:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/12655

نورييغا كان عميلاً كبيراً لـ «الموساد»-يديعوت

2017-06-03

مناويل نورييغا، حاكم بنما، أطيح به في العمل العسكري الأكبر للولايات المتحدة منذ حرب فيتنام، حيث القوا القبض عليه، قدموه إلى المحاكمة، وقضى عقوبة سجن طويلة بسبب تجارة المخدرات وغيرها من الجرائم. في هذا الأسبوع أعلن في بنما عن وفاته عن عمر يناهز 83 سنة، وتنكشف الآن العلاقة الإسرائيلية مع الطاغية. حيث يتبين أنه بين عمله مع الـ «سي.آي.ايه» وصفقات المخدرات، عمل نورييغا أيضا على مدى السنين عميلاً كبيراً للغاية لجهاز الأمن الإسرائيلي. من أقام وتولى المسؤولية عن العلاقة مع رؤساء الحكم في بنما كان مايك هراري، الذي كان يسمى «شيفت»، وكان رئيس «قيساريا»، قسم العمليات الخاصة في «الموساد»، على مدى سنوات طويلة. وتعود بداية العلاقة إلى رحلة هراري إلى بنما في العام 1968، «بنما هي بلاد كلها ديوتي فري، بلا ضرائب، مع تمثيل لـ 180 بنكا دوليا، تتضمن تنمية هائلة واستثمارات دولية»، روى لي هراري في سلسلة أحاديث أجريناها في العام 2014، قبل بضعة أشهر من وفاته. كانت هذه آخر مقابلة أعطاها في حياته، وفي الرحلة ذاتها تعرض هراري لضغوط لجوجة من عميل محلي كي يلتقي برائد في الجيش شغل في حينه منصب المسؤول عن أمن المطار، وكان يدعى عمر توريخوس. واستمر اللقاء 12 ساعة، حيث اطلع هراري على إعجاب الضابط بدولة إسرائيل وبالأساس رمزها الأكثر إسرائيلية في حينه – موشيه دايان. ونشأت عن اللقاء علاقة صداقة عميقة. في 11 تشرين الأول 1968 قام توريخوس ذاته بانقلاب عسكري واستولى على الحكم في بنما. ومنذئذ كانت الدولة مفتوحة تماما أمام إسرائيل، وشدد هراري على القول إن «توريخوس لم يتلقَ منا المال. فلا مشكلة عندي لندفع 100 ألف دولار لعميل محلي ولكني لن أدفع دولارا واحدا لحاكم دولة. فعلى أية حال لم يكن بحاجة إلى مالنا، فقد كان له ما يكفي ليمولنا ولكننا ساعدناه بطرق أخرى». لقد وفّر «الموساد» لتوريخوس وأبناء عائلته العلاج الطبي الأفضل الذي كان يمكن لإسرائيل أن توفره، بل عثر على أبي راحل، زوجة توريخوس اليهودية، الذي هجر ابنته عندما تزوجت من غير يهودي، في الولايات المتحدة. اقنع هراري و»الموساد» الأب بالغفران لابنته، وعقدا احتفال لم شمل مثيراً للعواطف تم برعاية موشيه دايان. كان توريخوس سعيدا حتى السماء وممتنا للملائكة من «الموساد» ممن يحرسونه. مانويل نورييغا، رئيس مخابرات توريخوس، كان يعرف بالتعاون مع المخابرات الإسرائيلية بقيادة هراري. وقد ورث توريخوس بعد أن توفي هذا في ظروف غامضة، وواصل التعاون مع هراري ورجاله على مستوى الحميمية والصداقة ذاته. من المعقول الافتراض بأنه بفضل نورييغا خرجت إلى حيز التنفيذ عدة عمليات قامت بها أسرة الاستخبارات دونه كان من الصعب بل من المستحيل تنفيذها. في الحديث بيننا وافق هراري على أنه لا توريخوس ولا نورييغا كانا من الصالحين، وعلى الاتهامات بأنهما كانا متورطين بصفقات ظلامية من السلاح والمخدرات وقاما بتعذيب وقتل معارضيهما. من جهة أخرى طلب التأكيد على أنه «لم نكن متورطين أبدا في هذه الأمور، وكلاهما حرصا على ألا نكون على أية صلة بأمور من هذا النوع». اعتزل هراري خدمته في «الموساد» في العام 1980. حاول رئيس الوزراء، مناحيم بيغن، إقناعه بالبقاء ولكنه أصر. اشترط بيغن اعتزاله في أن يبقى في خدمة الاحتياط في «الموساد» وبالأساس أن يعمل مسؤولا على العلاقة السرية مع رؤساء الدولة في بنما، العلاقة التي رأى فيها بيغن ذخرا استراتيجيا لدولة إسرائيل واعتبرها ذات أهمية دراماتيكية لأمن الدولة. وبالتوازي أطلق هراري عدة مبادرات تجارية خاصة في مواضيع الري في بنما، بل واصل العلاقة مع حكام بنما، ممن حرصوا على التصويت لصالح إسرائيل في الأمم المتحدة، ما كان ذا أهمية كبيرة في حينه. في منتصف الثمانينيات بدأت العلاقات بين زعماء بنما والولايات المتحدة تتدهور إلى أن قرر الرئيس جورج بوش اجتياح بنما والاستيلاء على القناة هناك. وقبل أن يحصل هذا، توجهت محافل رفيعة المستوى في الإدارة إلى رئيس الوزراء، اسحق شامير، بطلب من هراري للتجند كوسيط بين بنما والولايات المتحدة. وكشف لي هراري النقاب عن أنه وضع صيغة حل وسط في إطارها يترك نورييغا الحكم بهدوء ويتمكن من الهجرة مع ماله الكثير إلى دولة أخرى يجد فيها ملجأ مريحا له. «في نهاية المطاف، بسبب الحروب الداخلية في الإدارة، انهارت المبادرة، واندلعت الحرب الزائدة». اجتاحت الولايات المتحدة بنما في العام 1989 فيما كانت تبحث عن شخصين – مانويل نورييغا ومايك هراري. وأعلنت الإدارة الأميركية عنه مطلوبا لقناعة الأميركيين بأنه كان المستشار الأقرب لنورييغا. اتهمت الولايات المتحدة هراري (الاتهام غير الصحيح) بأنه كان مشاركا في صفقات المخدرات والسلاح لصالح الطاغية، بل أعلنت بعد ذلك بأنها القت القبض على الرجلين أثناء احتلال قواتها للدولة. كان هذا إعلانا صحيحا في قسم منه فقط. وبالفعل ألقي القبض على نورييغا وقضى حكما مؤبدا في السجن الأميركي. أما هراري فنجح في الفرار «في غواصة إسرائيلية جاءت لإنقاذه»، هكذا اعتقد الأميركيون، وظهر مرة أخرى في بيته في حي أفكا في تل أبيب. كانت الحقيقة أن هراري نجح بمساعدة عملاء محليين في الفرار عبر البر، ولكن الوصمة التي لحقت بسمعته الطيبة، وكأنه كان مشاركا في صفقات نورييغا المشبوهة، أزعجته جدا حتى وفاته، وكانت من الأمور التي دفعته ليكتب مذكراته مع أهرون كلاين واللقاء معي، ما كان واضحا أنه لم يكن سهلا لأحد ما مثله.