:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/10995

لفلسطين لا لحركة فتــــح -محمد أبـوالفضــــل

2016-10-31

الخط الذى تسير عليه القيادة الفلسطينية الحالية، يذكرك بأسلوب المكايدات السياسية العربية، التى يبدو أصحابها على استعداد لتحمل خسائر كبيرة، مقابل رفض التراجع عن الحسابات السياسية الخاطئة، وعدم التنازل عن مواقفهم الشخصية.
آخر تجليات المشهد، يتمثل فى الهجوم غير المبرر على مصر، واللجنة الرباعية العربية، التى تتكون من مصر والسعودية والإمارات والأردن، لمجرد أنهم يحاولون لملمة ما تبقى من قوة لحركة فتح، التى قادت النضال الفلسطينى لفترة طويلة، ووقف التدهور الحاصل، بسبب اتساع نطاق الخلافات التى تنخر فى الهياكل الرئيسية.
لن أتحدث عن المؤتمر العلمى الذى عقد فى «العين السخنة» الأسبوع الماضي، فقد أوفاه حقه الدكتور أحمد يوسف أحمد فى المقال المجاور، لكن التوقف عند التحركات التى يقوم بها الرئيس محمود عباس (أبومازن)، سواء على صعيد ترتيب أوراقه المرتبكة داخل الحركة الأم (فتح)، أو على مستوى تصوراته وتصرفاته الخارجية، مسألة ضرورية، لأنها تمس جوهر القضية، وربما تسهم فى وضعها ضمن أطر إقليمية أشد تعقيدا، فرضت طقوسها مبكرا، وجعلت هذه القضية المحورية تتواري، عما كانت عليه قبل سنوات قليلة.
كل المحاولات التى بذلت لجمع شمل حركة فتح، لم تقصد التقليل من شأن ومكانة أبومازن، ولا عدم الاعتراف برئاسته، لكنها رمت إلى تعديل مسار الدفة، للحفاظ على تماسك فتح، ومنع انهيارها، ووقف استمرار انزلاقها إلى منحدر قد يأتى على ما تبقى منها، وهو تقدير، مرتبط بمصالح بعض الدول العربية، وفى مقدمتها مصر، والحفاظ على الجزء المشتعل فى القضية الفلسطينية، الذى يؤدى انطفاؤه إلى أزمات تضاعف من مأزق المصير المجهول.
الرئيس أبومازن، أخذ الجهود الساعية إلى جمع شمل الحركة، كأنها موجهة ضده، واعتبرها عداء شخصيا، لأنها تقود فى النهاية إلى انصرافه عن مشهد الأضواء الذى أدمنه، فى حين لم يتخذ من الخطوات ما يثبت أنه أكثر حرصا على الحركة ومستقبلها، وأمعن فى التنكيل بخصومه، وأسرف فى قرارات الفصل والعزل، لكل من يعتقد أنه على خلاف معه فى الرأي، وبالتالى أسهم، من حيث يدرى أو لا يدري، فى تأزيم الموقف، بدلا من العمل على تسويته بحنكته السياسية المعروفة.
المشكلة أن طريق المناوشات، أوصله إلى الخندق التركى والقطري، وهو يعلم أنه مظلم فى نهايته، ويعمل لمصلحة خصومه التقليديين فى حركة حماس، مع ذلك ذهب إلى أنقرة والدوحة، ليس بحثا عن حل لمأزقه الراهن، لكن بغرض تأكيد عدم تراجعه، وأنه عازم على المضى فى طريقه، حتى لو كان ذلك على حساب الثوابت والقواعد التاريخية التى ترتكن عليها حركة فتح.
الذهاب إلى هاتين العاصمتين، حتى لو قصد منه أبومازن، استثمار علاقتهما الوطيدة مع حماس والضغط عليها لتجفيف منابع خصمه اللدود محمد دحلان فى قطاع غزة، فهو يؤكد أنه يُغلب الشخصى على الوطني، فقد أصبح همه الأساسي، كيف يتخلص من الصداع السياسى الذى يمثله القيادى الفتحاوي، الذى فصله من الحركة، وتغافل عن البحث عن قواسم مشتركة للحوار والتفاهم، حفاظا على قوة فتح، وأملا فى استعادة القضية الفلسطينية زخمها المفقود.
