حزب سياسي أم تنظيم مجتمع مدني؟- نبيل عودة
2016-11-22
لفت انتباهي عنوان خبر نشره موقع البانوراما :"هل يقوم حزب عربي جديد؟" وجاء في الخبر ن هناك اتصالات يجريها النائب د. احمد الطيبي ورئيس بلدية الناصرة علي سلام ورئيس بلدية سخنين، رئيس اللجنة القطرية للسلطات المحلية مازن غنايم لإقامة حزب عربي جديد وأشار الخبر الى أنهم يقومون بفحص للموضوع.
الموضوع لفت انتباهي من زوايا عديدة.
اولها واقع الجماهير العربية في إسرائيل وهل تؤدي التنظيمات الحزبية القائمة اليوم الدور المرجو منها؟
ثانيا، هل سيضيف تنظيم حزبي جديد عوامل إضافية تختلف بمضمونها عما نعيشه اليوم مع التنظيمات القائمة؟
ثالثا، ما هو الهدف لهذا الحراك: هل الوصول للكنيست (البرلمان) هو المحرك الأهم لهذه المبادرة؟ أي تشكيل قائمة انتخابية تحت صيغة حزب سياسي، يختفي بعد انتهاء الانتخابات ؟
لم أجد في الخبر أي طرح يشير إلى أهداف هذه المبادرة.
اقر ان الحياة الحزبية في الوسط العربي اليوم تعاني من خلل جاد وإهمال مريع لقضايا مجتمعنا.
هناك تنافس حزبي في المجال السياسي – الوطني بكل ما يتعلق بالقضية الأولى التي تشغلنا، حق شعبنا الفلسطيني بالتحرر من الاحتلال وبناء دولته المستقلة، والنضال (إذا صح تسميته نضالا) ينحصر بالتصريحات وحملات التضامن.. طبعا لا مجال لنا كمواطنين في دولة إسرائيل لمسار آخر في هذا الموضوع المركب فنحن أمام خيارات صعبة بواقع ان "دولتي تقاتل شعبي"!!
من جهة ارفض أسلوب الأحزاب العربية وتوجهها، ولا ارفض موقفها بحد ذاته، انما قصر نظرها وعجزها عن مواجهة الطرح بطرح سياسي وبرلماني وقانوني مناسب. مواقفها السياسية يمكن تلخيصها بمواقف الرفض.. والرفض ليس موقفا، إنما تعبير بدائي عن اتجاه لا يخدم إستراتيجية النضال السياسي للعرب في إسرائيل.
نحن لا نخوض نضالنا في فراغ، عداء السلطة للجماهير العربية هي سياسة مبرمجة، الرد على هذه السياسة يحتاج إلى إستراتيجية سياسية مبرمجة وبعيدة المدى، تأخذ بعين الاعتبار أهداف الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل كمجموعة سكانية لها خصوصيتها، ويفترض طرح تعريف هوية ذاتية تشمل مختلف مجالات الحياة، السياسي، الثقافي، الاقتصادي، التعليمي، الاجتماعي، القانوني، المدني وكل ما يخص مجتمع بشري من مميزات ومطالب جوهرية وعلى رأسها سياسة الأراضي والتخطيط ويشمل مصادرة الأرض العربية لمصلحة أهداف يهودية مثل مشاريع إسكان يهودية على حساب البلدات العربية وتطورها، السلطات المحلية والمساواة في الميزانيات، الرفاه الاجتماعي، الخدمات الصحية، موضوع الهوية، الثقافة والتعليم، التطوير، العمل، إقامة مناطق صناعية متطورة وليست معزولة عن النشاط الاقتصادي للدولة، التصنيع في المجتمع العربي، تشريع القوانين التي يتخذ بعضها لصالح الأغلبية بمضمون عنصري أو متستر.
هذه القضايا كانت وراء انتفاضة العام 2000 ولا أرى ان الواقع تغير رغم تقرير "لجنة اور" القضائية التي بحثت وحققت بموضوع الانتفاضة ووضعت توصيات ايجابية هامة لم ينفذ منها شيء ولم أسمع ان أحزابنا قلقة من تجاهل تلك التوصيات رغم نقصانها.
