:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/11856

شتات الشتات الفلسطيني -حمادة فراعنة

2017-03-04

بداية لا أملك شجاعة المس بمكانة ودور وإخلاص أنيس القاسم وسلمان أبو ستة ، لفلسطين وقضيتها وتفانيهما للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني وفي طليعة هذه الحقوق حق عودة اللاجئين إلى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948 وإستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها ، ولذلك تحفظت من التعامل مع مؤتمر إسطنبول المعقود يومي 24 و 25 شباط ، بدعوة وتدبير من حركة حماس ، فالذي أعطى الشرعية والقوة والحضور لإنعقاد هذا المؤتمر هو مشاركة شخصيات مستقلة وازنة في هذا المؤتمر أمثال القاسم وأبو سته ، ومن هنا مصدر أهميته ، وليس تمويله القطري ، أو السماح وتسهيل إنعقاده من قبل حزب العدالة والتنمية التركي ، وبتغطية ودعم وإسناد فصائل حركة الإخوان المسلمين ، فقوة حماس ليس بالمكانة التي تؤهلها لعقد مثل هذا المؤتمر ، فهي فصيل فلسطيني ، يملك القدرة بما يوازي حركة فتح ، أكثر قليلاً أو أضعف قليلاً ، لا فرق ، ولكن قوتها تكمن في أنها إمتداد لحركة الإخوان المسلمين ، أكبر حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي .
والإخوان المسلمون معادون لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ أول يوم في إنعقاد مجلسها الوطني التأسيسي في القدس ، نيسان 1964 ، لسبب جوهري وفق إتهاماتها على أنها من " صنيعة عبد الناصر ومخابراته وزبانيته " وزادها عداء أن عناصر شابة تمردت على الإخوان المسلمين وإختارت هويتها الوطنية الفلسطينية لعملها السياسي من ياسر عرفات إلى خليل الوزير إلى صلاح خلف وسليم الزعنون ، إضافة إلى خالد الحسن الذي ترك حزب التحرير الإسلامي وفاروق القدومي البعثي ، وأعطوا الأولوية لحياتهم وخيارهم إستعادة الهوية الفلسطينية المبددة والضائعة والمشتتة والعمل على تحرير فلسطين ، ولم يقف عداء الإخوان المسلمين لمنظمة التحرير عند هذا الحد ، بل إزداد شراسة حينما إنخرط القوميون والبعثيون والناصريون والشيوعيون في صفوف منظمة التحرير بعد معركة الكرامة 1968 ، وغدت الجبهة الوطنية العريضة التي إختارت إلى جانب التركيز على الهوية الفلسطينية والتمثيل الفلسطيني ، إختارت الكفاح المسلح نهجاً وطريقاً وإعتمدت في جزء من نموها على تدريب وتسليح البلدان الأشتراكية الذي إستفز الإخوان المسلمين أيما إستفزاز إلى حد أن ضيق أُفقها وعماها السياسي دفعها للوقوف ضد قرار الرباط 1974 في حق تمثيل منظمة التحرير لشعبها الفلسطيني ، وفي رفض قرار فك الإرتباط الأردني مع الضفة الفلسطينية الصادر في 31 / تموز 1988 ، وفي رفضها لقرارات الأمم المتحدة الصادرة بحق فلسطين قرار التقسيم 181 ، وقرار حق عودة اللاجئين 194 ، وقرار الإنسحاب وعدم الضم 5242 ، وهكذا إلى الأن ، حيث تشكلت حركة حماس عام 1987 ، فسعت حركة الإخوان المسلمين وعملت كي تكون حركة حماس بديلاً لمنظمة التحرير ونقيضاً لها ، وللإئتلاف السياسي العريض المشارك في مؤسساتها .
