ندوة الجمعية الألمانية الفلسطينية
2017-03-19
ندوة للجمعية الألمانية الفلسطينية
المتكلم: نعيم الأشهب، الشيوعي المخضرم.
تقديم: رائف حسين. رئيس الجمعية.
التاريخ: 13 \ 3 \ 2017
إعداد فؤاد عبد النور
حيفا - رام الله - برلين.
أقامت الجمعية الألمانية الفلسطينية ثلاثة أيامٍ دراسية في بلدة جورجس مارين هوته، قرب هانوفر، مخصصةٍ لمناسبة مرور 50 سنة على احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة. وحاضر في هذه الندوة الرفيق نعيم الأشهب، واستعرض جرائم الاحتلال في فلسطين المحتلة. وفي اليوم الرابع أقيمت له ندوة في برلين، خصصها للحديث عن وضع الشلل الذي يحيط بالقضية الفلسطينية، فاسحاً المجال لنقاش بناء بعد المحاضرة هذه.
لا بد من كلمة تعريف بهذه الجمعية، وكتابة شيئٍ عن نشاطها. تقول الجمعية في أدبياتها أنها لا تناقش شرعية وجود دولة إسرائيل، ولكنها ترفض كليةً عزل المواطنين العرب فيها عن الحياة السياسية، رغم أنهم يشكلون 20% من السكان. وأنها تنادي وتسعى للمساهمة في جعل إسرائيل دولةً ديموقراطية لكل سكانها. والجمعية ترحب بموقف الحكومة الفدرالية الألمانية الرافض للمستوطنات في المناطق المحتلة، وتعتبرها عقبة في طريق حل الدولتين للشعبين. وتعتبر المستوطنات انتهاكاً للقانون الدولي، ولقرارات الأمم المتحدة، وبالتالي غير شرعية بالمرة.
وتعتنبر الجمعية أن ليس كل اليهود إسرائيليين، وليس كل صهيوني يهودي، وليس كل إسرائيلي يهودياً، أو حتى صهيونياً. وأن الأفراد اليهود في ألمانيا هم مواطنون ألمان، ولكن ينتمون للديانة اليهودية، وأنهم ليسوا بالضرورة مؤيدين للحكومة الإسرائيلية.
والجمعية تدعم بقوة كل المدن والبلديات التي اختارت أن تتشارك مع مدن وبلديات فلسطينية. وهي تدعم التبادل بين المدارس الإسرائيلية - الفلسطينية وبين المدارس الألمانية، ولكن يجب الاعتراف أنه لا توجد لديها مخصصات للمدارس الإسرائلية.
وتسعى الجمعية للتأثير على الحكومة الفدرالية الألمانية بحيث تعامل الفلسطينيين بنفس التعامل الذي تمنحه للإسرائليين، وأن الممارسات الإسرائيلية المخالفة للشرعية الدولية تضر بمصالح ألمانيا لكونها تدعم بشكل عام الحكومة الإسرائيلية.
وتدعم الجمعية المقاومة المدنية للاحتلال، وتعتبر أن هذا النوع من المقاومة هو حقٌ شرعيٌّ للفلسطينيين للحصول على حق تقرير المصير. وعلى هذا الأساس دعت نعيم الأشهب للتحدث عن جرائم الاحتلال في حق الفلسطينيين، لتنوير المجتمعين الألمان- في أغلبهم - ونظمت له ندوة أخرى في برلين مخصصة للمهتمين من لفلسطينيين والعرب، ولكن الأشهب لم يتحدث عن الاحتلال وجرائمه، ولكنه خصص كلامه للشلل الذي تعيش فيه السلطة والقضية، وكيفية الخروج منه.