هناك أيضا تقرير أكاديمي أكثر أهمية من تقرير "لجنة اور" قُدم أيضا على أثر انتفاضة العام 2000 إلى رئيس الحكومة في وقته ايهود براك، أعده باحثين جامعيين يهودا وعربا من المستوى الأول في إسرائيل ، تحت عنوان "بعد الأزمة – اتجاهات جديدة لسياسة الحكومة بخصوص العرب في إسرائيل" طرحوا في تقريرهم دراسة علمية مفصلة للمشاكل التي يعاني منها المجتمع العربي واقتراح الحلول. هذا التقرير الأكاديمي (يبدو ان من قرأه من العرب اقل من أصابع اليد الواحدة ، وربما أكون القارئ الوحيد له، واعتقد جازما ان نوابنا لم يسمعوا به - نبيل) يصح ليكون مستندا سياسيا علميا لسياسة عربية تواجه المؤسسة العنصرية للسلطة في إسرائيل لا تعتمد على "ادعاءات عربية" بل على توثيق طرحه أكاديميون يهود وعرب من ذوي الأسماء الأبرز في إسرائيل، ولن يدعي عندها أي موبوء بالعنصرية والعداء للجماهير العربية انه موقف عربي هدام وسلبي.
أسجل هنا مسألة جوهرية أكدها التقرير أيضا، أن الإجحاف والتمييز الذي تمارسه المؤسسة الحاكمة ضد الأقلية العربية في إسرائيل ليس وليد الصدفة، لن ينتهي بمجرد ان حكومات إسرائيل تقوم بزيادة المصادر المالية للوسط العربي. المطلوب تغيير جوهري يطرح فيه من جديد تعريف للأهداف العليا التي توجه سياسة المؤسسة الحاكمة بخصوص المواطنين العرب. هذا يعني ملاءمة التفكير والتخطيط في كل مستويات ونشاطات المؤسسة الحاكمة في التعامل مع العرب في إسرائيل. وفي اقتراح المساواة في الخدمات.
اوافق ان واقعنا السياسي ليس واقعا طبيعيا. لكن السياسة ليست كل الحكاية. الى جانب ذلك نحن مجتمع مدني. من المفروض ان لنا حقوق مدنية، حقوق مواطنين، حقوق إنسان، حقوق بالتطور، حقوق بالميزانيات، حقوق بالتعلم وتطوير مرافق التعليم، حقوق بتوسع مسطحات بلداتنا التي صودرت أراضيها وتمنح بلا حساب للبلدات اليهودية، حقوق بمناطق صناعية لا تبقي بلداتنا فنادق للنوم للعمال الذين يعملون في الصناعة والخدمات والمشاريع في المدن اليهودية، حقوق في السكن وتطوير البنى التحتية، حقوق في العمل وليس اتساع البطالة بشكل يتجاوز عدة أضعاف لواقع البطالة في المجتمع اليهودي. هناك تمييز في المجال القضائي أيضا. هناك استبعادنا من الوظائف الحكومية رغم كل وعود السلطة بالتمييز لصالح العرب، هناك حقوق طبية، لم يبن أي مستشفى حكومي في الوسط العربي، والمستشفيات العربية هي مستشفيات إرساليات مسيحية تعاني من تمييز كبير أيضا. أقيمت جامعة إسرائيلية استيطانية في المناطق المحتلة خصصت لها الملايين بلا حساب، رغم اعتراض الجهاز الأكاديمي وتحذيره من ردود الفعل الدولية على إقامة جامعة في المناطق المحتلة، بينما مشروع جامعة عربية في الناصرة او غيرها لا يحظى بأي دعم وتقام العراقيل أمامه.
يطرحون الواجبات مقابل الخدمات. الحقوق المتساوية هي الوجه الآخر للواجبات.لا واجبات متساوية بدون حقوق متساوية، هذا من جذور النظام الديمقراطي، لكنه غائب، أو مغيب من الوسط العربي، الحقوق تسبق أي شرط يطرح لتبرير عدم المساواة.
اذا كان التفكير فقط هو الوصول إلى الكنيست فلا أرى أي آفاق لمثل هذا التنظيم.
