قراءة في نقل السفارة - د. خالد معالي
2017-01-12
تقوم علاقات الدول فيما بينها؛ على المصالح، ومدى ما تحوز كل دولة من عوامل القوة، ومن هنا فان تصريحات وإعلان ترامب بخصوص اقتراح نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، تجيء ضمن هذا السياق، بحساب دقيق؛ للمكاسب والمخاسر من اقتراح النقل المنوي؛ وليس ضمن سياقات أخرى عاطفية، أو مفاهيم الحق والخير؛ التي يتشبث بها الفلسطينيون على أهميتها؛ كون قضيتهم أعدل قضية في العالم.
تاريخيا شنت دول الغرب المسيحية حروبا صليبية شرسة من اجل السيطرة الدينية على القدس المحتلة، إلا أنها فشلت بالاستمرارية على يد صلاح الدين الأيوبي، إلا أن ذلك لا يعني انتهاء الحلم والفكرة بالنسبة للمسيحية؛ وذلك برغم زراعة "اسرائيل" في قلب العالم العربي والإسلامي من قبل الغرب المسيحي، لحل مشكلة - تكتيكية -طارئة للغرب، واعتبار دولة الاحتلال بان القدس هي عاصمة دولتهم "اللحظية" في غفلة من التاريخ.
ليس من مصلحة ترامب - بهذه السذاجة - استعداء العالم العرب والإسلامي دفعة واحدة؛ خاصة أن الوضع متفجر أصلا وفيه ما يكفيه من معضلات وتعقيدات، ليقوم بخطوة نقل السفارة من "تل ابيب" إلى القدس المحتلة، فما الحكمة من زيادة الحقد والغضب على أمريكا، والتي تفقد المزيد من النقاط على مستوى العالم بفعل التغيرات والسنن الكونية الإجبارية وليست الاختيارية؛ سواء رضيت أمريكا أم رفضت؛ فان سنة الله غالبة.
من الناحية الدينية فان أمريكا هي امتداد للحضارة الغربية الأوروبية؛ ومن هنا فان المعتقدات الدينية للمسيحية العالمية ترفض اعتبار القدس عاصمة "اسرائيل"؛ كون "اسرائيل" هي دولة يهودية عابرة وليست مسيحية؛ واصلا وجود "اسرائيل" مرتبط بالدعم الغربي ولولاه لما بقيت واستمرت كل هذا الوقت الطويل نسبيا.
تصريحات ترامب قبل الانتخابات؛ ليست هي بعد الانتخابات، فمعروف في عالم السياسية؛ أن وعود السياسيين قبل الانتخابات تختلف عنها بعد الانتخابات، ولن يكون ترامب استثناء من هذه المعادلة الحياتية الغربية.
صحيح أن ترامب يوجد من يحاسبه على برنامجه الانتخابي، ولكن الادراة الأمريكية تعرف أن الوضع العربي متفجر وقابل للانفجار أكثر من ذلك، وقضية مثل نقل السفارة الأمريكية للقدس ليست هينة، وتزيد من قوة الانفجار؛ بدل أن تخفف من الصراع والمشاكل لأمريكا التي تقود العالم بفعل ما تملك من قوة.
عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” محمد اشتية، طالب المساجد في الشرق الأوسط يوم الجمعة المقبل برفع الآذان، والكنائس بقرع الأجراس، رفضا واحتجاجا، على ترامب الذي ينوي نقل السفارة للقدس.
جيد أن تهدد السلطة الفلسطينية بسحب الاعتراف ب"اسرائيل"، في حالة نقل السفارة؛ كنوع من الضغط على ترامب، وجيد أكثر أن يتبع بدعم عربي ومظاهرات في العواصم العربية، فالقدس ليست للفلسطينيين وحدهم، وترامب بعد أن يتولى أمور القيادة العالمية لأمريكا، سيدرس خطواته وقرارته بحكمة وروية، وخسارة الكثير وتفجير الأوضاع مع العالم الإسلامي؛ مقابل ربح قليل بنقل السفارة لن يقبل عليها ترامب.
في المحصلة؛ وبحسب قرائتنا لقضية نقل السفارة؛ فان كل المؤشرات تقول بأنه قرار صعب وخاسر للإدارة الأمريكية، وهو ما نادى به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وطالب بعدم نقل السفارة؛ وقال صراحة بأن" مصدر المشكلات في المنطقة هو الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني"؛ والكل يعرف من أوجد وزرع "اسرائيل" في فلسطين المحتلة.
لكن حسابات ترامب قد تكون مختلفة كلية عن حسابات المنطق، ومن هنا فانه يجب علينا نحن العرب، وكل فلسطيني ومسلم وكل أحرار وشرفاء العالم قاطبة؛ أن يحوزوا على مصادر قوة اكبر وأكثر؛ كون عامل القوة هو الحاسم في كل الأمور وعلاقات الدول فيما بينها؛ سواء كانت دول ضعيفة أو دول تقود العالم؛ فهل تعلمنا الدرس هذه المرة...؟!