:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/11890

80% من أراضي الأغوار مهمة فلماذا لا تقوم السلطة بتوفير الامتيازات للمزارع الفلسطيني في الأغوار؟

2017-03-07

ريم أبو لبن
"معدل أعمار المزارعين العاملين في مناطق الأغوار الشمالية يصل إلى 64 عاماً".
قد يكون هذا المعدل العمري، وكما وصفه رجل الأعمال والمزارع في منطقة الأغوار عميد المصري (60) عاماً لـ " الحدث" مخيفاً، حيث أصبح الشبان يترجلون عن حمل الفأس والمجرفة "الطورية" لقلب تربة مزارع الأغوار، وتحديداً قرية الجفتلك الواقعة في الأغوار الشمالية، وترك هذه المهنة لمن تلامس تجاعيدهم يومياً أرضاً هي مطمع للجانب الإسرائيلي، وبها صراع دائم على إمدادها بالماء والكهرباء.
قال المصري: "إذا حصل المزارع الفلسطيني في منطقة الأغوار الشمالية على ما نسبته 50% من الامتيازات ذاتها التي يحصل عليها المستوطن المزارع من قبل حكومته وفي ذات المنطقة، حينها سيعاود الشباب الفلسطينيون مجدداً لزراعة الأرض، فلماذا لا تقوم السلطة الفلسطينية بتوفير هذه الامتيازات للمزارع في الأغوار؟"
وفي ذات السياق أوضح المصري أن معدل أعمار المزارعين المستوطنين في الأغوار الشمالية يصل إلى 66 عاماً.
وأضاف: "في مختلف دول العالم، المزارع له الحق بأن يحصل على الامتيازات المادية واللوجستية، وهو كغيره من العاملين في المهن المختلفة، غير أن المزارع في منطقة الأغوار الشمالية يواجه الخطر يومياً، وهو يحاول أن يحافظ على أرضه".
"الطرق الزراعية في الأغوار محفّرة"
"إن رصف الطرق الزراعية واجب تقوم به وزارة الأشغال، وليس رصفه امتياز يقدم للمزارع، هذا من حق المزارع "هكذا بدأ المزارع عميد المصري حديثه عن الفارق ما بين الواجب الرسمي ودور وزارة الزراعة والأشغال، وما بين الامتيازات التي لا تقدم للمزارع حتى هذه اللحظة، في حين تستمر الحكومة الإسرائيلية بدعم المستوطن المزارع في الأغوار الشمالية وذلك لتثبيت وجوده في الأرض.
وبالحديث عن رصف الطرق المؤدية إلى المزارع، قال المصري: "الطرق الزراعية (للمزارع) في الأغوار الشمالية غير مرصوفة بالإسمنت، وجميعها محفرة منذ عام 1967م".
وأضاف: "إن الحفريات الكثيرة المتواجدة على الطرق الزراعية في الأغوار قد تشكل عاملاً مساعداً في العمل على إتلاف المحاصيل الزراعية من الخضار"، وقد يلاحظ هذا في مرحلة تصديرها وعبر المركبات، حيث تزداد حركة السيارة التي تنقل المحصول المصدر، وقد يعلق العجل أحياناً داخل الحفرة، وبهذا قد تسمع الركلات وكأن حبات الطماطم تدخل في سباق للارتطام، وهنا تصاب بعطب لا يجذب عين الزبون".
ويذكر أن المحاصيل الزراعية المنتجة من الأغوار يتم تصديرها إلى السوق الفلسطيني، وكذلك إلى الخارج، ويتم تصدير التمور أيضاً وبشكل كبير إلى كل من تركيا وفرنسا والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى.
وقال رئيس مجلس قروي الجفتلك عثمان العنوز لـ "الحدث": "التصدير إلى خارج فلسطين يرتكز وبشكل أساسي على تصدير الأعشاب الطبية والعنب وكذلك التمور، فهي تصدر إلى دول الخليج بكميات كبيرة وإلى الأردن وفرنسا وتركيا، والإمارات العربية المتحدة".
