:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/11357

اليمين الأميركي البديل... فاشيون في قلب واشنطن

2016-12-21

دفع انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، للحديث عن اليمين البديل (Alternative Right) إلى الواجهة من جديد، بسبب التقاطعات بين الطرفين طوال مدة الحملة الانتخابية لترامب، واستناداً على دعم اليمين البديل الأميركي له، ومكافأة الأخير لهذا التيار المتطرف بتعيين أحد المقربين منه، ستيف بانون ناشر موقع (Breitbart)، في مركز كبير المستشارين الاستراتيجيين في البيت الأبيض.
اعتُبرت "ظاهرة ترامب" سنداً لليمين الأميركي المتطرف، ولم يخفِ الرئيس المنتخب مغازلته هذا التيار أثناء الحملة الانتخابية، فعيّن بانون رئيساً لحملته الانتخابية، ونشر باكراً جداً، في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2015، صورة له عبر "تويتر" على هيئة "بيبي الضفدع" (Pepe The Frog) والذي يُعتبر رمزاً كاريكاتورياً يستخدمه اليمين المتطرف الأميركي منذ سنوات. الصورة لا تُعبّر إلا عن مغازلة مباشرة، وإلا فتصريحات ترامب العنصرية ضد المكسيكيين والمسلمين والسود والنساء كانت كافية لإعلان جماعات يمينية متطرفة دعمها له، على الرغم من أن هذه التيارات لا تدعم مرشحي الانتخابات الأميركية عادة، لاحتجاجها ضد النظام نفسه، وسياسييه، وإعلامه.
يُعتبر "اليمين البديل" في الولايات المتحدة تياراً يضم أطيافاً فكرية وسياسية مختلفة، يُعرف أحياناً بـ"اليمين الجديد" أو "اليمين المنشق"، ويتبنى أفكاراً أساسية تتمحور حول "مركزية العِرق الأبيض" وأنه متفوق على بقية الأعراق، ويطرح قيام كيانات سياسية على أسس عرقية بديلاً عن نموذج المساواة والتعددية أو نموذج "الديمقراطية الليبرالية" السائد اليوم في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية. ويرى هذا التيار في التجربة الصهيونية نموذجاً يحتذى في التعامل مع "العرق اليهودي"، وإن كان لا يخفي عداءه للسامية، لكنه لا يمانع في طرح فكرة "دول لكل عرق"، وإن اعتقد أن العِرق الأبيض هو الأسمى والأكثر تفوقاً.
وينتقد اليمين البديل، المحافظين التقليديين، باعتبارهم فرطوا في حماية هوية الأميركيين البيض. ويرى أن مشكلة هذا اليمين الأساسية أن أتباعه تخلوا عن أهم سمات "الهوية البيضاء" باعتبارها أيديولوجيا تقوم على تفوّق البيض العرقي، والعداء للسامية، ورفض فكرة المساواة واستبدالها بفكرة التراتب الهرمي للبشر على أساس عرقي.
يسقط من قاموس "الوطنيين البيض"، كما يسمون أنفسهم، أي شيء يتعلق بـ"الاستعمار" و"مركزية الرجل الأبيض"، ويرون أن هذه المركزية "حقيقة بيولوجية" و"إرث" يجب أن يرسخ، لا أن يُنظر إليه من خلال "عقدة ذنب" كما يحدث الآن. ويحاول بعض المنتمين إلى هذا التيار أحياناً استبدال الحديث عن "عرق أبيض" بالتأكيد على "ثقافة للبيض" أو "حضارة غربية"، لمجاراة الخطاب الدارج في الإعلام الأميركي، لكن هذا نادر الحدوث، إذ يغلب على منظّري هذا التيار، مثل مايكل ماكغريغر وريتشارد سبنسر ووليام جوهانسون، أن يتحدثوا عن هوية دينية/عرقية تُزاوج بين المسيحية والعرق الأبيض، وترى في نماذج التعددية العرقية والمساواة تهديداً مباشراً يؤدي إلى "انهيار الحضارة الغربية".
يرى اليمين البديل في "مجاملات" المحافظين التقليديين للتيار السياسي التقليدي العام "تدميراً ذاتياً" لهوية البيض. بل يرونهم يرتكبون "مذابح" بحق أنفسهم، من خلال تبنّي الديمقراطية والتعددية الثقافية والمساواة بين البشر.
شعارات نازية
يُعتبر ريتشارد سبنسر واحداً من أهم قيادات تيار "اليمين البديل" الأميركي. ويدير "معهد السياسة الوطنية" (National Policy Institute)، والذي هو بمثابة مركز أبحاث يتبنى رؤى اليمين البديل في تفوق العرق الأبيض على بقية الأعراق. كما يدير سبنسر "منتدى واشنطن للناشرين" (Washington Summit Publishers) كذراعٍ إعلامية للمركز أطلق من خلاله مشاريع إعلامية عدة تتبنى الرؤية الفكرية للتيار. ويُعتبر موقع (Radix Journal) أحد أهم المواقع الإعلامية التي تعكس بشكل مباشر وواضح أفكار اليمين البديل الأميركي منذ انطلاقه في 2012.
وتم تداول اسم سبنسر أخيراً بعد أن قام موقع "تويتر" بتعليق حسابه في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بسبب تعليقاته العنصرية ضد السود والمهاجرين، إضافة إلى رفعه شعارات نازية احتفالاً بفوز ترامب بالانتخابات كما ظهر في فيديو متداول، لكن "تويتر" عاد وسمح لسبنسر باستخدام حسابه من جديد، منتصف ديسمبر/كانون الأول الحالي.
