ترامب يسقط حماية أوروبا من روسيا -هآرتس
2017-06-01
إذا سمحنا لأنفسنا ببضع دقائق من الخيال الجامح وتخيلنا أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هو بالفعل عميل للكرملين، فإنه ليس هناك أدنى شك بأنهم سعداء جداً من أدائه. فخلال 130 يوماً من توليه منصبه قام بتلبية تطلعاتهم بصورة تتخطى أقصى تمنياتهم، فهو قوّض ثقة الشعب الأميركي بنفسه من خلال أوصاف صورت الدولة وكأنها على حافة الانهيار. هدم ثقة المواطنين بالديمقراطية من خلال إثارة الشكوك في صدقية العملية الانتخابية، وزعزع مكانة الإعلام الحر، وهاجم مؤسسة القضاء في محاولة واضحة لعرقلة التحقيق في صلاته مع الكرملين. كما أعلن ترامب كذلك الحرب على أجهزة الاستخبارات التي تقف كجدار في وجه مؤامرات روسيا، وشوّه سمعتها باتهامها بأن عملها تشوبه دوافع سياسية، وطرد بفظاظة أحد أهم رؤسائها وحاول استغلالها في خدمة حاجاته السياسية. وترامب، الذي أعلن نيته تجفيف مستنقع الفساد في واشنطن، إذا به يتبنى علناً توظيف أقاربه وتضارب المصالح والدفعات العلنية لأعماله وأعمال أولاده. وتحول البيت الأبيض في أيامه إلى صندوق للدفعات النقدية. ولا تقل إنجازات ترامب على صعيد السياسة الخارجية إدهاشاً. فهو دمر رؤية رونالد ريغن التوراتية بشأن «المدينة المشرقة على هضبة»، وتخلى عن تباهي الولايات المتحدة بالدفاع عن الحريات والأخلاق في العالم كله. وهدد بحروب تجارة وهجرة ضد كندا والمكسيك، الجارتين الجيدتين للولايات المتحدة، وحولهما إلى خصمين مفجوعين تسودهما الشكوك. وألغى بجرة قلم اتفاق التجارة الحرة مع شرق آسيا، وبذلك دفع دول المنطقة إلى البحث عن زعامة أكثر استقراراً في الصين، وهو الآن يهدد باستخدام الخدعة ذاتها من خلال الانسحاب من اتفاق باريس المتعلق بالتبدل المناخي. صحيح أنه استقبل كالمخلص والمنقذ في إسرائيل، وحظي باستقبال ملوكي في السعودية، واعتبر هدية من الله إلى الأمة السنية، وقصف سورية باعثاً البهجة في نفوس من انتقدوا الضعف الذي أبداه الرئيس الذي سبقه باراك اوباما، لكن من دون أن يغيّر ذلك شيئاً في وضع السوريين الذي يتعرضون للذبح والاضطهاد. لكن من المحتمل أن النجاح الأكبر والأكثر أهمية لترامب، على الأقل في نظر مشغليه الوهميين في موسكو، هو ما حققه في أوروبا على عتبة دارهم. فقد واظب ترامب على الامتناع عن توجيه النقد إلى الخطوات الروسية التي أثارت غضب الغرب في السنوات الأخيرة، بما في ذلك غزو أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وبالطبع التدخل الصارخ في انتخابات الديمقراطيات الغربية، أنه يصرح علناً ضد حجر الأساس التاريخي للتحالف الأطلسي وللجبهة الغربية- الديمقراطية. وتآمر ترامب علناً ضد الاتحاد الأوروبي من خلال تبني البركسيت [خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي]، وتشجيع الذين يقلدونه في شتى أنحاء أوروبا. وهو يخوض حملة ممنهجة من الافتراءات ونزع الشرعية ضد حلف شمال الأطلسي من خلال زرع الشكوك في قدراته وتهديد جوهر وجوده إذا لم تدفع دول أوروبا مساهماتها وحصتها في الدفاع عن نفسها. وأثار غضب دول البلطيق عندما لمّح إلى أنه لن يدافع عنها في مواجهة غزو روسي، وامتنع عن قصد عن ذكر التعهد بالدفاع المتبادل الموجود في أسس حلف شمال الأطلسي. وترك