بين المجلس الوطني.. وفيدرالية «أبو مرزوق»-هاني حبيب
2017-01-02
لا تزال المشاورات بين مختلف فصائل العمل الوطني والإسلامي مستمرة من أجل عقد اللجنة التحضيرية تهيئة لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، غير أن الأنباء المتداولة تشير إلى استعصاءات تعرقل عقد هذه اللجنة، ليس فقط حول مكان الاجتماع، ولكن وأيضاً حول جدول أعماله، الأمر الذي يشير إلى أنه وحتى في حال النجاح في عقد اللجنة التحضيرية، فإن الأطراف المعنية بعرقلة انعقاد المجلس الوطني، رغم تصريحاتها العلنية المرحبة، ستجد من الوسائل التي باتت معروفة ومجرّبة في إطار التجربة الفلسطينية، لكي تعرقل انعقاد المجلس الوطني، أو على الأقل تبرّر عدم مشاركتها في اجتماعاته.
هذه الأطراف معنية أولاً وأخيراً بإخضاع الأطراف الأخرى لأجندتها، وليست معنية بالبحث عن وسائل لتقريب وجهات النظر والتوصل إلى توافقات من شأنها أن تعيد الوحدة إلى الصف الوطني.
وإذا كان العام الجاري الجديد، فتح آمالاً عريضة للشعب الفلسطيني، حيث الجهد الوطني الفلسطيني يبدأ هذا العام مع عقد المجلس الوطني، غير أن هناك العديد من الشكوك حول إمكانية أن يكون العام الجاري الجديد، يحمل مثل هذه الآمال، إذا ما نظرنا حولنا في الخارج السياسي، وتمعّنا أكثر في أحوالنا في الداخل الفلسطيني، ففي الخارج هناك «وعود ترامب» الرئيس الأميركي المنتخب الذي لم يوفّر أية فرصة لكي يذهب أبعد من كل رؤساء الولايات المتحدة، دعماً لإسرائيل حول مخططاتها الاستيطانية، والتماثل معها من الناحية الواقعية للتهرب من «حل الدولتين»، وهو الأمر الذي يترجم دعوة زعيم «البيت اليهودي» والوزير في حكومة نتنياهو نفتالي بينيت لتبني خطته لفرض القانون الإسرائيلي على مستوطنات الضفة الغربية، بما فيها القدس، بحيث تصبح هذه المستوطنات جزءاً من دولة إسرائيل، إلاّ أن بينيت لم ينس في إطار هذه الدعوة، أن يقدم للفلسطينيين حلاً بعدم ضم المستوطنات إلى دولته: حكم ذاتي في الضفة الغربية أو على الأصح ما تبقى منها، في حين أن دولة الفلسطينيين هي قطاع غزة!!
تصريح عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، جاء متزامناً ـ مع هذه التوجهات الخارجية، الولايات المتحدة وإسرائيل تحديداً، لإجهاض المشروع الوطني الفلسطيني ووضع حد للمسألة الفلسطينية نهائياً من خلال الحلول التي سبق وأن أشرنا إليها.
تصريح أبو مرزوق حول فيدرالية قطاع غزة والضفة الغربية، تشير إلى جهل سياسي بمفهوم النظام السياسي الفيدرالي، ذلك أن من أهم مقومات قيام هذا النظام، وجود «وحدات سياسية واجتماعية» مستقلة، ترغب في إطار استفتاء عام تشكيل مثل هذا النظام، باعتباره هو الأنسب من بين مختلف الأنظمة السياسية، وربما لا يريد أبو مرزوق أن يعترف أن قطاع غزة ما زال يخضع وفقاً للقانون الدولي للاحتلال الإسرائيلي، ويعتقد أن سيطرة حركة حماس على القطاع، تمنحه مثل هذا «الاستقلال»، كما هو الأمر في قطاع غزة، هو كذلك في الضفة الغربية بما فيها القدس والتي لا تزال ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي. ومن سوء الحظ، ربما أن هذا التصريح يأتي في ظل مساعي القيادة الفلسطينية من أجل التوجه إلى المنظمة الدولية، ومجلس الأمن على وجه الخصوص، لنيل العضوية الكاملة كدولة لا تزال تحت الاحتلال، والانتقال من دولة ناقصة العضوية بقرار الجمعية العامة، إلى دولة مكتملة العضوية ـ عدا أنها لا تزال تحت الاحتلال ـ
بقرار من مجلس الأمن، مستفيدة ـ القيادة الفلسطينية من مزيد من التفهم والتأييد لهذا المطلب من قبل المجتمع الدولي، وهو الأمر الذي تم تأكيده بصدور القرار 2334 من مجلس الأمن مؤخراً، إذ بينما نسعى نحن الفلسطينيين لقيام دولتنا، يأتي الحل من قبل حركة حماس من خلال ما أسماه حكومة فيدرالية. وهكذا يضعنا أبو مرزوق أمام خيارين، إما بقاء الأمر على ما هو عليه، مع بقاء سيطرة الأمر الواقع من قبل حركة حماس على قطاع غزة، أو حكومة فيدرالية تمنح سيطرة الأمر الواقع اعترافاً فلسطينياً، بقيام دولة غزة التي تحدث عنها «بينيت». وكأننا من خلال هذا التصريح بتنا على دراية بأسباب عدم الاستجابة العملية لكل المبادرات والجهود التي هدفت إلى إنهاء الانقسام، انتظاراً لأحد خيارين، بقاء الوضع الراهن، أو منح حركة حماس سيطرة شرعية على قطاع غزة، ذلك أن هذا التصريح، لا يبحث عن حل وطني، بقدر ما يبحث حصرياً عن حل لحركة حماس، ولأن هذا الحل الفيدرالي مرفوض تماماً، إذن فإن الإبقاء على سيطرة حركة حماس المطلقة على قطاع غزة، بات هو الحل الوحيد والأخير.
والواقع أن فكرة قيام كيان كونفدرالي بين قطاع غزة والضفة الغربية المحتلين، ليست جديدة، ولم تكن المرة الأولى التي تطلق فيها مثل هذه الفكرة، إلاّ أنها ظلت تتداول بين أطراف تجتهد في الوصول إلى حل للانقسام المستدام، لم تجد هذه الفكرة أية استجابة في كافة الأوساط الفلسطينية ولم نعد نسمع عنها منذ وقت طويل إلى أن أخرجها أبو مرزوق من الأرشيف لكي توضع للتداول من جديد، إلاّ أن هذا التداول هذه الأيام يأتي في ظل ظروف فلسطينية وإسرائيلية وأميركية، تجعل من هذه الفكرة مرتكزاً لسياسات الحكم الذاتي الذي تحدث عنه بينيت، كحاضن لهذه الفكرة البديلة لمصالحة فلسطينية حقيقية.
• كاتب فلسطيني- قطاع غزة.