رسالة إلى القمة العربية في دورتها الثامنة والعشرين-رشيد قويدر
2017-03-22
إن الأمم الحيّة تهيء نفسها بما يتلاءم مع مستجدات الحاضر ومتطلبات المستقبل، كي تبقى حاضرة وجاهزة للتعاطي مع كل تطوّر، وتستنفر كل ما لديها من قدرات وإمكانات وعلى كل المستويات، كي تظل متواجدة مع الأمم الأخرى في الساحة الدولية تتفاعل معها بكل تقلباتها ومفاجآتها، لئلا تبقى على الهامش، نسيّاً منسياً .. وبلا دور وخارج الحسابات، بل بلا وزنٍ أو توازن.
إن استنهاض الدور العربي الجامع والشامل، ومراجعة الذات مراجعة نقدية جادة، معها عموم الاسئلة التي يقدمها الشارع العربي، تتمحور حول مآلات القضية الفلسطينية التي أطلقتم عليها يوماً ما، تسمية "قضية العرب المركزية"، ورفعتم من أجلها في قمة بيروت عام 2002 المبادرة المسماة: "المبادرة العربية" ومع كل قمة تتجدد كل عام الأسئلة حولها، حول بلوغ أهدافها: هل بقيت هناك فرصة حقيقية لإنجاز هذا الهدف ؟ وما الوصفة العملية لإنجازه ؟
هل تملكون القدرة على إعادة صياغة مستقبل العرب؟ والانقسام والاحتراب العربي – العربي قد أدمى كل قلبٍ عربي، والعلة فينا قد أعيت كل علاجٍ ودواء..
هذه الأسئلة وغيرها تتمحور حول كيف يستطع العربي الخروج إلى بؤرة الضوء، وكل ما أدى بالأمة إلى ما هي عليها الآن، من ضعف وهوان وتفكك وضياع.. في عالم يتحرك بسرعة البرق، ويموج بتحوّلات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وتكنولوجية غير متوقّعة، بينما العرب يستغرقون في نوم التخلّف والصراعات البينية، ويغيبون عن كل الساحات، حتى عن ساحتهم العربية ..فما أحوجكم إلى اعادة منهجة مَنْ هو العدو ..ومِن هو الصديق ...(!)
■ أين العرب من "اسرائيل اليهودية الديمقراطية"..؟... والأحزاب الاسرائيلية في مجملها وألوانها تنافست لتجسيد واقع "اسرائيل الديمقراطية اليهودية"، وصادق الكنيست (البرلمان 143) على تعديل القانون الذي يمنع أي سياسي من الترشح لعضوية الكنيست بشبهة دعمه للإرهاب أو التحريض على العنف ضد الاحتلال، وبتاريخ 83 صادق الكنيست على مشروع قانون يدعو لمنع أي شخصية تدعو أو تؤيد مشروع مقاطعة "اسرائيل" من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة...، وثمة جملة من التشريعات العنصرية المتطرفة الإقصائية العنصرية في القدس الشرقية المحتلة عام 67 ...
■ سبق لدولة الاحتلال الاسرائيلي أن شنت طائراتها الحربية العديد من الغارات في عمق الأراضي السورية طوال السنوات الماضية من الأزمة، تحت مبررات كثيرة، والهدف من العدوان هو دعم عصابات الإرهاب - داعش وشقيقاتها - والتدخل في الشأن السوري.. وانهاك جيشها العربي السوري ..
بعد أن نفذ صبر سوريا أقدمت على تطور .. هو بالواقع قراراً استراتيجياً، بالتصدي لأي عدوان اسرائيلي، وأن سوريا مستعدة للرد على أي انتهاك أو استفزاز جديد .. أي الاعلان عن نهاية مرحلة .. وبداية مرحلة أخرى .. بما يعني أنه قرار مدروس وبعناية فائقة .. أما الصدمة فهي تتوفر في تصريحات أكثر من محلل عسكري اسرائيلي يقول بأن حكومته الاسرائيلية لاتريد تصعيداً.. فيا للمفارقة، لقد دوت صافرات الانذار في عموم مستوطنات نهر الأردن، ولأول مرة في القدس منذ عام 1967 .. تحسباً للأسوأ، بعد صلفٍ وعربدة طال على العرب .. وطال المبادرة العربية ذاتها .. وقد طالها القصف الصهيوني قبل أن يجف حبرها..
وأنتم في اجتماع القمة .. ما أحوجكم إلى وقفة نقدية مع الذات، وقفة مع أنفسكم ومحاسبتها على التقصير الذي يكاد يؤدي بنا ويخرجنا من التاريخ والجغرافيا، في حين كنّا أمّة ساهمت في صنع حضارة العالم، على مدى قرون في مختلف ميادين العلوم والأدب والفلسفة وعلم الاجتماع..
نحتاج لأن نخرج من عباءة التزمّت الديني والتقوقع المذهبي، وما نعانيه من فاجعة الإرهاب والتطرّف، بالعودة إلى كل ما هومنجز انساني متسامح وخالي من الشوائب.
كما نحتاج الى وحدة الصفوف ووحدة الانتماء الى أمة، ولوحدة الهدف والمصير..تبدأ بتطهير الذات والأنفس من أدران الحقد والكراهية والتقوقع، ونطلق العنان للمُثل العربية النبيلة التي تقوم على القيّم الأخلاقية والتآخي والمسؤولية المشتركة .. كي لا ينال منا العدو فرادى ومتناحرين .. وأُكلتُ يوم أُكل الثور الأسود ..
والأسئلة باتت مصيرية : أن ندخل التاريخ أم نبقى خارج هامشه ..؟!