:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/11034

هل تعيد المخيمات بالضفة رسم علاقة «فتح» بالسلطة؟

2016-11-06

شهدت الآونة الأخيرة تسخينًا للتوتر القائم منذ فترة بين السلطة ومخيمات اللاجئين بالضفة المحتلة ممثلة بمجموعات مسلحة تنتمي لحركة فتح، ما أشعل ضوءًا أحمرَ ينذر بإمكانية تفجر الأوضاع ووصولها لمرحلة يصعب السيطرة عليها.
المواجهات المتزامنة التي وقعت مساء الثلاثاء (25-10) بين أجهزة السلطة وشبان في: مخيم بلاطة بنابلس، ومخيم جنين، ومخيم الأمعري برام الله، لم تكن سوى حلقة من حلقات التعبير عن التوتر والاحتقان في العلاقة ما بين مخيمات الضفة والسلطة.
ففي الشهور الماضية وقعت العديد من حوادث الصدام بين الطرفين، غذّتها الحملات الأمنية التي تشنها السلطة على تلك المخيمات بهدف معلن هو فرض القانون وملاحقة "الخارجين عن القانون"، يقابلها اتهامات من قيادات فتحاوية للسلطة باستهداف المخيمات.
هذه الحالة دفعت عددا من قياديي الحركة للخروج بتصريحات ونداءات تطالب بمعالجة مختلفة لمشاكل المخيمات مع السلطة بعيدا عن الحلول الأمنية.
جبريل الرجوب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح انتقد في تصريحات نفاها لاحقا التعامل مع المخيمات بالقبضة الأمنية.
آخر هؤلاء عضو اللجنة المركزية جبريل الرجوب الذي انتقد في تصريحات نسبت له -نفاها لاحقا- التعامل مع المخيمات بالقبضة الأمنية، متهما بعض قادة الأجهزة الأمنية بارتكاب جريمة بحق أهلهم وقضيتهم بتعمدهم التعامل مع المخيمات بهذه السياسة، محملا إياهم وحدهم النتائج، مضيفا أنه "لا يمكن لحركة فتح أن تتحمل مراهقة بعض المسؤولين".
أما مدير جهاز المخابرات السابق وعضو المركزية توفيق الطيراوي، فقد وجه نداء عاجلا، دعا فيه لإعادة النظر وتغليب الحكمة في التعامل مع المخيمات، عادًّا أن محاولة حل أية مشكلة في المخيمات بالقوة الأمنية، سينعكس سلباً على الشارع الفلسطيني، وعلى أية إمكانية لتوحيد الصفوف.
احتمالات مفتوحة
التطورات الأخيرة تحمل في طياتها الكثير من الاحتمالات حول العلاقة بين فتح والسلطة، والمخاوف من انعكاسات سلبية لها على الوضع الداخلي الفلسطيني.
مدير جهاز المخابرات السابق توفيق الطيراوي دعا لإعادة النظر وتغليب الحكمة في التعامل مع المخيمات، وأيّ محاولة لحل مشاكل المخيمات بالقوة الأمنية سينعكس سلبا على الشارع الفلسطيني.
ويرى القيادي في حركة فتح تيسير نصر الله أن ما يجري يؤكد أن لغة الحوار باتت شبه معدومة بين قيادات المخيمات والسلطة بمكوناتها المختلفة وقيادة الحركة، وأن جزءًا من المشكلة هو داخل فتح.
وقال لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" إن المخيمات كانت عبر سنوات النضال بؤرة للعمل الوطني، ولا أحد يقبل بأن تتحول إلى بؤرة للفوضى والفلتان ومأوى للخارجين عن القانون.
ويؤكد نصر الله ضرورة عدم التعامل مع المخيمات كحالة أمنية؛ لأن مجرد النظر إليها كذلك ظلم ويدخل في خانة الحسابات الخاطئة، مضيفا أن الكل يريد تطبيق النظام والقانون، ولكن أن يكون على الجميع وبدون استثناء.
ويدعو لتراجع الحملات الأمنية في حال التوصل إلى حل لمشكلة المطلوبين لأجهزة السلطة في المخيمات وفي غيرها من المواقع.
ولم يخفِ نصر الله مخاوفه من تصاعد الأمور نحو الأسوأ، وأن تدخل مناطق أخرى على الخط، خاصة مع اقتراب موعد عقد المؤتمر السابع للحركة.
تيسير نصر الله القيادي بفتح لم يخفِ مخاوفه من تصاعد الأمور إلى الأسوأ في المخيمات، وأن تدخل مناطق أخرى على الخط، لاسيما مع قرب انعقاد المؤتمر السابع.
ويبين أن اقتراب المؤتمر السابع له علاقة مباشرة بما يجرى من توتير للأجواء، وأن هناك من لا يرغب بانعقاد هذا المؤتمر.
ويطالب بمعالجة الموضوع بجدية وعلى أعلى المستويات، وبأقصى سرعة ممكنة، وإلا فقد تتفلت الأمور للأسوأ.
ويدعو إلى أن تأخذ قيادة الحركة دورها الحقيقي في معالجة هذه القضايا عبر حوار حقيقي وجادّ.
أزمات المجتمع تبرز في المخيمات
لكن رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة النجاح حسن أيوب لا يرى بأن هناك علاقة مباشرة بين هذا التوتر واقتراب المؤتمر السابع، رغم احتمال أن يكون هناك من يحاول الاستفادة من القوة التنظيمية للحركة في المخيمات لتوجيهها باتجاه معين.
وينظر أيوب للموضوع بأنه واحد من جملة الأزمات التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني وغياب القانون.
وقال لمراسل: "المركز الفلسطيني للإعلام" إن الصدام بين السلطة والمخيمات ليس بالأمر الجديد؛ بل هو جزء من حالة الاحتقان في المجتمع الفلسطيني في السنوات الأخيرة والتي تعود إلى العجز السياسي وانغلاق الأفق، والأزمات الاقتصادية، وازدياد البطالة والفقر.
حسن أيوب رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة النجاح يقول إن الصدام بين السلطة والمخيمات ليس بالأمر الجديد؛ بل هو جزء من الاحتقان في المجتمع الفلسطيني في السنوات الأخيرة والتي تعود إلى الانغلاق والعجز السياسي.