وأضاف: "عملية التصدير إلى الخارج تعرقلها الإجراءات الإسرائيلية والمماطلات المعتادة، وأحياناً كثيرة تتلف المحاصيل بسبب تواجدها لساعات طويلة وأيام محملة في الميناء لنقلها وتصديرها إلى الخارج، وكمثال على هذا فإن كميات من العنب قد أتلفت داخل الميناء بسبب بقائها طويلاً، وقد اضطر صاحبها إلى بيع كميات من العنب داخل السوق الداخلي بسعر أقل".
واستكمل حديثه: "ويتم تصدير المحاصيل والأعشاب الطبية من قرية الجفتلك إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948".
"80% من أراضي الأغوار مهملة"
"80% من أراضي الأغوار الشمالية مهملة وتحتاج إلى الرعاية والاهتمام من الجانب الفلسطيني". هذا ما أكده المزارع عميد المصري لـ "الحدث".
وأضاف: "الزراعة في الأغوار الشمالية ليست هي الزراعة الموجودة فقط في أريحا، إذ تشكل مزارع أريحا ما نسبته 20% من الأراضي الزراعية في الأغوار، والباقي مهمل ولم ينظر إليه".
"لا أريد أن أرى مساحات متروكة هكذا دون زراعة...." قالها بعد أن هبط بطائرته الخاصة في منطقة الأغوار" موقف يستذكره المصري على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي زار المنطقة قبل عدة أشهر، حيث قرر حينها العمل ضمن استثمار حكومي زرع حوالي 50 دونماً من الأراضي المتروكة بالنخيل، لاسيما وأنه تم منح المستوطنين المتواجدين في مدينة تل أبيب فرصة الحصول على قرض بلا فوائد، ويتم تسديده على مدار 30 عاماً، على أن يعملوا في أحياء هذه الأراضي في منطقة الأغوار، وهو بذلك يعزز وجودهم في الأرض.
والسؤال هنا، لماذا تعمل الحكومة الإسرائيلية على دفع العجلة قدماً نحو تعزيز التواجد في منطقة الأغوار الشمالية واستغلال الأراضي والاستثمار فيها، بينما يتباطأ الجانب الفلسطيني في دعم المزارع في منطقة الأغوار وهو يواجه خطراً لا يتعرض له المستوطن المزارع في ذات المنطقة؟
دخول الأرض بتصريح
قال رئيس مجلس قروي الجفتلك عثمان العنوز: "عادة الزراعة تتم خارج المستوطنات، ومن أراد الدخول إلى أرضه المحاطة بالأسياج الحديدية عليه أن يحصل على تصريح إسرائيلي لدخول الأرض، ونسبة مرتفعة جداً من المزارعين لا يحصلون على تصريح للعمل في أراضيهم".
ويذكر أنه في عام 1994 أقر إسرائيلياً بأن كل شخص يملك أرضاً بالأغوار، وقد كتب بأن مكان ولادته في نابلس ورام الله والقدس عليه أن يحصل على تصريح لدخول الأغوار.
أشار المزراع عميد المصري في حديثه إلى أن قرية الجفتلك تضم 14 ألف دونم، وجميعها مزروعة بالخضار، وهذه الدونمات تحتاج يومياً حوالي (5- 7 آلاف عامل) للعمل فيها.
واللافت أن حوالي 7 آلاف فلسطيني كانوا يعملون على زراعة أراضي قرية جفتلك، وهم وحسب ما وصفهم المصري بـ (مسامير الصمود في الأرض)، حيث كان جميع أفراد العائلة مجتمعين يحرثون الأرض. ولكن لماذا قل عدد المزارعين في الجفتلك ليصل عددهم إلى 700 مزارع؟
قال المصري: "ديموغرافية الأرض قد شوهت، والقطاع الخاص يتوجه إلى زرعة أشجار النخيل على مساحات شاسعة من أراضي قرية الجفتلك على حساب زراعة الخضار في المنطقة، وهذا قد عمل على تقليل عدد العاملين إلى 700 عامل وتم تحديد أعدادهم، غير أن المزارعين العاملين يمنع عليهم البقاء في الجفتلك ويعيشون في قرى مجاورة".
