:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/11552

عندما يصبح القاتل بطلاً قومياً-غازي السعدي

2017-01-18

أدانت المحكمة العسكرية الإسرائيلية بتاريخ "4-1-2017"، الجندي الإسرائيلي "ليئورأزاريا"، الذي أطلق النار بتاريخ "24-3-2016"، على الشهيد "عبد الفتاح الشريف"، الذي أطلق الجنود النار عليه اثر محاولته طعن أحدهم، فسقط جريحاً ملقى على الأرض، لكن الجندي "أزاريا"، أجهز عليه بإطلاق رصاصة قاتلة في الرأس عن بعد بضعة أمتار قائلاً لزملائه الجنود: أنه يستوجب الموت، وقد وقع الحادث في البلدة القديمة من مدينة الخليل، فجاء قرار المحكمة بإدانته، على ان يجري تحديد العقوبة في الأيام القادمة، وقد اتخذت المحكمة قرارها بإجماع القضاة الثلاثة، بتهمة القتل المتعمد، وقد جاء في قرار المحكمة الذي استغرقت قراءته أكثر من ساعتين، ويقع في (124) صفحة، ويحتوي على (288) بنداً، جاء فيه أنه لم يكن هناك أي مبرر لإطلاق الجندي "أزاريا" النار على جريح ملقى على الأرض، لا يملك سلاحاً، ولا يشكل أي تهديد على الجماهير، وان الشهادة التي أدلى بها الجندي "أزاريا" لم تكن موثوقة، وإطلاق النار على "عبد الفتاح الشريف"، جريمة جنائية، وجاء في قرار المحكمة أن إطلاق النار على "الشريف" كان السبب المباشر لوفاة الفلسطيني الجريح.
إن السؤال الذي يتداوله الفلسطينيون، لماذا تم اعتقال هذا الجندي القاتل، وتقديمه للمحاكمة؟ فقد ادعى الجندي أمام المحكمة أنه عمل وفقاً للنهج العسكري الذي يعمل به الجنود الآخرون، فالاحتلال الذي شكل جهازاً متكاملاً للقمع والقتل المتواصل منذ عام 1967، هو الذي يجب أن يحاكم، وقبل سنة ونصف السنة، أثناء انتفاضة السكاكين، اتخذ مجلس الوزراء الإسرائيلي قراراً بإطلاق النار مباشرة على كل من يشتبه بأنه يحمل سكيناً، فأوامر إطلاق النار أعطت تصريحاً رسمياً بقتل الفلسطينيين، بينما كان بالإمكان اعتقال المشتبه بهم، أو إطلاق النار على ارجلهم، أو إطلاق النار بالهواء، لكن العنصرية والرغبة بالقتل أثارت الهستيريا لدى الاحتلال، لإخماد انتفاضة السكاكين، فهناك أمثلة كثيرة لجأ فيها الجيش والشرطة والمستوطنون لقتل فلسطينيين دون محاكمتهم، وتم إغلاق عشرات الملفات لهؤلاء القتلة، لأنه لا قيمة لحياة الفلسطينيين بنظرهم، نتيجة التحريض الحكومي والسياسة العنصرية ضد الفلسطينيين، فالشهيدة "هديل الهشلمون" من الخليل تم قتلها بتاريخ "22-9-2015"، حين كانت ملقاة طريحة على الأرض أيضاً، جراء إصابتها برصاص الجنود الذين واصلوا إطلاق النار عليها، والشهيد "فادي علوان" من العيسوية قام شرطي بإطلاق النار عليه وهو ملقى على الأرض ايضاً وقتله، والشهيدة "سارة حجوج" من بني نعيم، كانت في غرفة الفحص على حاجز الخليل، فقام الجنود برشها برذاذ الفلفل، وفروا من الغرفة، ثم عاد أحدهم وأطلق النار عليها وقتلها، والشهيدة "انتصار هرشة"، التي كانت تسير على الأقدام نحو حاجز عنبتا بتاريخ "2-6-2016"، أطلقوا النار عليها وقتلوها، وهناك العشرات من الفلسطينيين والفلسطينيات قتلوا دون مبرر، كان بإمكان الجنود اعتقالهم دون قتلهم، فيما أظهرت إسرائيل الجنود القتلة كالأبطال، وهذا غيض من فيض، فالجنود مجرمون، لكن المجرم الأساسي هي الحكومة التي أعطت التصريح بقتل الفلسطينيين، والتي يجب محاكمتها في محكمة جرائم الحرب الدولية في "لاهاي".
