:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/12394

يشرب الماء والملح باسم والده - هآرتس

2017-05-07

هو ابن صديق لي، كان طفلا صغيرا في العام 1990 عندما تصادقت مع والده مروان البرغوثي، وكان طفلا صغيرا عند اعتقال والده والحكم عليه خمسة مؤبدات وأربعين سنة. وقد التقيت مع والده في المرة الاخيرة وهو حر في تشرين الثاني 2001، عندما كان مطلوبا لإسرائيل. ويد خفية قامت بوضع مادة خفية على نوافذ البيت السري الذي كنا سنلتقي فيه، فتغير مكان اللقاء. وفي المرة التالية رأيته في المحكمة المركزية في تل ابيب.
الابن الشاب عرب البرغوثي كان في جيل 11 عند اعتقال والده، وهو الآن طالب يبلغ 26 سنة، وكانت تلف كوفية عنقه عندما جلس في محادثة على السكايب بيننا من مكان اقامته في سان فرانسسكو. التحادث حدث في هذا الاسبوع عشية عيد الاستقلال، اصوات المفرقعات في سماء تل ابيب غطت على صوته، بمشهد سريالي: حديث مع إبن "اكبر المخربين"، مثلما يسمى والده في إسرائيل، في عيد الاستقلال. إن من يعرف والده يعرف أنه كان رجل سلام مصمما، وأكيد أنه بقي كذلك. ابنه يتضامن مع مواقفه.
أنهى البرغوثي الابن دراسة الماجستير في سانت ماريا في كاليفورنيا، في التحليل المالي وادارة الاستثمارات. وهناك اقتراحات عمل بانتظاره في رام الله. أنه لا ينوي الدخول إلى السياسة مثل والده كي لا تعاني أمه فدوى. "العمل السياسي عندنا يعني الدخول إلى السجن، وقد عانت بما يكفي"، هذا ما قاله من مكان اقامته. لقد سافر إلى هناك بتشجيع من والده، لكنه أنهى اللقب الاول في جامعة بير زيت حيث تعلم والده فيها العلوم السياسية.
الذكرى الاولى له عن والده هي الرحلة العائلية إلى تونس في 1998 أو 1999. وقد قال إنه لم ير والده قبل ذلك أو بعد ذلك سعيدا. عندما التقيت أنا مع مروان في تشرين الثاني 2001 وكانت الدبابات في رام الله قال لي إنه كان مع ابنائه في حديقة الحيوانات في رمات غان قبل ذلك بشهر. هكذا انقلب الدولاب. عرب لم ير والده في الاشهر الثلاثة قبل اعتقاله في 5 نيسان 2002 بسبب اختبائه.
في تشرين الثاني 2001 مررنا من امام البيت فأشار اليه مروان وصمت. على الاغلب كان أولاده في البيت، لكنه لم يتجرأ على الدخول. كان على قناعة أن إسرائيل تريد تصفيته. "أنا خائف، لكنني لست جبانا"، قال لي. وقبل ذلك بأربع سنوات في ذكرى يوم الارض في 1997، سرنا بين الاطارات المشتعلة وتساءل "متى ستعرفون أنه لا شيء يخيف الفلسطينيين كما تخيفهم المستوطنات؟". واقتبس أحد الاصدقاء "أنتم الإسرائيليون لكم حاضر لكن ليس لكم مستقبل، ونحن الفلسطينيون لنا مستقبل وليس لنا حاضر. أعطونا الحاضر وسيكون لكم مستقبل". وبخصوص الدبابات الإسرائيلية التي كانت على جانب الشارع قال "لا أحد يمكنه كسر إرادة شعب بالقوة العسكرية. نحن لسنا خلايا أو منظمات، نحن شعب".
كلمة احتلال باللغة العبرية قالها بلغة ركيكة، لأنه تعلم قول الكلمة بشكل صحيح في السجن. كان مروان يشجع فريق كرة القدم لتل ابيب وكان يخشى لحظة فقدان الفلسطينيين للأمل. الآن هو يقوم بتجويع نفسه من أجل تحسين الظروف الانسانية لآلاف الاسرى الفلسطينيين. هذا ليس الإضراب الأول له عن الطعام داخل السجن، لكنه الأكبر.
البرغوثي الابن قام بإطلاق حملة في الفيس بوك بعنوان "تحدي الماء والملح"، حيث يقوم مشاهير عرب وغيرهم بشرب الماء والملح أمام العدسات كتضامن مع المضربين عن الطعام، الذين يعتبر هذا هو غذاءهم الوحيد. في يوم الاحد سيصادف مرور ثلاثة اسابيع على الاضراب. وعرب يخشى على صحة والده. فمنذ اسبوعين لم يراه أحد باستثناء السجانين بعد منع المحامي من زيارته. "والدي رجل قوي، لكنه سيبلغ في هذا العام الـ58، وهو لم يعد شابا. الاضراب سيؤثر على صحته وأنا آمل أن تظهر سلطات السجون الانسانية وتتفاوض معه. الاسرى يطلبون شروط بالحد الادنى فقط".