أضاف: "إن ما يحدث أن القطاع الخاص يعمل على التخطيط الزراعي وحده في منطقة الأغوار وتحديداً قرية الجفتلك دون العودة إلى وزارة الزراعة، وهذا أمر غير سليم، حيث يتم زراعة النخيل وعلى مساحات شاسعة، وهنا نقع في معضلة، فهل تتناسب كمية نمو النخيل مع الاحتياج المائي في المنطقة؟ بالتأكيد لا. لا يوجد مياه جوفية لدينا وإسرائيل تستغلها، وما هو مسموح لنا به هو استخدام المياه السطحية".
وبالنظر إلى منطقة أريحا، قال المصري: "يوجد في مدينة أريحا 40 ألف نخلة، وكل نخلة بحاجة إلى 100 كوب من المياه سنوياً، وما يحدث في أريحا يحدث الآن في قرية الجفتلك، فمن زرع النخيل لم يخطط اقتصادياً لحجم النتائج".
نقص في المياه والكهرباء تقطع
5 آلف نسمة هو عدد سكان قرية الجفتلك الواقعة في الأغوار الشمالية، يقضون أياماً بلا كهرباء رغم أن الرئيس الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) قد أصدر مرسوماً يعفيهم من دفع الكهرباء، أما المياه فتصل إلى مزارعهم بالقطارة، وهم لا يجدون المياه لري المزروعات، والمياه مالحة ولا تصلح لري بعض المحاصيل الزراعية حسب ما ذكر المزراع المصري لـ "الحدث".
يذكر أن المزارع الفلسطيني يشتري كوب الماء بـ 3 شواقل من شركة "ميكاروت" الإسرائيلية، وهي التي تمد المستوطنات الإسرائيلية بالمياه، بينما يتواجد في منطقة الأغوار 40 بئراً إرتوازياً على الأقل، تستغلها دولة الاحتلال لصالحها.
قال المصري: "مزارعو مستوطنة الحمراء الإسرائيلية قد فروا هاربين بسبب رفضهم لشراء كوب الماء بـ 3 شواقل، وما قامت به الحكومة للحفاظ على بقائهم في المستوطنة هو تخفيض سعر كوب الماء إلى شيقل و20 أغورة".
أما الكهرباء، فهي قصة أخرى. قال المصري: "يلجأ أبناء المنطقة إلى سرقة الكهرباء من القرى المجاورة، لأن ما يحصلون عليه هو محول كهربائي يمدهم بـ 600 أمبير فقط، وهذا ليس كافياً لتشغيل الآلات الزراعية".
وأضاف: "منطقة العوجا، وفصايل، والجفتلك، ومرج الغزال، وعين البيضا، وبردلا، والزبيدات، جميع هذه المناطق معفاة من دفع ثمن الكهرباء، وذلك لأن المزارعين أنفسهم هم من عملوا على إمداد خطوط الضغط العالي وأعمدة الكهرباء على حسابهم الخاص، وتم الاتفاق في عهد رئيس الوزراء السابق سلام فياض على أن يكون كيلو الكهرباء بـ 25 أغورة، ومن ثم غادر فياض منصبه، والآن تسرق الكهرباء".
هذه المنطقة التي توصف بأنها سلة فلسطين الغذائية، غابت عنها أعين المسؤولين الفلسطينيين ، فإن 16 دقيقة ونصف من المياه هو ما تحصل عليه عائلات الجفتلك يومياً، غير أن المياه قد تنقطع نهائياً في بعض الأيام، وهي بطبيعة الحال غير كافية للاستخدام الشخصي حتى يتم استخدامها في ري المزروعات. وهذا ما أكده رئيس مجلس قروي الجفتلك عثمان العنوز.
"لا مانع لدينا من حفر بئر بدل بئر"
"لا مانع لدينا من حفر بئر بدل بئر"، هذا ما يكتب بصريح العبارة في التصريح المقدم من إسرائيل إلى المزارع الفلسطيني حسب ما ذكر المزراع المصري، ويقدم لمن أراد بناء بئر ليمد مزرعته بالمياه، فإن هذا يدلل على أن لا سلطة لسلطة المياه الفلسطينية على مياه منطقة الأغوار، وبناء البئر مرهون بموافقة إسرائيلية.
