المفاوضات والأسرى: الحديث والحدث-د. احمد عزم
2017-06-01
كان الحدث الأبرز الموازي لمحادثات إعادة إطلاق العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في الأسابيع الأخيرة، أثناء زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن، والرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة، هو إضراب نحو ألف أسير فلسطيني عن الطعام، لنحو 42 يوما. والواقع أنّ اشتراط إطلاق سراح أسرى قبل أن تبدأ أي مفاوضات، إذا كانت ستبدأ، لا يتعلق بالأسرى فقط، بل بجدوى وجدية المفاوضات أيضاً.
إذا انطلقت المفاوضات دون تقدم حقيقي في موضوعي الأسرى والاستيطان، فستكون المفاوضات، كما هي منذ نحو 20 عاما، مجرد حديث عابر بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين، بينما يراكم الإسرائيليون أمرا واقعا جديدا يومياً.
لقد كان من الأخطاء التفاوضية، توقيع اتفاقيات انتقالية العام 1993 دون إطلاق كل الأسرى الذين أسروا قبل التوقيع. وما تزال دفعة من هؤلاء أسرى حتى اليوم، واعترف الإسرائيليون من حيث المبدأ بضرورة إطلاقهم، وبالفعل أطلق جزء منهم في سياق المفاوضات العام 2013، في إقرار إسرائيلي بمبدأ إطلاقهم، ولكن توقف إطلاق البقية.
أضف لذلك كانت انتفاضة الأقصى العام 2000 نوعا من الحرب والمواجهة التي يدفع الفلسطينيون ثمنها بشكل باهظ، وأهم الأثمان، موافقة القيادة الفلسطينية على العودة لتطبيق التزامات الفلسطينيين التي رتبتها عليهم الاتفاقيات، دون أن يفعل الإسرائيليون ذلك. وهذه العودة، من طرف واحد، تعكس شعوراً لدى القيادة الفلسطينية بأنّ هناك هزيمة نتيجة للانتفاضة، وأنّ الفلسطينيين أخطأوا أثناء الانتفاضة، بغض النظر عن أن الإسرائيليين هم الذين دفعوا الأمور لتصبح انتفاضة عسكريّة. وكان المنطق، السائد لدى القيادة، وحتى القوى الدولية، أن التعاون و"ضبط" الأمن وسوى ذلك سيؤدي إلى العودة لعملية التسوية، ولكن هذا لا يحدث. وعندما يوافق الإسرائيليون على التفاوض، فهم يريدون العودة إلى "الحديث" من النقطة صفر، وليس على أساس الالتزام بما تمليه عليهم الاتفاقات السابقة والبدء من عندها.
يعاني الأسرى داخل السجون نفسها من أنّ غالبية الاتفاقيات التي تلي الإضرابات عن الطعام تكون شفوية، وكثيراً ما يتراجع عنها الإسرائيليون، ومن أمثلة ذلك أنّ أسرى قاموا بإضرابات فردية أسطورية عن الطعام، وقيل إنهم توصلوا لاتفاقات بمطالبهم مع الاحتلال، مثل سامر العيساوي ومحمد القيق، هما في السجن ثانيةً الآن، ثم إنّ جزءا كبيرا من الأسرى الذين أفرج عنهم في عملية تبادل "وفاء الأحرار"، هم في المعتقل الآن.
من هنا فإنّ اشتراط وطلب القيادة الفلسطينية الإيفاء بالالتزامات إزاء الأسرى، وتصحيح الأخطاء السابقة بشأنهم، وشن حملة دولية، والطلب من الدول الوسيطة في صفقات تبادل سابقة، خصوصاً مصر وألمانيا، الطلب من الإسرائيليين تنفيذ الاتفاقيات، ليس مهماً فقط لقطع الطريق على الحملات الإسرائيلية بشأن دفع مساعدات ومستحقات للأسرى وعائلاتهم، وليس مهماً فقط لأن الأسرى قضية اجتماعية سياسية وشعبية وإنسانية متفجرة، بل أيضاً لأنه دون التزام الإسرائيليين باتفاقيات والتزامات تتعلق بالأسرى فإن هذا يعني أن مبدأ تهرب الإسرائيليين من الاتفاقيات سيستمر، وأن منطق التفاوض ذاته لا معنى له.
إضافة لذلك، فإنّ تصعيد ملف الأسرى، مهم لأنه يعني تماسكا في الخطاب الفلسطيني بخصوص الحقوق الوطنية الفلسطينية، وإعلان موقف واضح أنّ الأسرى والشهداء جزء من الشخصية الوطنية الفلسطينية، وجزء من إعلان الحق بالنضال وبالوطن، ولعل تسمية كريم يونس، عضواً في اللجنة المركزية لحركة "فتح" خطوة في الاتجاه الصحيح.
تحاول هيئات دولية بقيت صامتة، وشبه صامتة، أثناء إضراب الأسرى عن الطعام، رغم مخالفات الإسرائيليين للقانون الدولي، أن تسوّق وتتساوق مع المطالب الإسرائيلية بوضع قيود على التكافل مع الأسرى، وتنكر على الفلسطينيين حقهم الاحتفاء بأبطالهم، من مثل قرار الأمم المتحدة وحكومة النرويج قبل أيام وقف دعم مركز اجتماعي في نابلس، لأنه سُمي باسم "دلال المغربي" الفدائية الفلسطينية الشهيدة العام 1978. ومثل هذا المنطق يحتاج وقفة جادة.