ووفق هذه الرؤية، فإن ما تعيشه المخيمات من كثافة سكانية عالية وضيق المساحة ومعدلات الفقر والبطالة المرتفعة، وفي نفس الوقت حضورها السياسي ورمزيتها والدور الذي تلعبه وطنيا على مر تاريخ القضية، يجعلها مرشحة أكثر من غيرها لبروز أزمات المجتمع الفلسطيني فيها.
ولم يستبعد أيوب أن يكون استهداف المخيمات يأتي ضمن محاولات تحجيم قيادات المخيم، ويوضح أن الانتفاضة الأولى أعطت للمخيمات الفرصة لتبوّؤ مواقع قيادية في الحركة الوطنية، وفي مرحلة "أوسلو" استبعد هذا الدور وحُجّم، وأعادت انتفاضة الأقصى جزءا من هذه التركيبة القيادية.
ويضيف أن القيادات السياسية في الحركة الوطنية وفتح التي تنتمي للمخيمات تلعب تاريخيًّا دورا مهما، وبالتالي ربما يكون هناك محاولة لاستبعاد هذه القيادات عن الحراك الآتي على الساحة الفلسطينية.
علاقة معقدة وشائكة
ويعتقد أن هذا التوتر سيعمق الإشكالات التي تمر بها علاقة فتح بالسلطة، وهي علاقة معقدة وشائكة؛ ففتح تحولت إلى مشروع سلطة قبل أن تكمل مهمتها كحركة تحرر، والسلطة تعتمد على فتح كقوة تنظيمية وخزان بشري، ودرجة التداخل بينهما لا يمكن معها تصور الانفصام بينهما، لأن ذلك يشبه قطع اللحم الحي.
ولكن أيوب يرى بأن طرح الصراع وكأنه بين المخيمات والسلطة ينطوي على الكثير من المخاطر، لافتا بهذا الصدد إلى أن ما جرى بالبلدة القديمة بنابلس قبل شهرين لم يكن له أي صلة بالمخيمات.
أيوب يؤكد أيضا أن طرح الصراع وكأنه بين المخيمات والسلطة ينطوي على مخاطر كثيرة، ويؤثر على استقرار المجتمع.
ويقر بأن هذا التوتر ينعكس سلبا على الاستقرار بالمجتمع الفلسطيني، ونتائجه ستكون وخيمة على المدى المتوسط والبعيد.
ويقول: "حتى لو حققت السلطة اليوم بعض الاستقرار الأمني في بعض بؤر التوتر، إلا أن هذه الحلول ستكون متجزئة ولا تعالج جذر المشكلة، وهي تعكس علاقات مشوهة في المبنى التنظيمي لفتح والسلطة، وفي علاقة السلطة بفتح".
ويعدّ أن هذا الأمر يمثل حصاد سنوات عديدة من عدم الوضوح والتخبط في إدارة الشأن الداخلي الفلسطيني، وسينعكس سلبا على حالة الاستقرار والاندماج الوطني، وعلى قدرة المجتمع على امتلاك رؤية وهدف موحد وأن يكون هناك حالة انسجام سياسي تنظيمي في مرحلة حساسة يعيشها الفلسطينيون
غياب الآخرين
وإزاء هذا التوتر بين "فتح المخيم" والسلطة، تبدو باقي الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني وقواه الفاعلة غير راغبة أو عاجزة عن التدخل والتأثير باتجاه تخفيف حدة التوتر ونزع فتيل الأزمة.
مراقبون يشيرون إلى أن الفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني عاجزة أو غير راغبة في التدخل والتأثير باتجاه تحفيف حدة التوتر.
ويقول أيوب أن هذه الفصائل والقوى لا تمتلك أصلا الأدوات الملائمة أو القدرة على التأثير على مجريات الأحداث. يضيف أن بعضها يحاول لعب دور الوسيط، مع أن هذا ليس دورها، إلا أنها غير قادرة، لأن الصراع أكبر من قدرتها وليس لديها حضور كافٍ لدى أطراف النزاع.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام