:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/11021

«BDS»حركة تحاصرإسرائيل -عبد الرحمن أبو نحل

2016-11-02

تشكل حركة مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) أسلوب مقاومة فعال أعاد الاعتبار لوحدة مكونات الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة (عامي 1948 و1967) والشتات، بعد التشويه الذي أصاب تعريف الشعب الفلسطيني في خضم توقيع اتفاقيات أوسلو. كما نجحت حركة المقاطعة منذ انطلاقتها في عام 2005 في أن تشكل تحديًا للنظام الاستعماري الاحتلالي العنصري الصهيوني، ونجحت في أن تصبح أهم شكل للتضامن مع نضال الشعب العربي الفلسطيني نحو الحرية والعدالة.
يعتبر نداء الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية للاحتلال الإسرائيلي في 2004 ونداء المجتمع المدني الفلسطيني لمقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها (BDS) في 2005، والذي وقعته الأغلبية الساحقة من قطاعات المجتمع المدني الفلسطيني في الوطن والشتات، باكورة حركة باتت خلال سنوات قليلة تؤرق دولة الاحتلال والفصل العنصري الصهيوني لدرجة اعتبارها “خطرًا استراتيجيًا” على المشروع الصهيوني.
ينادي المجتمع المدني الفلسطيني بمقاطعة “إسرائيل” وعزلها حتى يمارس الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير، حدد نداء المقاطعة (BDS) ثلاثة شروط تشكل الحد الأدنى ليمارس كل الشعب الفلسطيني، في الوطن والشتات، حقه غير القابل للتصرف في تقرير مصيره وهي: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكل الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، وإنهاء نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الإسرائيلي ضد فلسطينيي أراضي الـ48، وإعمال حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طُردوا منها إبان النكبة وبعدها في سياق التطهير العرقي. وهذه الحقوق الثلاثة تجمع كل مكونات الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة منذ عام 1948، و1967، وفي الشتات والذين يشكلون ما نسبته نصف الشعب الفلسطيني.
قيادة فلسطينية:
إن هذه الحركة العالمية هي بقيادة فلسطينية؛ اللجنة الوطنية لمقاطعة الاحتلال الإسرائيلي، أوسع ائتلاف في المجتمع المدني الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها. والتي تشكلت بعد المؤتمر الوطني الأول لمقاطعة “إسرائيل” (2007). وتنسق اللجنة مع حلفائها وحملات المقاطعة في العالم. أي أن هذا الأسلوب من المقاومة والتضامن يوجهه المضطهَد الفلسطيني ضد المضطهِد الاستعمار الإسرائيلي. وحركة المقاطعة (BDS) لا تتناقض ولا تنفي أشكال المقاومة الأخرى المنسجمة مع مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي.
إنجازات وانتصارات متتالية:
في فترة زمنية قصيرة انتقلت حركة مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي من مرحلة تحقيق إنجازات رمزية، إلى تكبيد دولة الاحتلال وداعميها خسائر حقيقية. ففي عام 2014، انخفضت الاستثمارات الأجنبية في “إسرائيل” بنسبة 46% مقارنة مع عام 2013، وفق تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وعلقت إحدى معدات التقرير أن هذا الانخفاض الحاد كان بسبب حركة المقاطعة والعدوان على غزة. وفي عام 2015، نجحت الحركة في دفع الشركة الفرنسية فيوليا إلى الانسحاب من السوق الإسرائيلية وبيع كل مشاريعها بعد حملة مقاطعة وسحب استثمارات ضدها كبدتها خسارة عقود بأكثر من 23 مليار دولار. وفي مطلع العام الحالي 2016، قطعت شركة الاتصالات الفرنسية أورانج شراكتها مع “بارتنر” الإسرائيلية بفعل حملات المقاطعة في مصر وفرنسا وتونس. وسحبت كبرى صناديق التقاعد والاستثمار العالمية استثماراتها في بنوك وشركات إسرائيلية.
بالإضافة إلى قائمة طويلة من الفنانين/ات والأدباء والأكاديميين/ات الداعمين للمقاطعة، وتأييد العديد من النقابات العمالية والاتحادات الطلابية والجامعات والجمعيات، بما فيها تسع جمعيات أكاديمية كبرى في أمريكا الشمالية.
كل هذا وغيره من الإنجازات يوضح للعالم، أن حركة المقاطعة BDS، والتي تشكل استمرارا لتجارب المقاومة الشعبية المتجذرة في نضالنا الطويل ضد المشروع الصهيوني، تنجح في كسب الرأي العام لصالح القضية الفلسطينية، وفي إشراك قطاعات كبيرة من الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وشعوب العالم في النضال العادل ضد إسرائيل.
حرب إسرائيلية مضادة وبائسة:
ويمكن معرفة مدى تأثير حركة المقاطعة (BDS) من خلال الحرب الإسرائيلية المضادة. ففي مارس عقدت صحيفة يديعوت أحرونوت مؤتمرًا لمحاربة المقاطعة بمشاركة كبيرة رسمية من حكومة الاحتلال والرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفيلن، وسفيري الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وتصريحات وزراء الاحتلال تكشف مدى الضرر الذي تسببه حركة المقاطعة لنظامهم الاستعماري؛ حيث وصى وزير المخابرات يسرائيل كاتس بالقيام بعمليات “تصفية مدنية موجهة” أي اغتيالات بحق نشطاء المقاطعة البارزين بالتعاون مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية والدولية. كما هدد وزير الداخلية الإسرائيلي آريه درعي بنفي عمر البرغوثي، أحد مؤسسي حركة مقاطعة إسرائيل والمقيم في مدينة عكا المحتلة. وبالفعل تم منعه من السفر، والذي رُفع مؤقتًا بقرار من محكمة إسرائيلية. كما تعمل إسرائيل كما أعترف بذلك جلعاد إردان، وزير الشؤون الإستراتيجية – المكلف بمحاربة المقاطعة، على سن قوانين وقرارات تمنع المقاطعة في الدول الحليفة لها. وهذا ما يجري في فرنسا والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، في ظل تزايد سيطرة اليمين في تلك الدول. بالإضافة لقيام الاحتلال بترحيل نشطاء المقاطعة الأجانب ومنعهم من دخول فلسطين المحتلة.
وفي جلسة للجنة الشفافية بالكنسيت، اعترفت سيما فاكنين-جل، مديرة وزارة الشؤون الإستراتيجية أن إسرائيل في العالم “دولة منبوذة”. كما سبق وأقر رئيس دولة الاحتلال والأبارتهايد ريفيلين، أن المقاطعة الأكاديمية ضد إسرائيل “خطر من الدرجة الأولى”.
ونلحظ اهتمام أصدقاء الاحتلال الإسرائيلي في محاربة المقاطعة مثل المرشحة الديمقراطية لرئاسة الولايات المتحدة، هيلاري كلينتون. التي تعهدت بمحاربة المقاطعة من خلال مراسلاتها مع حاييم سابان، الملياردير الصهيوني. وكما أظهر تسريبات نُشرت مؤخرًا من رسائل مدير حملتها جون بوديستا. أي باتت محاربة حركة المقاطعة وسيلة لكسب ود “إسرائيل”، كون الحركة تؤثر فعليا على إسرائيل. ولكن المبشر أن هذه الحرب تزيد من الترويج لحركة المقاطعة والدعم لها ولنشطائها حتى من منظمات دولية مثل العفو الدولية والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان. كما صرح الاتحاد الأوروبي وحكومات هولندا وإيرلندا والسويد بدعمهم للحق في المقاطعة كحق في حرية التعبير بغض النظر عن موقفهم من مقاطعة “إسرائيل”.