يلخص سبنسر وجهة نظر اليمين البديل الأميركي بقوله: "نحن نعتقد أن اختلاف الأعراق حقيقة بيولوجية، لها تأثيرات اجتماعية وثقافية وتاريخية كبرى". ويتحدث عن "كراهية الرجل الأبيض" و"ذنب الرجل الأبيض"، باعتبارها عقدة تجعل الآخرين يكرهون البيض وعرقهم، قائلاً: "فَقَد الرجل الأبيض شرعيته بسبب عقدة الذنب التي تجعل العرق الأبيض وعنصرية البيض مسؤولين بشكل استثنائي عن الظلم والمعاناة في العالم... وأن القوة البيضاء ووعي البيض شرير وغير أخلاقي بالضرورة".
ويضع سبنسر اليساريين والاشتراكيين والشيوعيين على رأس قائمة الأعداء المضادين لرؤيته العرقية، باعتبار رؤيتهم للعدل تقوم على انتقاد الرجل الأبيض. ويرى أن هذه الرؤية منتشرة ودارجة للحد الذي جعله يؤكد أن المتبنّين لرؤية تضاد العرق الأبيض يشكلون "أغلبية البشر الذين يعيشون في الدول الصناعية" أي دولاً ذات أغلبية بيضاء أيضاً.
يرى سبنسر أن البيض هم الوحيدون القادرون على "ترسيخ الحضارة الغربية" التي يراها مهددة بسبب الهجرة وزيادة المنحدرين من أعراق أخرى داخلها. ويعتبر أن الحل ببساطة عن طريق "ترحيل" المنتمين إلى عرقيات أخرى، مكسيكيين وسود، إلى "أراضيهم". وبسبب هذه الرؤية العنصرية التي يتبناها سبنسر، مُنع من دخول الكثير من الدول الأوروبية، التي تجرم العنصرية والأفكار التي توضع في إطار "النازية الجديدة" الممنوعة قانوناً في الكثير من دول أوروبا الغربية.
دولة للبيض
نشر موقع (radix)، في فبراير/شباط 2014، مقالة بعنوان "نحن هوياتيون" أو (We Are Identitarians) لمايكل ماكغريغر، يوضح فيها رؤية اليمين البديل لهوية البيض والنظرة إليها في الولايات المتحدة والعالم. ينظر ماكغريغر لـ"هوية البيض" كأيديولوجيا، ويؤكد أن "التسلسل الهرمي" فكرة أساسية بديلة عن المساواة والتعددية الثقافية. وتقوم فكرة "التسلسل الهرمي" على حقيقة أن الشعوب تتفاوت "عرقياً وثقافياً" وليست متساوية، ويقع "البيض" على رأس هذا التسلسل الهرمي الأمر الذي يجب أن ينعكس على "الحقوق" التي يتمتع بها البشر.
يدعو الكاتب إلى قيام دولة "عرقية" للبيض، يبدأ تحقيقها بتقوية مجتمعات البيض في أميركا الشمالية. ويعتبر أن الصهيونية تقترب من النجاح في هذه المهمة، لحفظ العرق اليهودي في إسرائيل، وأن على البيض محاكاة ما يفعله اليهود اليوم. وهنا يستشهد بالصهاينة كمثال يجب اتباعه، على الرغم من أن اليمينيين الأميركيين معادون للسامية، ويرون أن "اليهود" يقفون وراء الكثير من الأفكار التي تنزع من البيض مركزيتهم في العالم، وتلصق بهم "عقدة الذنب"، باعتبار أن "تناول هوية البيض هي المحرم الأكبر في العالم اليوم" بحسب الكاتب.
يتساءل ماكغريغر عن سبب اعتبار الحديث عن هوية البيض من "التابوهات" وأنهم مجبرون على دفع ثمن جرائم ارتُكبت في الماضي، فيجيب بأن "النظام يخاف من هوية البيض أكثر من أي فكرة أخرى"، لأن البيض ببساطة هم من "أبدع النظام... وتقوده قيمهم".
كما يرى أن "النظام" في أميركا وأوروبا، قام بفرض التعددية الثقافية والعالمية والمساواة والفردانية لغاية واحدة هي "استعباد البيض" الذين يراهم "عبيداً للنظام" الذي يقيدهم. لذا يدعو إلى الانقلاب على كل هذه القيم، لإعادة سيادة الرجل الأبيض من جديد، تلك التي يراها مهددة بالقيم الليبرالية. ويعتبر أن على البيض القتال من أجل هويتهم، وأن مصيرهم الانهيار إذا لم يصارعوا بنية النظام: "هذه البنية تقودنا إلى الانحدار، وتزييف قيمنا، وستدمرنا في النهاية إذا لم نقم بتغيير راديكالي".
ويؤكد ماكغريغر أهمية اعتبار الهوية البيضاء "أيديولوجيا" هدفها الأساسي "حفظ هويتنا، وإرثنا الثقافي والجيني الذي يجعلنا على ما نحن عليه". وعند الحديث عن إرث الرجل الأبيض، يؤكد الكاتب أن "تراثنا يتضمن ملاحم هوميروس، والملاحم الأيسلندية، وموسيقى بتهوفن، وتعود جذورنا إلى أسبرطة أيام مجد روما، وغابات شمال أوروبا البكر". ويرى أن هناك سمات بيولوجية وثقافية للبيض، قائلاً: "سماتنا مثل عيوننا الزرق وموسيقانا الكلاسيكية تستحق الاحتفاظ بها كمميز لعرقنا"، ويضيف: "يجب تأكيد انحدار البيض من عرق مميز، وأن هناك الكثير من الاختلافات بيننا وبين بقية الأعراق في العالم".
عن العربي الجديد