ولكن حماس ومعها ومن خلفها حركة الإخوان المسلمين فشلوا في أن يخترعوا البديل عن منظمة التحرير ، فأخذت حماس منحنى التكيف مع عناد الواقع الفلسطيني القائم على دعم وإسناد منظمة التحرير والتمسك بها كقائدة لنضاله ، معبرة عن طموحه ، متمسكة بإستعادة حقوقه ، وهكذا شاركت حركة حماس بأحد أدوات منظمة التحرير ومؤسساتها وهي سلطتها الوطنية بالضفة والقدس والقطاع والتي تشكلت بقرار من المجلس المركزي بدورة إنعقاده في تونس عام 1993 ، الذي أقر إتفاق أوسلو ، وتمثل ذلك بمشاركة حركة حماس بإنتخابات المجلس التشريعي عام 2006 الذي هو جزء من المجلس الوطني الفلسطيني ، ونجاح حماس في حصولها على الأغلبية النيابية المنتخبة 74 مقعداً من أصل عدد أعضاء المجلس 132 مقعداً ، وأهلها ذلك لتشكيل حكومة السلطة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية قبل مبادرتها في الإنقلاب على السلطة وشرعيتها والإستيلاء منفردة على قطاع غزة عام 2007 إلى الأن .
رسالة خالد مشعل رئيس حركة حماس إلى مؤتمر حركة فتح السابع الذي عقد في رام الله يوم 29/11/2016 ، كان الأوضح في الموقف المعلن من قبل حماس في إنهاء كل الرهانات على أن تكون بديلاً عن منظمة التحرير ، كما دلل تصريح خالد مشعل نحو قرار مجلس الأمن ضد الإستيطان رقم 2334 ، الصادر يوم 23/12/2016 ، جاء مخالفاً لكل تراث حماس الأخواني المعادي لقرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين حيث وصف رئيس حركة حماس القرار على أنه إيجابي وخطوة على الطريق الصحيح ، وإعتبره ليس كافياً ويحتاج لمزيد من الإجراءات والمواقف والسياسات الدولية وخاصة الأوروبية والأميركية ضد الإحتلال والإستيطان .
كما جاءت مشاركة حركة حماس في إجتماع اللجنة التحضيرية لإنعقاد المجلس الوطني الفلسطيني يوم 15/ كانون ثاني يناير 2017 في بيروت ، ليعيد التأكيد على تطلعات حركة حماس ونيتها الملموسة بالإنخراط في صفوف منظمة التحرير ومؤسساتها ، ومن هنا يجب النظر ومحاكمة مؤتمر إسطنبول على هذه الخلفية ، مع وجود قلق وتحفظات على إنعقاده بإعتباره خياراً حزبياً أحادياً من قبل حركة حماس بعيداً عن فصائل منظمة التحرير وحتى بدون التنسيق مع حلفاء سياسيين لها وفي طليعتهم حركة الجهاد الإسلامي التي لم تشارك في إنعقاد هذا التجمع ولديها موقفها المعلن غير المرحب بهذه الخطوة التي تؤدي إلى المزيد من العقبات التي تعترض طريق الوحدة الوطنية الفلسطينية .
وفي كل الأحوال ، ومهما بدا الأنتقاد مشروعاً لتفرد حركة حماس في الدعوة والتأهيل والتغطية لإنعقاد ونجاح مؤتمر إسطنبول فالذي يتحمل مسؤولية هذا التفرد وهذا الخروج عن الأئتلاف السياسي الذي يقود منظمة التحرير هو تقصير منظمة التحرير ، وحركة فتح ، ودائرتي شؤون اللاجئين وشؤون المغتربين في منظمة التحرير ، من عدم إيلاء قضية اللاجئين الفلسطينيين ومنافي الشتات وأبناء المخيمات الإهتمام المطلوب بهم حيث أنهم يمثلون نصف الشعب الفلسطيني ، وهم الذين بادروا بالثورة وبتأسيس منظمة التحرير ودفعوا الثمن الباهظ من خيرة قياداتهم حتى تكون منظمة التحرير في الموقع الذي وصلت إليه بإعتبارها دولة المنفى ومؤسسات البيت الفلسطيني ، مع التأكيد على أن قضية اللاجئين صاحبها العطب وتراجعت مكانتها لعدة أسباب :
أولاً : أن الرئيس الراحل ياسر عرفات أعاد العنوان الفلسطيني من المنفى إلى الوطن وباتت فلسطين على أرضها وفي حضن شعبها وتعيش مسامات شعبها في منطقتي 48 و 67 ، وخاصة بعد إنتفاضة يوم الأرض في أذار 1976 في مناطق 48 ، وإنتفاضة مناطق 67 عام 1987 وأثمرت عن التوصل إلى إتفاق أوسلو التدريجي المتعدد المراحل عام 1993 ، وبدء الإنسحاب الإسرائيلي التدريجي من غزة وأريحا أولاً ، وعودة أكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني إلى وطنهم ، وولادة السلطة الوطنية على الأرض كمقدمة لقيام الدولة الفلسطينية .