بالرغم من كل هذه الحرب غير المسبوقة والبائسة، حققت الحركة مؤخرًا عدة إنجازات، منها؛ تأييد مجلس مدينة إيفري الفرنسية لمقاطعة الشركات الإسرائيلية والدولية العاملة في المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) والجولان ودعم الحق في المقاطعة ورفض قمع الحكومة الفرنسية له. وتأييد مجلس طلبة جامعة تشيلي البابوية لمقاطعة “إسرائيل” ومطالبة الجامعة بإنهاء تعاونها مع الجامعات الإسرائيلية، وموافقة مجلس طلبة جامعة بورتلاند الأمريكية على قرار يطالب الجامعة بسحب استثماراتها من الشركات المتورطة في الاحتلال الإسرائيلي مثل (HP) و (G4S)، وتأييد حزب الخطر الكندي لمقاطعة إسرائيل، وانضمام أكثر من خمسين مدينة وقرية إسبانية إلى مبادرة “مناطق خالية من الأبارتهايد الإسرائيلي”.
التضامن والنضال الأمميان:
إن النضال العربي الفلسطيني يتقاطع مع النضالات المختلفة حول العالم من أجل الحرية والعدالة. نجحت حركة المقاطعة في تعزيز الروابط بين هذه النضالات لتحقيق التضامن والنضال المشتركين. على سبيل المثال، الدعم والتضامن المتبادلين بين السود (ذوي البشرة السوداء) و حركة “حيوات السود مهمة” في الولايات المتحدة وبين حركة المقاطعة (BDS). ودعم حركة المقاطعة لنضال السكان الأصليين لأمريكا الشمالية (جزيرة السلاحف) ضد مد خط نفط في أراضيهم في ولاية داكوتا الشمالية. والنضال الأممي من أجل الحرية والعدالة والمساواة هو الأسلوب الأنجع في مواجهة أنظمة الاستعمار والقمع والظلم حول العالم والتي تتحالف مع بعضها وتنسق لنزع إنسانية الشعوب والمجموعات المضطهَدة.
التطبيع؛ خنجر في الخاصرة:
بالتزامن مع هذه الإنجازات المبشرة، يتزايد انغماس المستويات الرسمية في فلسطين وبعض الدول العربية في التطبيع مع إسرائيل. ورعايتهم لمشاريع تطبيعية تستهدف اختراق المجتمعات العربية. هذه المحاولات التي تخالف الوعي العربي المؤمن بمقاومة إسرائيل ومقاطعتها، رغم خطورتها ومساهمتها في فك عزلة إسرائيل المتنامية وتقويض نجاحات المقاطعة، إلا أنها لن تستطيع تغيير الموقف المدني المناهض للاستعمار الإسرائيلي.
ونرى على سبيل المثال في الضفة وغزة، تزايد المقاطعة المحلية وانخراط الطلبة والشباب في المقاطعة داخليًا وخارجيًا رغم كل التطبيع الرسمي المدان شعبيًا. مما سبب انخفاض الصادرات الإسرائيلية إلى الضفة وغزة بنسبة 15% عام 2014، وبنسبة 24% في الربع الأول من العام الماضي 2015. ونجاح الحركة في إلغاء اتفاقية استيراد الغاز “الإسرائيلي” في عام 2014.
بالإضافة إلى الغضب الشعبي العارم على قيام وفود رسمية بالتعزية في مجرمي الحرب الصهاينة واللقاءات التطبيعية، وقيام جريدة “القدس” بإجراء مقابلة مع مجرم الحرب ليبرمان في مخالفة واضحة للإجماع الوطني وأخلاقيات مهنة الصحافة.
خاتمة:
إن حركة المقاطعة (BDS) إلى جانب الأشكال المشروعة من المقاومة، وكشكل فعال للتضامن مع فلسطين، تشكل الأمل في مواجهة تغول المشروع الصهيوني، ووقف كل محاولات التطبيع معه. وصولاً إلى عزل إسرائيل بالكامل، حتى ينال كل الشعب الفلسطيني حريته وحقوقه الوطنية كاملة.