عند اعتقال والده كان عرب في بيت عمه في كوبر، حيث ولد أبيه. وقد شاهد في التلفاز عملية الاعتقال وبدأ بالبكاء. كانت هذه هي اللحظة الاصعب في حياته والتي لن ينساها. ولم يعتقد أن المدة ستطول. بعد ثمانية أشهر التقى هو وشقيقه شرف مع الأب. "اذكر أنني كنت خائفا، مررنا بحوالي عشرين بوابة، كان أبي في العزل وعندما وصلنا اليه كان هناك شرطيين لحراسته وكانت كاميرات كثيرة حولنا. وقد أحببت الطريقة التي شد أزرنا بها، لم يرغب في اظهار أي اشارة على الضعف امامنا، وكنت اعرف عن التحقيق والتعذيب الذي تعرض له، لكنه أراد أن نشعر بشكل جيد".
ذات مرة تم أخذ الطفل عرب إلى المحكمة، وأحد أبناء عائلات ضحايا الارهاب الإسرائيليين صفعه على وجهه. وحتى بلغ عرب سن الـ16 كان يرى والده مرتين في الشهر: 20 ساعة من المعاناة في الطريق إلى سجن بئر السبع من اجل زيارة مدتها 45 دقيقة من وراء الزجاج. وبعد أن بلغ 16 سنة تقلصت الزيارة إلى مرة واحدة في السنة. وفي السنوات الاخيرة سمح بثلاث زيارات فقط. عرب لم ير والده منذ عامين. وجميع الطلبات التي تقدمت بها أمه تم رفضها.
شقيقته تزور الأب مرتين في السنة. وذات مرة احضرت معها ابنتها تاليا (8 شهور)، والسجانون لم يسمحوا بإدخالها بحجة أنها ليست قريبة من الدرجة الاولى. تاليا تبلغ الآن اربع سنوات وأختها سارة طفلة صغيرة، ولم تلتقيا من الجد أبدا، بل شاهدتاه في الصور فقط.
عرب يتذكر الزيارة الاخيرة في سجن هداريم قبل عامين. "شاهدت الشعر الابيض على لحيته، والمزيد من الشعر الابيض في رأسه. ورأيت أن أعينه اكثر احمرارا، رأيته وهو يزداد هرما، هذا الشخص يمكنه اعطاء القوة والأمل لشعب كامل. في الطريق فكرت كيف سأرفع معنوياته، ووجدت أنه يرفع معنوياتي. حدثني عن المستقبل وحثني على الدراسة. هو استاذي في الحياة. وفي كل مرة أدرس فيها أتذكر ابتسامته".
لقد أدين والده في محكمة مدنية في إسرائيل بخمس عمليات قتل، وأنا أقول له إنه في نظر الإسرائيليين هو يعتبر ارهابيا.
"
لقد كانت هذه محاكمة سياسية لم تعتمد على الأدلة والحقائق. كان والدي مستقيما وواضحا: رفض هذه الادعاءات وقال إنها محاكمة سياسية. حكم عليه خمسة مؤبدات. ونلسون مانديلا أيضا حكم مدى الحياة. أبي رجل سلام وكان دائما هكذا. الامر الوحيد الذي لا يتنازل عنه هو حقوق شعبه. اسأل أي فلسطيني، ليس فقط في فلسطين بل في كل العالم، وستجد أن 90 في المئة يقولون إن سياسة أبي هي الطريق الصحيحة.
"
إنه لا يطلب الكثير، إلا أن حكومة إسرائيل لا تريد من يطلب حقوق الشعب الفلسطيني. في السجن أيضا يريد أبي السلام. والدعاية الإسرائيلية فقط تصوره كإرهابي. مانديلا أيضا تم تصويره كإرهابي وبقي في السجن 27 سنة وبعد ذلك اصبح بطلا وحصل على جائزة نوبل للسلام. أبي ارهابي مثل مانديلا.
"
أريد أن أقول للإسرائيليين: اذا كنتم تؤيدون مانديلا فيجب عليهم أن تعرفوا أن أبي يكرر قصة مانديلا. واذا كنتم لا تؤيدون مانديلا، فلا يهمني ما الذي تفكرون فيه. أنا متأكد أن الإسرائيليين سيعرفون ذات يوم أن الحل الوحيد هو السلام، ولن يكون لهم شريك آخر مثل البرغوثي".
ماذا تقترح على والدك ليفعله؟
"
لا شيء. عندما انظر اليه وإلى طريقه، اعتقد أنه كامل".
"
والدي ليس ارهابيا، هو شخص عادي يناضل من اجل حقوق ابناء شعبه. ليته لم يكن في السجن. لقد ضحى بحياته من اجل الحق. هذا شيء نبيل. نحن نعيش مرة واحدة، وهو اختار الطريق الاكبر من اجل العيش".