أم الفحم للسلطة الفلسطينية وهو لا يزال يعرض هذا الاقتراح.