استسلام لا سلاماً هذا ما يعرضه اليمين الإسرائيلي على الفلسطينيين-يديعوت
2017-06-20
سكّ وزير التربية والتعليم الإسرائيلي نفتالي بينت [رئيس «البيت اليهودي»] أخيراً مصطلحاً جديداً هو «سلام اليمينيين». وبحسب ما قاله [خلال مؤتمر صحيفة «هآرتس» للسلام الذي عقد، الأسبوع الماضي]، فإن هذا السلام هو انعدام الحرب، وهو السلام المُنطلق من القوة. وفي هذا لا خلاف مع بينت، فعندما يكون الطرف الموقع على اتفاق السلام عديم القوة، فإن الاتفاق هو اتفاق استسلام لا اتفاق سلام. لكن ما يجب ملاحظته هو أنه في عالم بينت كما يتضح مما قاله، لا وجود لطرف آخر أو لحاجاته وإرادته وقدراته وحقوقه، ونحن فقط نقرّر الخطوط الهيكلية للتعايش وفقاً لحاجاتنا الديموغرافية والأمنية والثقافية.
في ظل هذا العالم يكون بإمكان أشخاص مثل بينت أن يقرروا مثلاً أن «القدس فوق المنطق وفوق السلام»، وأننا نحن فقط من يقرر ما هي حدود الحكم الذاتي لفلسطين، وبالتأكيد ما هي حدود الدولة، ونتيجة لذلك ما هي حدود «الكيان الفلسطيني». وإذا كنا أقوياء بما يكفي سيضطر الطرف الآخر إلى قبول إملاءاتنا. بكلمات أخرى، السلام ليس خطوة اعتراف بالآخر ومحاولة التوافق معه بل خطوة من طرف واحد لا تعكس إلا حاجاتنا نحن.
لا شك في أن هذا التفكير النرجسي لـ»السلام» ليس من اختراع بينت، فعلى مدى التاريخ حاولت القوى العظمى أن تتصرّف على هذا النحو مع القوى الضعيفة، أي أنها أملت الشروط وقام الطرف الضعيف بالتوقيع. وهذا هو جوهر «سلام اليمينيين» الذي يدعو إليه وزير التربية والتعليم.
لكن على مدى التاريخ ثبت أن مثل هذا السلام ظل عاجّاً بالمشاكل. وحتى الكثير من الإمبراطوريات العظمى اكتشفت أن الأطراف المُهانة والغاضبة التي قبلت التوقيع على اتفاقيات سلام كهذه وهي تعض على النواجذ، سرعان ما التجأت إلى وسائل غير لطيفة للتعبير عن عدم رضاها.
الإنكليز مثلاً احتلوا فلسطينهم، إيرلندا، في القرن الحادي عشر، و»انطلاقاً من القوة» أملوا على الطرف الضعيف شروطهم (بالمناسبة تلك الشروط كانت أفضل بكثير من الشروط التي نعرضها على الفلسطينيين وتضمنت حقوق مواطنة كاملة بما في ذلك حق الانتخاب للبرلمان البريطاني). ومثلما فعلنا بعث الإنكليز بالمستوطنين إلى أرجاء إيرلندا كافة، وبين الفينة والأخرى قاموا بشنّ حملات عسكرية كان الهدف منها كيّ الوعي المحلي. ومع ذلك بعد 80 سنة إرهاب أو مقاومة مسلحة، جلس الطرفان على طاولة المفاوضات وتوصلا إلى اتفاق تم فيه أخذ حاجات الإيرلنديين في الاعتبار. وكانت فوارق القوة بين إنكلترا وإيرلندا كبيرة لدرجة أن هذه الأخيرة لم تشكل بالنسبة إلى الأولى أكثر من مجرد مصدر قلق.
إن السؤال المطروح هو ما إذا كان بوسعنا أن نسمح لأنفسنا بفكرة السلام اليميني وفقاً لمفهوم بينت؟
في الوقت الحالي يبدو أن الجواب هو نعم، لكن عند النظر إلى الأرقام والخرائط ومنظومة المصالح العالمية، فإن هذه الـ نعم تهتز. صحيح أن إسرائيل تتمتع حالياً بتفوق عسكري واضح، ومن السهل على المرء أن يثمل من هذا، لكن يظل من غير المُجدي القيادة في حالة الثمل هذه.
لقد وجد بينت أنه من المناسب أن يقتبس عن ديفيد بن غوريون قوله «ليس من حق الشعب اليهودي أن يتنازل عن أي جزء من البلد»، لكنه في الوقت عينه تناسى أنه من ناحية عملية تنازل عن أجزاء غير قليلة منها، وبرهن أن الأحلام في جهة والواقع في جهة أخرى تماماً. وعلى ما يبدو، فإن بينت ما يزال يعيش في الأحلام، أما نحن فنعيش في الواقع.