-------------------
بدأ الأشهب كلامه بالتساؤل التالي: لماذا، رغم كل هذه التضحيات التي بذلها شعبنا فشلنا بالتحرر؟ ما هي الأسباب, وكيف وصلنا إلى هذا الدرك الأسفل، الذي نرجو جميعاً أن لا يكون هناك ما هو " أسفل " منه؟ أن شعبنا ليس بخيلاً في التضحية. ولا يستسلم. إنه مستمر في المقاومة، رغم كل الظروف المعاكسة. الهبة الأخيرة التي حصلت في الضفة الغربية، وبشكلٍ خاص في القدس، أثبتت أن الشباب الفلسطينيين يرمون عمليا أنفسهم إلى الموت عندما يهاجمون جنود الاحتلال. ورغم هذا لا يتراجعون، وبأسلحة بسيطة أغلبها من المطابخ المدنية يهاجمون الجنود المحتلين، ويعرفون أنها معركة غير متكافئة، وأن النار الحية ستطلق عليهم، وسيتركون ينزفون على الأرض، ممنوع إسعافهم حتى يموتون. هي هبة شعبية عفوية، لم تعرف إسرائيل كيف تعالجها سوى بالقتل المباشر.
شباب غير منظمين، يندفعون للموت احتجاجاً ليس على الاحتلال فقط، ولكن احتجاجاً على حالة الشلل التي أوصلتنا القيادة إليها. يقدمون أنفسهم ضحايا احتجاجاً على تفاهمات أوسلو وما أدت إليه من مخاسر جسيمة، لا يعرفون كيف ينشلون أنفسهم منها. والأشهب لا يُحمل السلطة الفلسطينية كل المسؤولية، ولكنه يحمل المسؤولية كذلك للأحزاب والفصائل الفلسطينية التي أصيبت هي نفسها بالشلل. منذ دخول السلطة حسب تفاهمات أوسلو تصرفت وكأن الدولة الفلسطينية قد أقيمت، وحصلت على كل الضمانات الدولية، وأنها بإمكانها أن تخوض ثانية، معركة مسلحة غير متكافئة مع الاحتلال، ورأى كل من كان في الضفة كيف دمر شارون في عدة أيام كل ما بنته السلطة في سنين، وحاصر رئيس السلطة أبو عمار في مقاطعة رام الله، لينتهي به الأمر مسمما، فيكون هو الآخر من ضحايا التفاهمات السرية التي أشرف عليها. والأشهب لا يعفي حزبه الخاص – حزب الشعب – ولا بقية الأحزاب اليسارية الأخرى من المسؤولية، فقد قبلوا أن يبقوا مشاركين في اتفاقيات أوسلو، رغم ما وضح أن اتفاقيات أوسلو قد طعنت الوفد الفلسطيني في مدريد بقيادة الدكتور حيدر عبد الشافي، الذي صرح أنه عرف بتلك التفاهمات من الأخبار، مثله مثل غيره من الشعب الفلسطيني. وقال إن الأحزاب الفلسطينية في الضفة أصبحت لا تستطيع الانسحاب من اتفاقيات أوسلوا لأن كادرها البيروقراطي أصبح أسير السيولة المادية المقدمة إليه من سلطة أوسلو، إن قُطعت - وهي تُقطع عند الحاجة إليها كسلاح في يد القيادة - لا يستطيعون تأمين معيشة كوادرهم المعتمدة على هذه المساهمات المادية. وذكر الأشهب أن موظفي السلطة الآخرين الذين يبلغ تعدادهم في الجهاز البيروقراطي 180،000 يعتمدون كذلك على السلطة، والتي تعتمد الآن على المساعدات الدولية، وبالتالي لا يمكن لنا تحدي المانحين في أي أمر يفرضونه لأن مثل هذا التحدي سيخلق أزمة مادية في ذلك العدد المتضخم من الموظفين، ولوقلنا أن كل موظف من الممكن له أن يعيل خمسة، فمعنى ذلك أن حوالي المليون نفس سيفقدون مصدر معيشتهم.
