«سارة» والأسرى- ريما كتانة نزال
2017-05-21
لم يكن اللقاء الذي جمعني بالصبية «سارة»، محض صدفة. بادرت الصبية إلى حضور اجتماع غير مخصص لليافعات. هدفه توثيق خاص بانتهاكات الاحتلال من منظور المرأة في إحدى بؤر المقاومة الشعبية، «كفر قدوم». كان ذلك في اليوم التالي لمداهمة الاحتلال عددا كبيراً من خيام التضامن مع إضراب الأسرى. «سارة» فتاة مراهقة ذات وجه رائع الجمال، متوهج لا يظلله أي انكسار قد يصيب الشابات؛ عادة في بلادنا، لكنها تخشاه كما نخشاه جميعاً، يرقد الانكسار دائماً خلف الأبواب. تتعجل أخذ دورها في النقاش؛ تريد يقيناً ما، قد نملكه.. تستمر في مقاطعة مصفوفة النقاش حول أصول التوثيق وأهميته وخصوصيته النسوية، تتلفت متعجلة كأنها تقف على تقاطع طرق. ضوء أحمر؛ يتبعه ثانٍ وثالث. خطفت ناصية الكلام دون تردد، لا شك أن قصتها تثير الاهتمام، توثيق مختلف خاص بالأسرى. سنعطي الصبية الوقت الكافي لشرح وثيقتها. وثيقة مهمة، في بلدة صغيرة تصنع فرقا يُشار له بالبنان، نموذج في صناعة المقاومة الشعبية، تواجه الاحتلال أسبوعياً، كإحدى مناطق التماس إنْ صح التعبير والمصطلح. لقد جعل الاحتلال جميع المناطق كذلك، بعد أن أسقط خط التماس الأخضر، بالمصادرة والقطع والضم والحرق، للمستوطنات والجدران والطرق الالتفافية. سارة لا تهتم بما يحصل في باقي المدن، محبطة أو يائسة، ترضي نفسها وضميرها الوطني. سارة تعرف تماماً التحديات الجسام التي يواجهها الأسرى، لكنها تقول بأنهم بإرادتهم غير المكبلة بالقيود، أسقطوا الرهان المنتظر على فشل الإضراب، لا مكان إلا للنصر أو النصر. «سارة» تقدم إسنادها للأسرى، الذي تظن أنه يصنع الفرق. مسبحة طولها ستون متراً من نوى الزيتون، تدخل موسوعة «جينيس»، أطول مسبحة سيعرفها العالم. تجمع الصبية ستة آلاف نواة، ترمز إلى عدد الأسرى في معتقلات الاحتلال. بشغف وإلحاح وتأن وعمق؛ تكتمل الوثيقة. تُحمِّصُ النوى بزيت الزيتون، تخضعها لعملية حتٍّ وتطويع، تشق نفقاً ضيقا في كل نواة بإبرة ودبوس، تدخل الخيط في النفق، تصطف الأنوية بكرامة، تولد مسبحة الأسرى. بصبر المؤمن تواصل «سارة» العمل على السبحة العملاقة، ترفض «جينيس» التعامل مع المعنى والرمز الذي تشير إليه السبحة. تفشل «سارة» في الخطة «أ»، لكنها تريد تحقيق الخطة «ب». التفاتة من المجتمع والاعلام، تسجيل مبادرتها؛ تحفيز المبادرات المختلفة. تحيلني مسبحة «سارة» إلى الأسئلة الهامة، تحيلني إلى الإجابات الشاقة. هل ما فعلته «سارة؛ توثيق أم تفاعل أو مشاركة، أدوات القياس الذي نعتمد عليها في تحديد منسوب المشاركة، الذي لا يخدم تحقيق التفاعل. المبادرات المختلفة عن النسق العام والخفية التي لا تجد من يعممها. وقف جلد الذات أو تعمده للحط من قيمة ووزن الحراكات ونسب المشاركة والتفاعل معها. لغرض في نفس يعقوب الفلسطيني، عودة السواكن. لماذا لا ندرك ما نملك من غنى، لماذا لا نلتقط الحالة ونوظفها في مكانها ووقتها؟ لماذا لا نعتمد معايير ذات اتجاه ومقاييس وقواعد، لها مناصرون وأعداء، تسهم جميعا في تزخيم المشاركة المجتمعية ومن ثم نفحص أثرها بإيجابية. استيعاب أن المجتمع قد وقع تحت إرهاصات جعلته لا يبالي وغير مكترث ظاهرياً، محتج وناقد وسلبي، لكنه معني بالتغيير البنّاء.. وأثبت النهوض الذي شهدته فعاليات التضامن بنقلها الفعاليات إلى مناطق التماس مؤخراً، أن الحالة تتقدم باطراد، لكنها تتطلب استيعاب أن بعض الوصْفات المقدمة في أزمان سابقة، لم تعد صالحة لزمانها وسياقها الحالي، ومنها رفع شعار العصيان المدني دون مفهوم ورؤية وتفاصيل ممارسته، تأتي بنتائج معاكسة لنواياها. فالوصفات التي تُرمى على عواهنها، تولد قتامة وخوفاً. هل يمكن لصوت الأسرى النقي، ان يفعل شيئا للحالة الجديدة. هذا ما تريد أن تعرفه «سارة» التي أدمت أصابعها لتصنع الفرق. بالكاد أتيح لي الوقت أن أهمس لها بضع كلمات مطمئنة، بما تيّسر لي أن أعطي يومذاك. قلت لها: استمري بما تعتقدينه محفزاً وجميلاً.. أمسكت عن الإجابات المطلقة والخطابية. استمرار الانقسام وتعمقه خلال إضراب الأسرى، يرعبنا. في الاجتماع؛ وبعد انتهاء أكثر من شهر على إضراب الكرامة، تحضر جميع المواضيع الإشكالية. مسموح كل شيء، إلا أن ينكسر الإضراب.