باقون ما بقي الزعتر والزيتون -حمادة فراعنة
2017-01-31
ليس اللقاء الذي وقع يوم الاربعاء 25/1/2017، بين قادة الوسط العربي الفلسطيني في مناطق 48، ابناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، وبين سفراء المجموعة الاوروبية الثمانية والعشرين في تل ابيب، والاستقبال الذي حصلوا عليه ونالوه، مجرد حدث اجرائي يُضاف الى سجل نضال المكون الثالث من مكونات الشعب العربي الفلسطيني : 1- فلسطينيو 67، و2- فلسطينيو المنافي والشتات من اللاجئين .
فالنضال الفلسطيني على الجبهات الثلاث من اجل المساواة في مناطق 48، والاستقلال لمناطق 67، والعودة للاجئين واستعادة ممتلكاتهم المنهوبة من قبل الدولة العبرية في اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، ياخذ اشكالاً عديدة متنوعة، كل وفق ظروفه السياسية، ومعطياته الموضوعية والذاتية، واعتماداً على ما تسمح به ظروفه المحيطة بحياته، فنضال 48 يختلف في اشكاله وادواته عن نضال 67، وكلاهما يختلف عن نضال اللاجئين واهتماماتهم، ولكنه يصب في مجرى واحد، وهدف مشترك، ونضال تكاملي في مواجهة سياسات المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي واجراءاته في فرض العنصرية والتمييز في مناطق 48، والاحتلال والاستيطان في مناطق 67، والتشريد والابعاد للاجئين ومنع حقهم في العودة الى المدن والقرى التي طردوا منها، وحرمانهم من استعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها، وفي اطار برنامج المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، وبيته الفلسطيني الموحد منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للكل الفلسطيني داخل الوطن وخارجه .
استقبال 28 سفيراً يمثلون المجموعة الاوروبية الموحدة، لقادة الوسط العربي الفلسطيني وعلى راسهم القائد الفلسطيني محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية الفلسطينية حدث سياسي هام جداً، لاكثر من اعتبار ولاكثر من سبب فهو :
اولاً : المرة الاولى الإجرائية التي يقع فيها هذا اللقاء السياسي بين قادة الداخل الفلسطيني والمجموعة الاوروبية، واذا كان ثمة لقاءات تمت سابقاً مع سفير او اكثر، من قبل نائب في البرلمان او اكثر او مع حزب عربي او اكثر، فقد كان حدثاً عادياً، في نطاق الاهتمامات الدبلوماسية، ولكن هذا اللقاء تم بين مجموعتين كبيرتين بين سفراء المجموعة الاوروبية كتلة سياسية دولية كاملة، وبين قادة الوسط العربي الفلسطيني بحضور تمثيلهم السياسي التعددي، عبر لجنة المتابعة الممثلة لقادة الوسط العربي في مناطق 48 .
ثانياً : وقع بين مجموعتين سياسيتين، مجموعة دولية هي اوروبا التي صنعت اسرائيل ولها الفضل الاول بقيام المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي على ارض الفلسطينيين، بريطانيا بقراراتها، وفرنسا بسلاحها، والمانيا بتعويضاتها المالية، والمجموعة الثانية هي التي تضررت من فعل المجموعة السياسية الدولية الاولى، التي ساعدت وغذت مشروع اقامة “ الوطن القومي لليهود “ على ارضهم فلسطين، بدون احترام مصالح وحقوق شعبها الفلسطيني، ولذلك لم يكن هذا اللقاء بريئاً من الاحساس بالذنب ومحاولة الاقتراب من الاعتراف بوجود مشكلة لدى هذا القطاع من الفلسطينيين بفعل السياسات التي تمارسها الدولة العبرية التي صنعها الاوروبيون على ارض فلسطين قبل ان تتبناها بالكامل الولايات المتحدة تمويلاً وسياسة وتسليحاً ودعماً وغطاء وحماية .
ثالثاً : لن يكون هذا اللقاء مقطوع الصلة عن مقدماته، ولن ينقطع عما ستكون له من نتائج، بما فيها الاحتجاج الرسمي والحزبي والامني الاسرائيلي على وقوع مثل هذا الاهتمام من قبل الاوروبيين، ومن قبل مجموعة سكانية تحمل الجنسية الاسرائيلية، لم تصل الى هذا المستوى النوعي من الفعل السياسي، الا بعد ان وصلت الاجراءات الرسمية الاسرائيلية حداً لا يحتمل على ارض الواقع، وتخطت الخطوط الحمر، وتجاوزت حدود الفعل القانوني المرعي، فهي تهدم بيوت الناس بالعشرات وعلى طريق الالاف، اذا لم يتم وضع حد لمثل هذه السياسة الرسمية التدميرية لحياة المواطنين الفلسطينيين، في بلد ونظام يدعي كذبا الديمقراطية والعدالة والمساواة لمواطنيه وهو حقيقة يمارس احد اشكال العنصرية الفاقعة انحداراً وعدوانية ضد قطاع من السكان هم اصلاً سكان البلاد الاصليون قبل ان تتم الهجرات الاجنبية المتلاحقة والغزو المنظم لارض وطنهم فلسطين .
