مؤتمر استانبول - نهاد أبو غوش
2017-02-27
لا يملك أي طرف سلطة الاعتراض على أي نشاط أو فعالية تعزز انتماء الفلسطينيين أينما كانوا لوطنهم وقضيتهم، فكيف إذا كان هذا النشاط في الخارج وهدفه المعلن هو تجميع فلسطينيي الشتات والتمسك بالثوابت الوطنية وفي مقدمتها حق العودة؟
كان يمكن لهذه المقدمة أن تكون صحيحة وموضع ترحيب ومباركة، لو أن القائمين على مؤتمر (استانبول) التزموا بما تقتضيه الشعارات الكبرى التي رفعوها كالعودة والتحرير ومشاركة فلسطينيي الشتات في القرار الوطني الفلسطيني. ولو أن المؤتمر، الذي هو في حقيقته مهرجان خطابي، جاء داعما ومعززا للجهود المبذولة لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام، وهي جهود لها سياقاتها المعروفة بدءا من وثيقة الوفاق الوطني التي صاغها قادة الحركة الأسيرة، وحوارات القاهرة، مرورا باتفاقات الشاطىء والدوحة وصولا للقاءات بيروت وموسكو.
ومن الواضح أن شخصيات قيادية من حماس وأخرى مقربة منها هي التي بادرت إلى المؤتمر وأشرفت عليه، وهي التي تريد توظيفه في خدمة أجنداتها السياسية، مع تطعيم اللجنة التحضيرية بأسماء شخصيات مستقلة وأخرى كانت محسوبة على حركة فتح وفصائل اليسار من دون أن يكون لهذه الشخصيات اي دور في توجيه المؤتمر.
لكن القائمين على المهرجان ارتكبوا سلسلة من الأخطاء الفادحة التي يقترب بعضها من درجة الخطيئة، والتي لا يمكن لأي فلسطيني حريص أن يتجاوزها، أو يمر عليها مرور الكرام، ومن بينها:
المساس بالصفة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي أحسن الأحوال اعتبارها "مؤسسة" من مؤسسات العمل الفلسطيني، وذهب البعض إلى نعي وتأبين منظمة التحرير والدعوة إلى دفنها. وخطورة هذا الطرح أنه لا يميز بين قيادة المنظمة أو مواقفها من جهة، وبين المنظمة عينها التي تمثل الكيان الاعتباري للشعب الفلسطيني، ورمز وحدته ووحدة حقوقه الوطنية، ومن دون هذه الصفة سيتحول الشعب الفلسطيني إلى تجمعات سكانية منفصلة، لكل منها همومه المنفردة.
انتحال تمثيل الخارج والشتات، مع تجاوز الاتحادات والروابط القائمة، وهي اتحادات منتشرة في كل القارات والبلدان، ولها هيئاتها المنتخبة ومؤتمراتها الدورية، صحيح أن عمل هذه الاتحادات تشوبه نواقص وثغرات، وأن الانقسام ينعكس سلبا على عمل الجاليات، لكن الحقيقة أن منظمي مهرجان استانبول لم يجروا أي اتصال مع هذه الاتحادات، وتجاهلوا وجودها.
استخدام ثوابت الإجماع الوطني، والاستقواء بمعاناة اللاجئين، وتوظيف كل ذلك لصالح مآرب فئوية وحزبية لا تخفى على أحد.
مواصلة توظيف الحالة الفلسطينية الشعبية والكفاحية ضمن حسابات المحاور الإقليمية التي لها مصالحها الخاصة بها، ومما لا شك فيه أن اختيار استانبول مكانا لتنظيم الفعالية، لم يكن مجرد خيار جغرافي أو لوجستي، بل هو اختيار سياسي بامتياز.
ويتباهى المنظمون بأنهم جمعوا فلسطينيين من خمسين دولة، وحشدوا أكثر من ثلاثة آلاف مشارك، وهي أمور لا تدعو للفخر في الحقيقة إذا علمنا حجم التسهيلات الهائلة التي وفرتها الدولة التركية، والتغطية الشاملة التي وفرها المنظمون للمشاركين من تذاكر وإقامات ومصاريف، وهي تغطية أشبه بسياحة مجانية للمشاركين وعائلاتهم.
المؤتمرات في العادة تسبقها تحضيرات، ونقاشات لوثائق وبرامج عمل، ولو افترضنا أن كل مشارك أراد الحديث لدقيقتين فقط، إذن لتطلب الأمر مئة ساعة أو خمسة أيام على الأقل من النقاش، فأي جدية وأي احترام وفره المنظمون للمشاركين؟ والأهم من ذلك بأي قدر من الجدية والاحترام جرى التعامل مع ثوابت الشعب الفلسطيني وقضيته المقدسة؟