:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/11567

إسرائيل: «حل الدولتين».. أو الانهيار-هآرتس

2017-01-21

يخيل أحياناً أن الخطاب الجماهيري اليقظ في إسرائيل، والذي لا يزال يعتبر واحدا من الأعمدة الفقرية للديمقراطية هنا، أُسر هو ايضا في عصر «ما بعد الحقيقة». فردود الفعل الاسرائيلية الحماسية على مؤتمر باريس وقرار مجلس الامن بشأن الاستيطان، والتي دعت الى ضم «المناطق»، نجحت في أن تلغي بدفعة واحدة تحصين الوضع الراهن الوهمي الذي برعايته يعمل مؤيدو الدولة الواحدة لتوسيع المشروع الاستيطاني. ومع ذلك نجحت ردود الفعل فيما لم ينجح مؤيدو حل الدولتين في عمله منذ انتخاب بنيامين نتنياهو في 2009: إحالة البديلين الاساسيين للنزاع – دولتين أو دولة واحدة - الى حسم الجمهور من جديد: لا يمكن للجمهور في اسرائيل أن يعرف بيقين كيف سيبدو الواقع اذا ما وعندما يتحقق حل الدولتين، ولكن صورة المستقبل لـ»الدولة الواحدة» يمكنه أن يتوقعها منذ اليوم في «القدس الموحدة»: من مدينة متطورة ذات أغلبية يهودية حاسمة ومعترف بها بحكم الامر الواقع من الاسرة الدولية، اصبحت مدينة تعاني الصدوع والعنف، فقيرة بشكل مخيف، تميز بين سكانها، تفقد الاغلبية اليهودية، وينقصها الاعتراف الدولي الذي تتعطش له. لم يتعاون عرب شرقي القدس مع توقع يغئال يدين، الذي وعد عشية الحرب في العام 1967 بأنه «مع دخول اسرائيل، سيغادر كل العرب». فقد تبين لاسرائيل أنها لن تتمكن من ضم الارض دون أن تضم سكانها الفلسطينيين. والشهية الاقليمية عديمة المسؤولية من رحبعام زئيفي، الذي سعى الى ضم 200 كيلومتر مربع من اراضي الضفة الى القدس، بدلا من 6 كيلومترات مربعة فقط (مساحة شرقي القدس)، صدت جزئيا من قبل وزير الدفاع موشيه دايان الذي قال: «اعرف شهية اليهود... هذا ليس ضما للشطر الثاني من القدس، هذا تقسيم للضفة الغربية الى قسمين، وانا ضد هذا». اما حكومة اسرائيل فـ»اكتفت» باحلال القانون الاسرائيلي على 70 كيلومترا مربعا، كان يعيش فيها في حينه 69 الف فلسطيني، لم يشكلوا سوى 26 في المئة من سكان المدينة. غير أنه في العام 2015 بات الحديث يدور عن 320 الف نسمة، هم 40 في المئة تقريبا من سكان القدس. تظهر الحقائق أنه في أوساط المجموعة السكانية لابناء اقل من 18 في القدس، توجد للعرب اغلبية تبلغ 60 في المئة. ولاضافة المعطى عن الهجرة اليهودية السلبية المتواصلة، من الواضح أنه في غضون اقل من عقدين ستكون عاصمة إسرائيل مدينة تعيش فيها أقلية يهودية. إذا غير الفلسطينيون سياستهم بالنسبة للانتخابات، فان رئيس البلدية والاغلبية في المجلس سيكونون فلسطينيين، ما سيجر بالتأكيد ردود فعل عنيفة من منظمات مثل «لا فاميليا» ستشعل النار في المدينة. مسيرة مشابهة ستحصل أيضا في «اسرائيل الموحدة» اذا ما أغرينا لإشباع شهية الضم لدى بينيت وسموتريتش. معدل اليهود سيكون في زمن الضم 60 في المئة، ولكنه سيهبط في غضون 15 سنة لصالح أغلبية عربية؛ سنستيقظ على الواقع الذي حذر منه بن غوريون منذ العام 1947 حين قال: «لا دولة يهودية مستقرة وقائمة طالما توجد فيها اغلبية يهودية من 60 في المئة فقط... في هذه التركيبة لا توجد حتى ثقة مطلقة في أن يبقى الحكم في يد الاغلبية اليهودية». يفيد تقرير الجدول الاجتماعي – الاقتصادي الاخير لمكتب الاحصاء المركزي أنه من اصل 255 سلطة، تأتي القدس في المرتبة الـ 195 – بعد هبوط عشرات المراتب منذ استطلاع 2008. وفي تقرير الفقر الاخير تبين أن نحو 50 في المئة من سكان القدس – وأكثر من 60 في المئة من الاطفال – يوجد تحت خط الفقر. وينبع اساس التغيير من الارتفاع في عدد الفقراء في أوساط عرب المدينة: حتى 80 في المئة وفي اوساط الاطفال اكثر من 85 في المئة. مرة اخرى، في ضوء التوقعات الديمغرافية فان «اسرائيل الموحدة» هي أيضا ستتدهور في الجداول الاجتماعية – الاقتصادية، ومع معدل 45 في المئة من السكان تحت خط الفقر ستخرج في غضون وقت قصير من دول الـ OECD. مستوى العمليات يرتفع وينخفض في السنوات الاخيرة، ولكن مكان القدس في رأس قائمة البلدات المصابة بـ»الارهاب» بقي مستقرا. فالاحتكاك اليومي على طول خط التماس، وحرية