لا بد لاطار سياسي جديد يعمل على تعريف هوية ذاتية تشمل المجالات الحياتية كلها، المجال السياسي، الاقتصادي، الثقافي، التعليمي، القانوني، مكاننا كأقلية قومية، علاقاتنا بشعبنا الفلسطيني، طرق تواصلنا معه ودعمنا لنضاله.وأميل لتسمية "منظمة" بدل "تنظيم" لنبتعد عن فكر التنظيم الحزبي الذي فقد كل ضرورته في المجتمعات الحديثة بسبب طابعه الدوغماتي – الجمود العقائدي – والانعزالي فكريا وكونه يمثل شرائح اجتماعية متناقضة بتفكيرها ومفاهيمها وما يربطها بسائر الشرائح الاجتماعية الأخرى تأثيره ثانوي مقابل التناقضات التي تشمل مساحة واسعة من القضايا الحياتية.
بالطبع لست واهما ولا انتظر عجائب سياسية من المؤسسة التي بتنا نعرف تفكيرها ونهجها. ما اعرفه أننا نملك حقائق يجب ان نطرحها أمام الجمهور الإسرائيلي وأمام الرأي العام الدولي.
مثلا ما هو تعريف المواطن في إسرائيل؟ من هو الإسرائيلي حسب مفاهيم المؤسسة الحاكمة؟ هذا يفترض إعادة صياغة وثيقة جديدة حول الحقوق والواجبات المتبادلة بشكل متزن ودون تفضيل طرف على حساب طرف آخر على أساس عنصري.
إسرائيل تصف نفسها دولة يهودية صهيونية . العرب ليسوا يهودا وليسوا صهاينة ولن يكونوا، العرب يطرحون دولة كل مواطنيها، دولة مدنية ديمقراطية وليس دولة عنصرية حتى في نشيدها القومي ورموزها. إذن التعريف من جديد هو جزء من الحقوق ومن واجب السلطة أمام 20% من مواطنيها. رئيس الكنيست الأسبق ابراهام بورغ قال بوضوح " إن تعريف دولة اسرائيل على انها دولة يهودية مفتاح نهايتها. الدولة اليهودية شيء قابل للانفجار. مادة منفجرة".
اذن صفة الدولة هو جزء من الحقوق المدنية وحقوق المواطنة، التسمية العنصرية للدولة هو نفي لحقوق شريحة ضخمة من المواطنين ولا واجبات بدون حقوق. حتى توصيات اللجان التي تقيمها الحكومة وقرارات حكومية لا تنفذ والدولة بتعريف هويتها لا تشملهم، بل تنقلهم إلى وضع مواطنين غير قانونيين إلى حد ما، ولا تعترف بالأقلية العربية كأقلية قومية، بل مجرد طوائف مسلمين ومسيحيين وبدو ودروز.
ما اطرحه في هذه المداخلة هي رؤوس أقلام (عناوين) تحتاج إلى صياغة علمية تتعامل مع وقعنا المركب.
لم أتناول موضوع فكرة الحزب كقيمة تنظيمية، ولكني أود ان أسجل ملاحظة ، ان أيديولوجية إنشاء الأحزاب تتهاوي تدريجيا وأكاد أقول أنها تعاني من سكرات الموت في المجتمعات المتقدمة، حيث تحل مكانها صيغة تنظيمات المجتمع المدني. والتفسير لهذه الظاهرة هو كون الأحزاب نشأت على قاعدة فكرية كتنظيمات طبقية يمثل كل حزب مجموعة طبقية معينة، لكن تطور المجتمعات البشرية قادنا بعيدا جدا عن تلك الأفكار والمناهج من القرن التاسع عشر. الفكر الطبقي يعاني من ضمور نتيجة التطورات في مضمون النظام الرأسمالي بحث بات من الصعب ان نحلله حسب مفاهيم طبقية من القرن التاسع عشر. نحن الآن في مجتمع ما بعد النظام الرأسمالي وهذا يقتضي إعادة تفكير جادة من طرح تنظيم حزبي يمثل شريحة اجتماعية ما، أو تنظيم مجتمع مدني يشمل كل الفئات الاجتماعية.