قال المصري: "لا يمكن أن تتحسن أحوال مناطق (سي) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية دون إجراء المفاوضات المباشرة مع كل وزارة إسرائيلية مختصة في تلك المناطق".
واستكمل حديثه قائلاً: "سلطة المياه الفلسطينية قد تماطل في الموافقة على بناء البئر في الأغوار، ويكون الرد حينها بأن لجنة المياه ليست على استعداد لعقد اجتماع مع الجانب الإسرائيلي من أجل الموافقة على بناء البئر، وبالمقابل الجانب الإسرائيلي يسارع في بناء البئر، فلماذا لا يسهل الأمر على المزارع الفلسطيني؟"
وفي حادثة تدلل على هذا القول، قال المصري: "أحد المزارعين يمتلك حوالي 4 آلاف شجرة نخيل ممتدة على مساحات في قرية الجفتلك، وهي في ذات الوقت تعيل حوالي ألفي عامل إلى جانب الشركاء فيها، وما حدث أن المزارع أراد بناء البئر وتقدم بطلب للحصول على إذن لبناء البئر، ولكن الجانب الإسرائيلي قبل ببناء البئر ولكن اشترط بأن يحصل على ورقة من سلطة المياه الفلسطينية لإكمال الإجراءات الفنية".
وعليه فقد أكمل المزارع الإجراءات حسب ما هو مطلوب، ولكن سلطة المياه الفلسطينية رفضت إعطاءه الورقة حسب ما ذكر المصري. "المزراع شخص بسيط لا يستطيع أن يحصل على الموافقة لبناء البئر، ومن يحصل على الموافقة هم أصحاب المناصب العليا، وهذا ما حصل".
عيادة دون أطباء
وفي حادثة ذكرها المزارع المصري: "قامت إحدى المؤسسات الدولية ببناء عيادة صحية في قرية الجفتلك، وبذلك فقد تم رصف الطريق المؤدي إلى المركز بالإسفلت، وبذلك فإن عملية الرصف قد تضمنت الطريق المؤدي إلى المركز فقط، وقد تم تزويد العيادة بمحول كهربائي، ولكن ما ينقصها الأطباء... أين الأطباء؟
وأضاف: "يومياً، العقارب والأفاعي تلدغ أجساد سكان المنطقة، والنتيجة عدد من القرصات والحالات.. فأين نذهب بهم؟ ومستشفى أريحا لا يقدم مضاداً لعلاج هذه اللدغات".
وأكد رئيس مجلس قروي الجفتلك عثمان العنوز لـ"الحدث" أن القرية تضم فقط عيادة للإغاثة الطبية وأخرى عيادة صحية حكومية، حيث يتوقف عمل كل منها الساعة الثانية عصراً، ومن أراد العلاج يتوجه إلى مشافي نابلس وأريحا.
"معظم الحالات تحدث بفعل اللدغات السامة من الحشرات، وعلاج هذه اللدغات غير متوفر في مستشفى أريحا، وعليه فيتم نقل المصاب إلى معسكر جفتلك الإسرائيلي وحينها يتم نقله عبر طائرة الهليكوبتر الإسرائيلية إلى مستشفى هداسا عين كارم في القدس المحتلة، غير أن تكلفة العلاج تتحملها وزارة الصحة الفلسطينية".
تأكيداً على هذا فقد وقعت قبل عدة أيام، حسب ما ذكر المزارع عميد المصري لـ "الحدث"، حادثة لانقلاب سيارة على الطريق المؤدية إلى قرية الجفتلك، وكان بداخل السيارة رجل كان عائداً إلى منزله في القرية بعد تأدية مناسك العمرة. وقال المصري: "عند وقوع الحادث، أسرعت سيارات الإسعاف الإسرائيلية لنقله إلى معسكر جفتلك الإسرائيلي ومن ثم تم نقله بالطائرة إلى مستشفى هداسا ليحصل على العلاج المطلوب".
وقال: "لا يأخذون من المريض شيقلاً واحداً، والعلاج تتحمل تكلفته السلطة الفلسطينية، وإرسال الطائرة لنقل المريض قد يكلف ما قيمته 50 ألف شيقل، فلماذا لا يتم استغلال الأموال في إنشاء العيادات وتوفير العلاج".