حركة الفلسطينيين في القدس يخلقان فرصا للعمليات تعبر عن حقيقة أن الفلسطينيين سكان القدس شركاء في الكفاح في سبيل دولة عاصمتها القدس الشرقية. اما ضم احادي الجانب للضفة فلن يقنع الفلسطينيين بالتخلي عن حلمهم الوطني، وفي ظل غياب الفصل والجدار الأمني، سيسهل عليهم فقط تطبيق المقاومة العنيفة لخطوة مفروضة في أرجاء «إسرائيل الموحدة». خلافا للقيادة الاسرائيلية، تعارض القيادة الفلسطينية الدولة الواحدة وتعترف بانه رغم 49 سنة من «توحيد» القدس، يعاني سكانها الفلسطينيون من التمييز والظلم المتواصلين، مثلما شرح رئيس البلدية ورئيس الوزراء السابق، ايهود اولمرت: «لم تقم أي حكومة اسرائيلية منذ 1967 حتى ولا بصفر مما هو مطلوب من اجل توحيد المدينة بشكل عملي... استثمرنا في القدس، ولكن عن وعي استثمرنا في الاساس في غربي المدينة وفي الاحياء الجديدة مثل (هار حوما)، (بسغات زئيف)». يتمتع السكان الفلسطينيون في القدس بـ 10 في المئة فقط من الميزانية الجارية، رغم أنهم 40 في المئة من السكان. هناك نقص خطير في صفوف التعليم، في فروع البريد، في مكاتب الرفاه، في العيادات، في مراكز الامومة والطفولة، وفي مراكز الجيل الثالث، ولا توجد ولو بركة سباحة واحدة. ليس لـ 50 في بالمئة من اراضي شرقي القدس مخططات هيكلية مقرة. منذ العام 1967 لم يبنَ الا 8 آلاف وحدة سكنية في الاحياء العربية بترخيص، و20 الف اخرى بلا ترخيص. ينبغي أن تطرح اسئلة أليمة اخرى على واضعي خطط الضم على انواعها، بدءاً بـ»البيت اليهودي» و»الليكود» ممن لا يكتفون بالاطلالة المهددة على مستقبل «اسرائيل الموحدة». الاول، ماذا سيكون مستقبل غزة؟ هل يمكننا ان نتجاهلها، بمليونين من سكانها، والادعاء، مثل بينيت، بانها دولة يمكنها أن تعيش بقواها الذاتية؟ واذا كان نعم، ما هي فرصها للبقاء في ضوء تقرير الأمم المتحدة الذي يتنبأ لها بانهيار اقتصادي – اجتماعي حتى 2020؟ السؤال الثاني، ماذا سيكون مستقبل اللاجئين الفلسطينيين؟ هل «إسراسطين» كدولة تعيش فيها امتان معا، يمكنها أن تمنع عودة بعضهم الى نطاقها؟ ماذا سيكون المستقبل الاقتصادي للدولة التي تضطر الى البدء باستيعابهم؟ السؤال الثالث هو اي جيش سيكون لمثل هذه الدولة؟ من سيخدم فيه؟ هل سيبقى قانون التجنيد الالزامي المنتهج في اسرائيل، والذي لا ينطبق على العرب، على حاله؟ وهل يمكن للعرب ان يتطوعوا للجيش الاسرائيلي؟ في أي وحدات؟ وماذا عن الخدمة الوطنية؟ التجنيد لـ»الشاباك» و»الموساد»؟ هل سنوافق على «اعطائهم بنادق»؟ سؤال رابع، من سيمول منظومات الرفاه في الدولة ثنائية القومية؟ من سيعالج أمر الملايين الذين سينضمون الى دائرة الفقر؟ من سيطور الاقتصاد في الوسط الفلسطيني؟ سؤال خامس: هل الجيل الشاب سيوافق على تقاسم العبء – الخدمة في الجيش، في الاحتياط، تمويل رفاه العرب والعيش في خوف دائم من العمليات؟ هل سيفضل الهجرة الى الولايات المتحدة، بالضبط مثلما يحصل في القدس اليوم؟ هذه الاسئلة تكاد تكون بيانية، لأن الوضع الذي تصوره «اسرائيل الموحدة» مدحوض من اساسه ومعناه حرب اهلية مستمرة، نظام «أبرتهايد»، وانهيار اجتماعي واقتصادي. هذه هي الاسئلة التي يحاول نتنياهو تكنيسها تحت طاولة حكومته المسيحانية – القومية المتطرفة. العمى السياسي، انغلاق الحس والانقطاع عن الواقع الذي تعمل منه هذه الحكومة لن يسمح لها بان تفعل كما قال يشعياهو ليفوفيتش، الذي كتب فور حرب «الايام الستة» يقول ان ضم «المناطق» معناه «تصفية دولة اسرائيل كدولة للشعب اليهودي، خراب الشعب اليهودي، انهيار المبنى المجتمعي الذي اقمناه في الدولة وافساد الانسان – اليهودي والعرب على حد سواء. كل هذا سيحصل حتى لو لم يصبح العرب أغلبية في الدولة». الاجوبة عن هذه الاسئلة ينبغي أن نطالبها من الجهات المسيحانية والقومية المتطرفة في الحكومة، والتي لا تكف عن نثر الرمال في عيوننا بالنسبة لآثار الضم. ولكن ينبغي أيضا مطالبتها من الجانب الذي يتطلع الى التسوية الدائمة، واقدامه على الارض، ذاك الذي بيأسه من امكانية تحقيق حل الدولتين يتوجه الى حلول متعذرة، او يخشى من خطوات ذاتية حيوية للانفصال، ولو جزئيا، في الضفة وفي القدس الشرقية.