إن ما دفع إلى محاكمة هذا الجندي، دون إخفاء جريمته كغيره من القتلة، حين كان أحد نشطاء منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية بالقرب من الحادث، فالتقط مشهد قيام الجندي المذكور بإطلاق النار من سلاحه على "عبد الفتاح الشريف"، وهو جريح فنشر هذا المشهد وبسرعة هائلة، تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وشبكات التواصل الاجتماعي، مما أحرج الاحتلال بعدم إخفاء الجريمة، واضطر لاعتقاله ومحاكمته، فالمشهد الذي انتشر في الخارج، وردود الفعل العالمية على هذه الجريمة، كانت وراء اعتقاله "الصوري" وتقديمه إلى المحاكمة.
لقد امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي في إسرائيل بالسباب والتهديد ضد قضاة المحكمة في أعقاب قرار الإدانة، وهدد الكثيرون منهم بتدفيع القضاة الثلاثة الثمن إن عاجلاً أم آجلاً على قرارهم، وانتشرت المظاهرات التي ترفع صور القاتل وتنادي بأنه بريء..بريء..بريء، وكأنه أصبح بطلا قوميا، بينما رسموا
شنب "هتلر" على صور القضاة، الأمر الذي أدى إلى وضع حراسة عليهم، وطالب المتظاهرون بالعفو عن القاتل، اما "نتنياهو" فقد كتب على صفحته على الفيس بوك: هذا اليوم صعب ومؤلم لنا جميعاً، وبشكل خاص للجندي وعائلته، وطالب بالعفو عن الجندي حتى قبل تحديد المحكمة مدة عقوبته، وفي استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، نشرته جريدة "إسرائيل اليوم 5-1-2017"، فإن 70% يطالبون بالعفو عن الجندي، فيما جاء في القناة التلفزيونية الثانية "5-1-2017"، أن 67% مع إصدار العفو عن الجندي، فالمتظاهرون الذين طالبوا بالعفو عن الجندي، الذين وصفوا القضاة بالنازيين، صبوا جل غضبهم وتحريضهم على رئيس أركان الجيش الإسرائيلي "غادي آيزنكوت" بقولهم: "غادي كن حذراً فإسحاق رابين يفتش عن زميل له في القبر"، وهذا تهديد له بالقتل، كما طال التحريض والتهديد النيابة العسكرية، فقد أشغلت هذه القضية، خلال الأشهر التسعة من وقوع الجريمة، القيادتين السياسية والعسكرية، إضافة إلى الشارع الإسرائيلي، فالجدل أدى إلى انقسام إسرائيلي بين مؤيد للجريمة ومعارض لها، بينما صدرت الدعوات للعفو عن الجندي، ليس من قبل المتظاهرين، بل من قبل الوزراء وبعض القادة السياسيين، وذكروا أن هناك سوابق بعمليات القتل والعفو عنهم، استشهدوا بعملية الحافلة رقم (300) التي اختطفها فلسطينيون قبل سنوات، وهي بطريقها من تل-أبيب إلى بئر السبع، حين قتل رجال الأمن الخاطفون الفلسطينيون، وحصلوا على العفو دون تقديمهم للمحاكمة، والأمثلة المعروفة كثيرة، وغير المعروفة أكثر.
إن الاستنتاج من خلال متابعة ردود الفعل الإسرائيلية، أن اغلبية الإسرائيليين يؤيدون قتل الفلسطينيين، فهذه القضية اعتبرت نقطة تطرف أخرى في الرأي العام الإسرائيلي، وفي الخطاب الإسرائيلي المتطرف، اما الإعدامات الميدانية للفلسطينيين، ودون محاكمة فهي مباحة، ولم يبق أمام الفلسطينيين سوى اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل لارتكابها جرائم حرب ضد المواطنين الفلسطينيين، ستطال العشرات من السياسيين والضباط والجنود والمستوطنين الذين سيجدون أنقسهم رهن العقاب، فحادث الدهس الذي جرى في القدس يوم 8-1-2017، والذي أدى إلى مصرع أربعة جنود، وإصابة (15) بجروح، كان المطلوب من سلطات الاحتلال الإسرائيلي أخذ العبر، فإن كل ما قامت به من إجراءات قتل وقمع وحصار لم يؤد إلى وقف انتفاضة السكاكين، أو الدعس بالسيارات، وبدلاً من ذلك فإن الاحتلال يضاعف إجراءاته ضد الفلسطينيين، وللأسف الشديد إن لم يتم التوصل إلى حل جذري للقضية الفلسطينية وحرية الشعب الفلسطيني فإن نزيف الدماء من قبل الجانبين سيتواصل.