كما أن هذا النوع من الزيارات، فى هذا التوقيت، يشى على الفور، أن الرجل عازم على عدم الانصياع لنصائح مصر، التى تدافع عن القضية الفلسطينية، منذ عشرات السنين، لأنها جزء أصيل من أمنها القومي، أى ليس هناك مجال لأبعاد شخصية، أو مآرب سياسية ضيقة، بينما لكل من أنقرة والدوحة حزمة من الأهداف، يمكن أن تضر بالقضية، وتدخلها دوامة جديدة من المتاهات، وترهنها بمصالح الدولتين المتنامية مع إسرائيل، بل تجعلها خاضعة لتقديرات كليهما السلبية حيال مصر، بمعنى يعودان بها إلى مربع المتاجرة والمزايدة السياسية.
مؤكد أن رسالة أبومازن من زيارتى أنقرة والدوحة وصلت بامتياز إلى اللجنة الرباعية، لكن بدلا من إجبار أعضائها على عدم التمادى فى الضغط عليه للقبول بمصالحة داخلية، قد تزيدهم إصرارا، على المضى فى هذا الطريق، قبل أن تتصاعد حدة التفسخ فى جسدها، وتتحول الحركة إلى ورقة فى يد كل من أنقرة والدوحة، تضاف إلى ورقة حماس التى يتلاعبان بها.
فى هذه الحالة يتسع نطاق الهيمنة، بما يتجاوز حدود غزة، قبل إجراء الانتخابات المحلية، وهو ما يضع أبومازن فى موقف لا يحسد عليه، فالرجل الذى صمد فى مواجهة حماس لفترة طويلة، وحاول تدجينها أو إقصاءها، سيكون مسئولا عن تسليم عدد من مفاتيح فتح إلى غريمته السابقة حماس، ومن يقفون خلفها.
الأزمة أن الرئيس أبومازن، يثبت بهذا النوع من الممارسات، أن إسرائيل على حق فى مراوغاتها السياسية وتنصلها من قبول الدخول فى المفاوضات، ويؤكد أن الوقت يمضى لمصلحتها، فتوجهات الرجل لا تعزز فقط الانفصال بين الضفة الغربية وغزة، لكن تضاعف من ملامح الانقسام الفلسطيني، الذى كان (ولا يزال) أحد أهم الأسلحة التى تستخدمها تل أبيب لتحقيق تطلعاتها وطموحاتها.
سواء كانت جهود مصر منفردة، أو بالتنسيق مع اللجنة العربية، فهى فى المحصلة تهدف إلى الإبقاء على القضية الفلسطينية حية لا تموت بالتقادم، ولا يكون مصيرها مثل غيرها من القضايا العربية، التى تتكالب عليها الأمم، من الشرق والغرب، والمحاولات الجارية لوحدة الصف، ليس المقصود بها فتح فى حد ذاتها، لكن لأن هذه الحركة تمثل قلب النضال الفلسطيني، والحفاظ عليها يصب فى مصلحة القضية برمتها، ويوقف النزيف الذى تعانيه، ويمنع كل من تسول له نفسه، استغلال الموقف للانتقام من دول أخري، تمثل عائقا أمام أحلامه الإقليمية.
لم يعد أمام الرئيس أبومازن، سوى أن يكف عن مناوراته السياسية، ويتيقن أن مصر لن تتخلى عن القضية الفلسطينية، حتى لو أراد أو تمنى البعض ذلك، لأنها تتجاوز حدود التقديرات القصيرة النظر، وتمس عصب الرؤية الإستراتيجية، وهناك طرق كثيرة يمكن العبور من خلالها، للحفاظ على هذا الهدف، وسيكون المؤتمر العام المقبل لحركة فتح، إما بابا لإعادة الاعتبار لقوة الحركة التاريخية، أو قنبلة تنفجر فى وجه كل من حاول السير عكس الاتجاه الوطني.