:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/12623

دولة الاستيطان لا يمكن أن تكون دولة ديمقراطية-ميخائيل سفراد

2017-05-31

أتذكر السنة الـ 21. كنت في الثانوية. اندلعت الانتفاضة الاولى وملأ الشبان المقيدون ومضمدو العيون شاشات التلفزيون. الخط الاخضر، الذي شطب من الخرائط التي علمونا من خلالها الجغرافيا والوطن احترق بلهيب إطارات السيارات المشتعلة على طوله، وبدأ الفهم البسيط يتسلل الى العقول: في المكان الذي يوجد فيه احتلال يوجد فيه محتلون. أتذكر السنة الـ 21 لأن الانتفاضة عربدت على مسافة امتار قليلة عن بيتي، على خط التماس الذي بين القدس الغربية والشرقية، ولانه تشكلت ايضا حركة احتجاج بهذا الاسم: "السنة الواحدة والعشرون". اولئك الذين اقاموا المنظمة لم يتصوروا على اي حال أن يصل الاحتلال الى يوبيل من السنين، ولا يزال لا تبدو مؤشرات خروج على التقاعد. وهم بالتأكيد لم يتصوروا بانه بعد انتفاضتين و 25 سنة "مسيرة سلمية" سيتعمق الاحتلال فقط وسيزدهر الاستعمار الاسرائيلي ويتعاظم. في الثلاثين سنة التي قضت دار المعسكر السياسي، الذي تبنى تقسيم البلاد في معظمه كطرف في الخلاف الداخلي، الذي يأخذ على عاتقه القيود المفروضة على الجدال بين موقفين شرعيين. هذا النهج يمكن أن نراه من خلال النقاش الذي جرى في الجناح الذي يسمي نفسه "معسكر السلام" على شرعية رفض الخدمة العسكرية في "المناطق". في الهوامش كان هناك من ايدوا الرافضين باسم حرية الضمير، ولكن لم ترَ اي جهة ذات مغزى في الرفض اداة شرعية لاحداث التغيير، وبالتأكيد لم يدعُ احد للرفض. فاسرائيل هي ديمقراطية، وفي الديمقراطية يتم الإقناع وليس الاملاء. المنطق ذاته هو الذي أخرج عن الجدار النشاط الاسرائيلي في الخارج من أجل انهاء الاحتلال. "نحطم الصمت"، "بتسيلم" والاسرائيليون الحقيقيون الآخرون الذين يقولون بالانجليزية بالضبط ما يقولونه بالعبرية، اي عندما لا يسكتونهم بالعنف وبالتشريعات. وهذا المنطق يغذي ايضا معارضة الكثيرين من مؤيدين انهاء الاحتلال لكل نوع من المقاطعات، حتى تلك التي تركز على المستوطنات. إذ في الديمقراطية يتم الجدال، وليس المقاطعة. غير انه في نظرة الى الوراء، وفي سياق الاحتلال، من الصعب الدفاع عن فكرة اسرائيل كديمقراطية، وبالتالي فان الموقف الذي يقول انه يجب تقييد اساليب النضال ضد الاحتلال باعمال الاقناع الداخلية، ليس فقط مغلوطا بل غير اخلاقي. النظام الذي يسمح فقط لقسم من رعاياه بالمشاركة السياسية ليس ديمقراطيا. صحيح أنه يوجد لاسرائيل سلطة تشريعية منتخبة، فصل بين السلطات وحرية صحافة (كل الثلاثة توجد في خطر في هذه الايام)، ولكن منذ خمسة عقود وهي تسيطر على ملايين البشر معدومي الحقوق للترشيح والانتخاب للاجهزة التي تحكمه. فاسرائيل لا تعلق فقط حقوق المواطن لهم، بل تسطو على أراضيهم ومقدراتهم في ظل نقلها للمتميزين من مواطنيها، وتمنع عنهم بالقوة والوحشية الاستقلال والتأثير على مستقبلهم. حتى لو كان ممكنا في بداية الطريق القول ان هذا وضع مؤقت وليس مناسبا بسبب الاحتلال نزع لقب الديمقراطية عن اسرائيل فانه كلما مر الوقت نجد أن العلائم الديمقراطية للنظام يصعب عليها أن تحمل على ظهرها العبء الثقيل لواقع الطغيان الذي تفرضه. لعله في السنة الثانية كان ممكنا الادمان على الوهم بان اسرائيل تبحث عن حق لا يتضمن تنكرا علنيا لفكرة ان لكل انسان، حتى لو كان فلسطينيا، توجد حقوق. اما اليوم فملف الادلة المدينة للمحتل للمؤامرة على تثبيت السيطرة على الارض وفرض نظام هو عمليا نظام أبرتهايد على الفلسطينيين وحفظه يبرز كمسدسات مدخنة. في بداية سنة الاحتلال الـ 51 يجب أن نقول بصوت عال وواضح: اسرائيل المستوطنة، المستغلة والمانعة لحقوق ملايين البشر على مدى عشرات السنين، لا يمكنها ان تعتبر دولة ديمقراطية. لعله في اليونان القديمة كان يمكن وجود ديمقراطية بينما يحبس عبيد تحت بيوت المواطنين. ولكن منذ أن اعترفت الانسانية بالحقائق الواضحة من تلقاء ذاتها – ان لكل الناس حقوقا متساوية في الحياة، الحرية والسعي الى السعادة – فان نظاما يحكم عشرات الاف الناس معدومي الحقوق ويفعل كل شيء كي يثبت هذه السيطرة، ليس ديمقراطيا. ويستنتج من ذلك بان استمرار الاحتلال ليس شرعيا، ولا تؤيده اي أغلبية بين مواطني اسرائيل. مثلما هو الفصل العنصري غير شرعي، ومثلما هو الابرتهايد غير شرعي. كاسرائيليين مسؤولين جماعيا عما يجري باسمنا، علينا أن نكافح ضد الاحتلال بكل وسيلة غير عنيفة دون أن نقبل بالقيود المفروضة على الجدالات الداخلية الشرعية في الديمقراطية. يجب أن ترفض المساعدة في استمراره، ومقاطعة اقتصاده واقناع العالم بوجوب الضغط على إسرائيل لانهائه. لو كان المعسكر المعارض للاحتلال مصمما بما يكفي، ولو كف على الادمان على كذبة الديمقراطية الاسرائيلية، لكان يوم اليوبيل للاحتلال على الاقل يوم اضراب سياسي. يوما يترك فيه المعلمون والمحاضرون صفوف التعليم، ويلغي الممثلون العروض ويغلق التجار دكاكينهم. يوما يتلقى فيه الجمهور الاسرائيلي رسالة واضحة: مقاومة الاحتلال هنا وهي ستبقى، وهي لن تذهب الى اي مكان. المقاومة المدنية أمر الساعة كي تكون السنة الـ 51 هي السنة التي بدأ الاحتلال فيها يتفكك.