القيادة الفلسطينية التي اعترف بها الجميع، حكوماتٍ وشعوباً، نشأت في الخارج، ودُعمت, وازدهرت، ولكنها اهتمت طوال الوقت بعدم السماح للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال بالاستقلال بالقرار، رغم أن الفلسطينيين في القدسبادروا لإعلان الاضراب العام شهرين بعد الاحتلال، ولم يتوقفوا عن نضالهم في الداخل. وأفشل الفلسطينيون في الداخل كل محاولات إسرائيل لخلق طبقة متعاونة معها، وأفشلوا روابط القرى. و لم تؤيد المنظمة انتخابات البلدية التي جرت في العام 1976 خوفاً من بروز قيادة في الداخل مستقلة وحاولت منع لجنة التوجيه الوطني من المشاركة فيها، إلا أن الأخيرة أصرت على الاشتراك، والنتيجة معروفة، حيث فازت لجنة التوجيه الوطني بالأغلبية في معظم البلديات والقرى. وحاربتها إسرائيل بالعمليات الإرهابية التي نالت من القائدين الفلسطينيين بسام الشكعة وكريم خلف، ولم تكتف بهذا بل أتبعت ذلك بسياسة الإبعاد.
وأكد الأشهب أن قيادة المنظمة أصرت على الاعتراف فقط بالأحزاب التي تنضم للكفاح المسلح. وجميعنا يعرف أن الكفاح المسح لم يؤد إلى أية نتيجة. المعركة البارزة التي نفتخر بها هي معركة الكرامة، ويجب الاعتراف أنها كانت معركة دفاعية، وأنه لولا تمرد الضابط الأردني مشهور حديثة، لكانت نتيجتها تختلف كلية. رفعت معركة الكرامة أسهم المنظمة للسماء، فدخلنا في معركة مع النظام الأردني، وخسرنا. قاومنا ببطولة فائقة في بيروت، ولكننا طردنا في النهاية من لبنان. وتساءل أين هي المعركة العسكرية التي نجحنا فيها؟
وعندما هبت الانتفاضة الأولى، وكانت ثورة فريدة في نوعيتها، في التفات الجماهير لها، والاستجابة لمقرراتها، وتميزت بالتكافل والتضامن، مثل تفقد العائلات المتضررة، ويشهد لها بأنها أزالت آفة المخدرات بالمرة من بين المدمنين، وغيرت في تقاليد الزواج بالتخلص من غلاء المهر، وأصابت إسرائيل بالذعر والشلل، وفرضت تدخل الدول الغربية وعلى راسهم أمريكا، ففُرض التفاوض في مدريد، وتوجه الوفد الفلسطيني الذي أفرزته الانتفاضة إلى مدريد، بقيادة الدكتور الشافي، واعترف الشافي بأنه عرف بتفاهمات أوسلو من الأخبار، مثله مثل بقية الشعب الفلسطيني.
اعتبرت المنظمة بقيادة عرفات أن المنظمة لا يدخلها إلا الفصائل والأحزاب التي تشترك في الكفاح المسلح، متجاهلاً الكفاح الفلسطيني بقيادة الجبهة الوطنية التي كان للشيوعيين دوراً أساسيا فيها، جرى تجاهل لكل التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني. فقط المقاومة من فوهة البندقية!
وأكد الأشهب أن الشيوعيين ألحّوا بالانضمام إلى منظمة التحرير، ولكن طلباتهم كانت ترفض. لم يدخل الشيوعييون المنظمة إلا في السنة 1987 حين أفتى القانوني د. أنيس القاسم أن الشيوعيين الذين كونوا " حركة الأنصار " كانوا عمليا في راس المقاومة للغزو الأسرائيلي للبنان، وذكر أن د. يعقوب زيادين قد سافر إلى الاتحاد السوفييتي طالباً أسلحة للأنصار، وأن السوفييت وافقوا على التزويد ، ولكنهم طالبوا بوجود مرفأ لتوصيل السلاح، فجرى الاتصال بسوريا، فرفضت .
ورغم هذا الاستعراض فإنه غير يائس، ويبقى متفائلا.
وختم حديثه بذكر مثلٍ ينسب إلى الاسكندر المقدوني:
" لا تخافوا من قطيع أسود يقوده خروف، ولكن خافوا من قطيع خرفان يقوده أسداً !"