ترامب دول أوروبا مع الانطباع بأن الجدار الحديدي الذي حماهم في الـ70 عاماً الأخيرة صار ضعيفاً، وأن روسيا تنتظر بفارغ الصبر انهياره. وبالإضافة إلى الشك في أن روسيا تستغله أو على الأقل هي المسؤولة عن انتخابه، فقد تصرف ترامب في أوروبا بصفات من الغطرسة السافرة التي سيطر بواسطتها على قلوب ملايين الناخبين الأميركيين، لكن هذه الصفات جسدت في أوروبا الوجه الأميركي القبيح. واختار ترامب كي يظهر أكبر قدر من فظاظته بالذات لدى استقباله المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ربما لكونها امرأة، أو لأنها أكثر رصانة وخبرة وانضباطاً منه أو ربما لأنها كانت تود أوباما وبوش، أو ربما لأنه اعتقد أن ألمانيا ستقع في وقت قريب في قبضة حركة كبيرة يمينية انفصالية قد يجعل نفسه زعيماً لها. في الأيام الأخيرة أوضحت ميركل له بدقة كيف تراه، وذلك عبر مجموعة من التصريحات المذهلة التي مست بهيبته وبالانطباع الإيجابي الذي حاول أن ينشره حول زيارته في أوروبا، كما شككت في متانة الصلة التي تربط أوروبا بالولايات المتحدة. لقد زرع ترامب ريح الشر، وهو الآن يحصد عاصفة خطرة. إن التعددية التي تكمن في أسس الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى القيم الليبرالية، كانت محط كراهية العديد من الأميركيين منذ زمن بعيد، وقبل زمن طويل من دخول ترامب في الصورة. لكن حتى رؤساء محافظون وصقريون مثل جورج بوش عرفوا أهمية حلف شمال الأطلسي في الدفاع عن الغرب، ومدى أهميته بالنسبة إلى أوروبا وخاصة بالنسبة إلى ألمانيا، وأهميته لمحاربة الإرهاب. ومن أجل المحافظة على هذا كله، مع إجراء التعديل الصحيح لمساهمة أوروبا في الدفاع عن نفسها، فإن هذا يتطلب الكثير من اللباقة والحكمة، وهما صفتان لا يملكهما ترامب. هناك إسرائيليون كثر يشاركون اليمين الأميركي استخفافه بأوروبا، ويمكن أن نضيف إلى ذلك اللهجة التقليدية للقدس حيال سياسة الاتحاد الأوروبي في موضوع الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وعظاته بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في «المناطق». لكن الذين يحتفلون مع ترامب بالضجة الأخيرة التي أثارها، يجب أن يتذكروا أن الولايات المتحدة التي تنفر منها أوروبا، لن تتمكن من كبح مبادرات الاتحاد الأوروبي المعادية لإسرائيل، ولا هي ستمنع إلحاق الضرر بالعلاقات الاقتصادية الحيوية بين أوروبا وإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، يجب ألا ننسى أن إسرائيل قامت وازدهرت وقويت خلال سنوات وجودها ليس بفضل الدعم الأميركي فقط، بل تحت مظلة الحلف بين أوروبا والولايات المتحدة الذي حافظ على الاستقرار، وكرس الديمقراطية، وقاوم المخططات الشريرة للاتحاد السوفياتي، وأنقذ وأعاد بناء أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. إن الأمن القومي لإسرائيل مرتبط بصورة مباشرة باستقرار الأنظمة التي وقفت إلى جانبها. من المبكر الحديث عن خسارة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي أو خسارة علاقات الولايات المتحدة بالدول الأوروبية. لكن يجب أن نواجه الصاروخ غير الموجّه الذي اسمه دونالد ترامب. إن لسانه غير المنضبط وسلوكه غير المتوقع وغروره الذي لا يعرف حدوداً، يمكن أن يؤدي ذلك كله إلى ازدياد تدهور الوضع.