:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/12187

حماس بين خيارين- طلال عوكل

2017-04-13

بعد أن أوسع الجميع، قرار الخصم من رواتب موظفي غزة، تمحيصاً وتشخيصاً ونقداً واستنكاراً، وتحذيراً، بات على الجميع أن يفكروا أو يساهموا في التفكير في كيفية وقف التدهور المرتقب للأوضاع في غزة وعلى المستوى الوطني العام. العنتريات وردود الأفعال والأقوال السلبية، لا يمكن أن تدلنا على طريق الخلاص من الانقسام وما يتسبب به من أزمات ومخاطر على القضية وعلى شعب القضية. فليصدق كل ما يعتقد أنه التفسير السليم، للدوافع التي تقف وراء هذا الإجراء التمييزي المرفوض من حيث المبدأ، فمهما كانت الأسباب فإنها في الأخير سياسية بامتياز. سياسية بامتياز تعني أن الأزمة ليست مفتعلة، وانها واحدة من مظاهر الأزمة الوطنية العامة، المرتبطة أشد الارتباط بالحراك الأميركي الإقليمي نحو إحياء عملية السلام. تعرف حماس ويعرف كل من يتابع هذا الشأن أن لدى الرئيس محمود عباس، أوراقا عديدة موجعة. الخصم من الرواتب هو بداية مسلسل لإجراءات متتابعة، أولها بعد قرار الخصم، تفاقم أزمة الكهرباء والطاقة، حيث بات الجميع يعلم أن محطة توليد الكهرباء ستتوقف كلياً يوم السبت القادم، مَن أقدم على الخطوة الأولى على خطورتها، وبناء على حسابات معمّقة، يكون قد تجاوز الحذر المطلوب إزاء أية استحقاقات أو تبعات، أو أثمان ستدفعها أطراف كثيرة في الساحة الفلسطينية. رئيس الحكومة رامي الحمد الله صرح بأن هذا الإجراء مؤقت، إلى حين تقبل حركة حماس بمبادرة الرئيس محمود عباس، وتدبر السلطة حال الأزمة المالية. تصريح الحمد الله يؤكد على البعد السياسي للأزمة، ولو في أحد مفاصلها وهي المرتبطة بالانقسام وبموقف حركة حماس تجاه علاقة غزة بالسلطة وبمنظمة التحرير الفلسطينية. الرئيس عباس قرر إرسال وفد سداسي من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، إلى غزة، حاملاً رسالة تتضمن رؤيته أو لنقل شروطه لمعالجة أمر العلاقة بغزة. بعض المواقع الإخبارية أشارت إلى أن الوفد سيحمل شروطاً خمسة، يبدو أنها غير قابلة للحوار على الأقل في مفاصلها الرئيسية والتي تبدأ بإعلان حماس حل اللجنة الإدارية وتمكين الحكومة من استلام المعابر والوزارات والمؤسسات الحكومية. ربما كان هذا الأمر سهلاً ويمكن الاتفاق على طريقة لتخريج الموقف، بحيث لا يبدو أن حركة حماس قد خضعت للضغط والإملاءات، فلقد صرح الدكتور صلاح البردويل النائب عن حركة حماس، بعد اجتماع للفصائل في غزة أن حماس مستعدة لأن تحل اللجنة الإدارية بمجرد أن تحضر حكومة الوفاق لتسلم مهماتها. غير أن العقدة في الشروط اللاحقة التي تتعلق بما قيل إنه مبادرة قطرية، وتنص على تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على أساس برنامج منظمة التحرير، يتلو ذلك انتخابات تشريعية ورئاسية، بعد ثلاثة أشهر. هنا تكمن عقدة النجار، فلا الرئيس يقبل بتشكيل حكومة أي حكومة لا تلتزم ببرنامجه، ولا حركة حماس تقبل بأن تتخلى كلياً عن برنامجها لصالح العمل وفق برنامج أوسلو الذي تضمن اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل. الورقة السياسية التي يقال إن حركة حماس أقرتها ولم تعلنها بعد، تضمنت تطويراً لمواقفها، لكن ذلك التطوير لا يرقى إلى مستوى الاستجابة لمتطلبات استعادة الوحدة استناداً إلى رؤية وشروط الرئيس عباس. في الواقع فإن ردود حماس على قرار خصم الرواتب، تنطوي على شيء من البلبلة والتناقض، فمنها ما يشي ببعض المرونة، مثلما هو حال تصريح البردويل وتصريح آخر للقيادي الحمساوي محمود الزهار الذي دعا فيه الموظفين للعودة إلى وظائفهم، ومنها ما هو سلبي ومتوتر، سلبي مثلما هو تصريح آخر للزهار يقول فيه إن المجلس التشريعي هو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. على كل حال فلقد تأخر الوقت كثيراً، على إمكانية استنزاف المزيد من الوقت في الحسابات والمناورات، والحوارات، ذلك أن الوقت يحسب بالأسابيع، حيث من المفترض أن يتحرك قطار المؤتمر الإقليمي خلال اشهر قليلة. قبل سفره إلى واشنطن يحتاج الرئيس عباس لأن تكون لديه صورة واضحة عن مدى جاهزية الوضع الفلسطيني، ولذلك فإن الوفد الفتحاوي لن يتأخر في الوصول إلى غزة، اللهم إلاّ إذا استلم إجابات غير مناسبة عَبر وسائل أُخرى. في هذه الأثناء، طرح بعض الشخصيات مبادرات لتجاوز الأزمة، فلقد طرح القيادي السابق في حماس محمد نصار، مبادرة تقوم على تشكيل لجنة غير حمساوية وبمشاركتها لإدارة الوضع في القطاع لمدة عام ريثما يتمكن الطرفان فتح وحماس من معالجة موضوع الانقسام. النائب جمال الخضري طرح مبادرة أخرى، غير مكتملة، وتقف عند حدود تقديم مدخل للأزمة، غير أن لا هذه ولا تلك، من المبادرات ولا حتى أية مبادرة أخرى تملك مقومات النجاح في ضوء ضيق الوقت المتاح. القرار والحل بيد حركة حماس التي عليها أن تقرر ما إذا كانت مستعدة للتخلي عن الحكم، وإعادة قطاع غزة إلى حضن السلطة، بكل ما فيها وعليها من التزامات، أو أن تركب أمواج العناد، وتذهب نحو قرار الصمود في وجه عاصفة عاتية، من شأنها أن تحول قطاع غزة إلى خرابة. أمام هذه المفاضلة بين خيارين أحلاهما مر بالنسبة لحركة حماس، من غير المتوقع أن يتقدم أحد في الإقليم لمد يد العون لحماس، فما كان بالأمس من قبل حلفائها، غير ممكن اليوم بسبب اندراج هؤلاء في سياقات التحرك الأميركي الإقليمي. وفي أي من الخيارين فإن الثمن الذي تدفعه حماس سيكون كبيراً وكبير الثمن الذي يدفعه سكان القطاع الذين أعيتهم الحروب، والأزمات والحصار والتهميش. هذا هو ثمن القراءات والحسابات الخاطئة والفصائلية، والمراهنات على أراضٍ رخوة، وحلفاء غير مبدئيين، ولا أغامر إن اعتقدت بأن ثمة قرارا دوليا يضع "حماس" أمام واحد من أمرين: إما الاندراج في السياسة الجارية، ولعب دور المعارضة الناعمة، وإما أنها مرشحة للشطب.