لقد عمل فلسطينيو الداخل على تحرير انفسهم من الحصار المزدوج الذي كان يلازم حياتهم، حصار من المشروع الاستعماري التوسعي الاسرئيلي نفسه، وحصار لا يقل ظلماً من قبل البلدان العربية لهذا القطاع من الفلسطينيين، وللحقيقة وللتاريخ وانصافاً للواقع لا بد من التسجيل ان الذي كسر حصار العرب عن فلسطينيي مناطق 48، هو :
اولاً : جلالة المغفور له الراحل الملك حسين بنظرته وسعة افقه حينما فتح ابواب الاردن لهذا القطاع من الشعب العربي الفلسطيني بالسماح لهم بزيارة الاردن، ومساعدتهم لتادية فريضة الحج ومناسك العمرة عبر جواز السفر الاردني ومن خلال بعثة الحج الاردنية، وفتح ابواب الجامعات الاردنية لابنائهم لمواصلة تعليمهم الاكاديمي الذين تحولوا لاطباء ومهندسين ومحامين اكفاء تخرجوا من الجامعات الاردنية وباتوا اليوم قادة مهنيين لشعبهم في مناطق 48 ، بعد عشرين سنة من بداية دخولهم للجامعات الاردنية .
وثانياً : مبادرات شجاعة من قبل المرحوم ابراهيم نمر حسين رئيس بلدية شفا عمرو ومن النائب عبد الوهاب دراوشة .
وثالثا : من كاتب هذا المقال حمادة فراعنة، فلم يكن هناك وفد عربي فلسطيني من قادة 48 رؤساء بلديات، او نواب كنيست، او قادة احزاب، الا ورافقته او سهلت له مهمته او نظمت له الزيارة للاردن ولباقي البلدان العربية، وانني اليوم اتباهى بهذا الحدث وبهذه الرؤية وانجازاتها وما حققت من نتائج رغم الظلم الذي وقع علي والاتهامات التي وجهت لي من بعض السياسيين على انني اقود عملية التطبيع مع المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي بسبب هذا العمل الكفاحي المنظم الذي اديته مع قادة الوسط العربي الفلسطيني، ابراهيم نمر حسين، عبد الوهاب دراوشة، عبد الله نمر درويش، طلب الصانع، احمد الطيبي، محمد حسن كنعان، عبد المالك دهامشة، وموفق طريف، وغيرهم العشرات .
ومع ذلك، ورغم اهمية الدعم العربي للوسط العربي الفلسطيني، على تواضعه، فقد كنت اسعى والح على القول لاصدقائي محمد بركة، وايمن عودة، ومازن غنايم، وباقي قيادات الوسط العربي، بضرورة التوجه نحو اوروبا واميركا، وغزوهما سياسياً، والتعرف على نوابهم وكتلهم واحزابهم وقياداتهم لتحقيق غرضين اولهما لتبديد الصورة التضليلية لحقيقة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي؛ لانهم الاقدر على توضيح صورة وحقيقة الممارسات العنصرية والاحتلالية الاسرائيلية، وثانيهما للتعاطف معهم ودعمهم وتوفير الحماية لهم حينما تعرف اوروبا حقيقة الممارسات الاسرائيلية وحقيقتهم كجزء من شعب يتطلع للمساواة والعدالة وازالة الظلم والغاء مظاهر التمييز والعنصرية، وهذا اللقاء السياسي بامتياز هو تتويج للجهود الفردية او الذاتية او الاحادية، ليكون هناك انجاز كبير قد تحقق وهو مقدمة ضرورية اوروبية فلسطينية لها ما بعدها من خطوات تعكس قدرة قيادة الداخل الفلسطيني لكسر الحصارات المفروضة ضدها، وكسب انحيازات نوعية لعدالة مطالبها وقضيتها .
يمتلك الان المكون الثالث من الشعب العربي الفلسطيني قيادة واعية متمكنة شجاعة، لديها رؤية صارمة على المستوى الوطني، وقناعة راسخة في مواجهة سياسات المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، وتنوع سياسي تعددي جوهري هام، من اليسار والتيار الاسلامي والتيار القومي والتوجهات الليبرالية؛ ما يخلق حالة من التعددية يصعب اختراقها ودفعها نحو التطرف المؤذي او نحو الخنوع الاستسلامي، والتمسك الحازم بالواقعية السياسية، والصلابة الوطنية، والاحتكام الى صناديق الاقتراع، وتداول القيادة فيما بينها، وهي احدى اهم ادوات الانتصار الى جانب امتلاكها لعدالة القضية التي تناضل من اجلها .
شعب فلسطين سينتصر، وهؤلاء هم في الطليعة ضد التمييز والعنصرية، واشقاؤهم ضد الاحتلال والاستيطان، وستكون العودة للاجئين واستعادة ممتلكاتهم .