الأسرى حدث شعبي متفجر دائماً، وأي تراخٍ بشأنه في المفاوضات، يضر منطق التفاوض ذاته لأنه يحول المفاوضات لمجرد حديث عابر لا يجري الالتزام بنتائجه. والأسرى كما الشهداء، هم في صلب خطاب الحق الفلسطيني، وأي تراخٍ في تمجيد قضيتهم هو ضعف في الشخصية الوطنية الفلسطينية.
إذا انطلقت المفاوضات دون تقدم حقيقي في موضوعي الأسرى والاستيطان، فستكون المفاوضات، كما هي منذ نحو 20 عاما، مجرد حديث عابر بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين، بينما يراكم الإسرائيليون أمرا واقعا جديدا يومياً.
لقد كان من الأخطاء التفاوضية، توقيع اتفاقيات انتقالية العام 1993 دون إطلاق كل الأسرى الذين أسروا قبل التوقيع. وما تزال دفعة من هؤلاء أسرى حتى اليوم، واعترف الإسرائيليون من حيث المبدأ بضرورة إطلاقهم، وبالفعل أطلق جزء منهم في سياق المفاوضات العام 2013، في إقرار إسرائيلي بمبدأ إطلاقهم، ولكن توقف إطلاق البقية.
أضف لذلك كانت انتفاضة الأقصى العام 2000 نوعا من الحرب والمواجهة التي يدفع الفلسطينيون ثمنها بشكل باهظ، وأهم الأثمان، موافقة القيادة الفلسطينية على العودة لتطبيق التزامات الفلسطينيين التي رتبتها عليهم الاتفاقيات، دون أن يفعل الإسرائيليون ذلك. وهذه العودة، من طرف واحد، تعكس شعوراً لدى القيادة الفلسطينية بأنّ هناك هزيمة نتيجة للانتفاضة، وأنّ الفلسطينيين أخطأوا أثناء الانتفاضة، بغض النظر عن أن الإسرائيليين هم الذين دفعوا الأمور لتصبح انتفاضة عسكريّة. وكان المنطق، السائد لدى القيادة، وحتى القوى الدولية، أن التعاون و"ضبط" الأمن وسوى ذلك سيؤدي إلى العودة لعملية التسوية، ولكن هذا لا يحدث. وعندما يوافق الإسرائيليون على التفاوض، فهم يريدون العودة إلى "الحديث" من النقطة صفر، وليس على أساس الالتزام بما تمليه عليهم الاتفاقات السابقة والبدء من عندها.
يعاني الأسرى داخل السجون نفسها من أنّ غالبية الاتفاقيات التي تلي الإضرابات عن الطعام تكون شفوية، وكثيراً ما يتراجع عنها الإسرائيليون، ومن أمثلة ذلك أنّ أسرى قاموا بإضرابات فردية أسطورية عن الطعام، وقيل إنهم توصلوا لاتفاقات بمطالبهم مع الاحتلال، مثل سامر العيساوي ومحمد القيق، هما في السجن ثانيةً الآن، ثم إنّ جزءا كبيرا من الأسرى الذين أفرج عنهم في عملية تبادل "وفاء الأحرار"، هم في المعتقل الآن.
من هنا فإنّ اشتراط وطلب القيادة الفلسطينية الإيفاء بالالتزامات إزاء الأسرى، وتصحيح الأخطاء السابقة بشأنهم، وشن حملة دولية، والطلب من الدول الوسيطة في صفقات تبادل سابقة، خصوصاً مصر وألمانيا، الطلب من الإسرائيليين تنفيذ الاتفاقيات، ليس مهماً فقط لقطع الطريق على الحملات الإسرائيلية بشأن دفع مساعدات ومستحقات للأسرى وعائلاتهم، وليس مهماً فقط لأن الأسرى قضية اجتماعية سياسية وشعبية وإنسانية متفجرة، بل أيضاً لأنه دون التزام الإسرائيليين باتفاقيات والتزامات تتعلق بالأسرى فإن هذا يعني أن مبدأ تهرب الإسرائيليين من الاتفاقيات سيستمر، وأن منطق التفاوض ذاته لا معنى له.
إضافة لذلك، فإنّ تصعيد ملف الأسرى، مهم لأنه يعني تماسكا في الخطاب الفلسطيني بخصوص الحقوق الوطنية الفلسطينية، وإعلان موقف واضح أنّ الأسرى والشهداء جزء من الشخصية الوطنية الفلسطينية، وجزء من إعلان الحق بالنضال وبالوطن، ولعل تسمية كريم يونس، عضواً في اللجنة المركزية لحركة "فتح" خطوة في الاتجاه الصحيح.
تحاول هيئات دولية بقيت صامتة، وشبه صامتة، أثناء إضراب الأسرى عن الطعام، رغم مخالفات الإسرائيليين للقانون الدولي، أن تسوّق وتتساوق مع المطالب الإسرائيلية بوضع قيود على التكافل مع الأسرى، وتنكر على الفلسطينيين حقهم الاحتفاء بأبطالهم، من مثل قرار الأمم المتحدة وحكومة النرويج قبل أيام وقف دعم مركز اجتماعي في نابلس، لأنه سُمي باسم "دلال المغربي" الفدائية الفلسطينية الشهيدة العام 1978. ومثل هذا المنطق يحتاج وقفة جادة.
الأسرى حدث شعبي متفجر دائماً، وأي تراخٍ بشأنه في المفاوضات، يضر منطق التفاوض ذاته لأنه يحول المفاوضات لمجرد حديث عابر لا يجري الالتزام بنتائجه. والأسرى كما الشهداء، هم في صلب خطاب الحق الفلسطيني، وأي تراخٍ في تمجيد قضيتهم هو ضعف في الشخصية الوطنية الفلسطينية.