وثانياً : مبادرة السلام العربية في أذار 2002 التي أعطت مفهوما ملتبساً نحو حق عودة اللاجئين بما حملته المبادرة من تنازل جوهري مسبق يحوي التنازل عن حق العودة وإستعادة الممتلكات بقولها القبول " بحل متفق عليه " لقضية اللاجئين وبما يحمل ذلك من قبول إشتراط إسرائيلي لقبول أو رفض عودة اللاجئين إلى وطنهم الذي شُردوا منه ، بالنص الذي يقول " حل متفق عليه " ، أي أن هذا الحق ، حق العودة ، مرتبط بالموافقة الإسرائيلية المسبقة .
ثالثاً : الحروب البينية العربية التي دمرت المخيمات وتماسكها وعنوانها بدءاً من لبنان مروراً بالعراق وليبيا وليس إنتهاءاً بسوريا ، إضافة إلى تراجع التمويل لوكالة الغوث الأونروا الذي عطل من برامجها وقلصها وإنعكاس ذلك على دور اللاجئين ونشاطاتهم وتعليمهم وحيويتهم .
مؤتمر إسطنبول بما حوى من تحفظات مسبقة ، وإستفراد حركة حماس ومبادرتها لإنعقاده ولكنه لم يخرج عن النص السياسي الفلسطيني ، والذي أعطاه المصداقية والشرعية من المستقلين الذين قالوا حرفياً وفي طليعتهم المحامي أنيس القاسم الذي خاطب المجتمعين بقوله :
" نحن القاطنين خارج فلسطين ، الذي ألقى بنا قادة أوسلو على جانب الطريق وإستثنونا من المشروع الوطني الفلسطيني ، نطالب بإسترداد حق ودور فلسطينيي الخارج في منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني أين ما كان تواجدهم ، هذه المنظمة التي بنيت بأنهار من الدماء من الشعب والمقاتلين ، ولا تملك أي قيادة فلسطينية أن تستثني فلسطينياً واحداً من تحت خيمتها " .
أما الدكتور سلمان أبو سته فقال " إننا اليوم ندق باب المنظمة الموصد أمامنا ، ونريد أن نفتحه لـ 13 مليون فلسطيني من بينهم 7 ملايين خارج فلسطين " وطالب أبو سته وهو محق في طلبه أُسوة برفيقه المحامي أنيس القاسم " إنتخاب مجلس وطني فلسطيني ديمقراطي نظيف " نظراً لكون المجلس الوطني " أكبر إنجاز للفلسطينيين على مستوى العالم الذي عقد للمرة الأولى في القدس عام 1964 " .
مؤتمر إسطنبول خلافي ، وما المشكلة في ذلك ، إذا كانت منظمة التحرير وفصائلها تثق بنفسها ، وإذا كانت حقاً تعمل على لملمة صفوف شعبها وإلتفافهم من حولها ومعها ، أما حينما تترك فراغاً لدى أهم مكون من مكونات شعبها فلماذا لا تتقدم حركة حماس لتملأ هذا الفراغ بوعي وذكاء وخباثه ؟؟ .