مخططات اميركا في سوريا مصيرها الفشل-ابو جورج
2017-07-06
ارتاب العالم مشككاً بالرواية الاميركية على وقع "تحذير" واشنطن لسوريا بأنها عازمة على شن حرب واسعة مباشرة عليها "لمعاقبتها" على هجوم بالأسلحة الكيميائية لم يحدث بعد.
الخطوة الاميركية أتت عشية كشف المحقق الصحفي الشهير، سيمور هيرش، عن "كذبة" ادارة ترامب باتهام سوريا في حادثة خان شيخون، في نيسان من العام الجاري، وما ترويجها لحادثةٍ لمْ تَقع الا محاولة لصرف الأنظار عن تقارير دامغة تدحض مزاعمها السابقة.
بالتزامن مع كشف اعترافات لمسؤولين أمنيين كبار في واشنطن بأن الادارة الأمريكية قامت بالكذب والتلفيق حول هجمة مزعومة بالسلاح الكيماوي لخلق ذريعة لهجومها الصاروخي على مطار الشعيرات السوري – أعلن البيت الأبيض مجددًا أنه "لاحظ استعدادات" لاستخدام السلاح الكيماوي من قبل دمشق.. وهو ما يصح اعتباره محاولة لدحض اعترافات مسؤولين أمريكيين رسميين عبر موجة جديدة من الكذب الأمريكي الرسمي..
فالصحفي الاستقصائي المرموق سيمور هيرش كشف عن شهادات غاية في الأهمية لمسؤولين ومستشارين أمنيين امريكيين، عرّت تماما التلفيقات التي أنتجتها وصبّتها واشنطن قبل ثلاثة أشهر بشأن استخدام الجيش السوري السلاح الكيماوي في خان شيخون، إدلب. بينما تقول مصادره بالمقابل إن تلك الهجمة الصاروخية الأمريكية على المطار جاءت بعد ضربة روسية-سورية مشتركة ونوعية لهدف ارهابي من الوزن الثقيل!
الشكوك بدعم واشنطن وتابعيها العربي والاسرائيلي لعصابات الارهاب التكفيرية، هي شكوك ترتقي لمرتبة اليقين. ليس هكذا عبثًا، بل في ضوء تحليل النهج والمصالح أو بفعل الوقائع الميدانية العديدة جدًا.
إن سجلّ الكذب الأمريكي عن "أسلحة الدمار الشامل" خدمةً لمصالح الهيمنة والنهب والاستغلال لم يبدأ في سوريا. إحدى قممه الوحشية كانت في العراق مطلع هذه الألفية.. أكوام من التقارير الكاذبة صعد عليها وتسلقها مجرمو الادارة الأمريكية لينفذوا مخطط تدمير العراق، وجميعنا يرى النتائج اليوم. "داعش" واحدة منها.. ولا تختلف عنها الاتهامات التي ما زالت تُطلَق ضد سوريا. ولكن بفارق واحد أنها اكاذيب فقدت الكثير من بريقها وسطوتها، بالضبط مثلما فقدت آلة الحرب الأمريكية المجرمة من قوتها بفضل روح المقاومة ونهج رفض الانصياع لإملاءاتها في المحور الذي سمّته بديماغوجية دنيئة: "محور الشر"..
بهذا السياق وعلى هذه الأرضية جددت الولايات المتحدة تهديداتها لسوريا متوعدة بتكبيدها "ثمناً باهظاً،" كما جاء في بيان البيت الابيض، 26 حزيران، على خلفية مزاعم بأن "الولايات المتحدة حددت استعدادات محتملة لشن هجوم آخر بالأسلحة الكيميائية .." واكد رسالة التهديد وزير الدفاع الاميركي، جيمس ماتيس، 28 حزيران، بأنه لن "يتحدث عن العمليات المستقبلية المحتملة على الاطلاق."
وابلغ ماتيس طاقم الصحافيين المرافق له لحضور مؤتمر وزراء دفاع حلف الناتو ان سوريا "تبدو أنها انصاعت للتحذير" الاميركي دون عناء ابراز أدلة على تطورات جد خطيرة قد تنزلق فيها المنطقة الى حرب لا تُبقي ولا تُذر.
من الطبيعي ان تتطابق الردود السورية والروسية برفض الادعاءات، وتحذير واشنطن بالمقابل بأن الانتصارات التي يحققها الجيش السوري "لن تتوقف،" سواء في درعا والجنوب، او دير الزور وتدمر، بعد ان ظفرت دمشق وحلفاءها بمعركة التنف على الحدود المشتركة مع الاردن، وتهاوي المشروع الاميركي لدق إسفين في خاصرة رخوة لسوريا، بشريط عمقه 12 كلم.
تفنيد الرواية الاميركية الرسمية أتى مفاجئا للبيت الابيض كونه جاء من مصادر عدة من الصعب الطعن فيها، ولجأت بمعاونة وسائل الاعلام الرئيسة كافة الى تجاهل كلي لتلك التقارير، فقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن أن فريقاً من العسكريين الاميركيين، بعضهم في قيادة القوات المركزية، أعرب عن دهشته من تحذير البيت الابيض، لهجةً وتوقيتاً، مشيرين الى أنهم لم يكونوا على علم بأي هجوم سوري من هذا القبيل، مما اضطر البيت الابيض صباح اليوم التالي اصدار بيان مفاده ان القرار الرئاسي "صدر بعد التشاور مع وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية ومدير الأمن القومي." الأمر الذي يستدرج تساؤلات حول طبيعة وأبعاد القرار ان كان بدافع توزيع الأدوار أم أنه يعكس خلافات حقيقية على رأس المؤسسة، وبشكل محدد بين وزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار ترامب للأمن القومي هيربرت ماكماستر.
الجزم في هذه القضية ليس بالأمر اليسير، لكن القرار الرئاسي، مهما كانت ابعاده، يعد القرار النافذ وينبغي التعامل معه على هذا الأساس، على الرغم من شعور المحللين والساسة والمراقبين بالإجماع ان "البيت الابيض والمؤسستين العسكرية والاستخباراتية تفتقد بمجموعها لرأي متطابق او سياسة" واضحة المعالم.
من الضروري الاشارة الى ان هاجس ادارة ترامب مرتبط عضوياً بقلق "اسرائيل" من تجذر معسكر المقاومة وتراكم الخبرات العسكرية والميدانية بكمٍ يُشهد له، واعادتها تصويب السهام باتجاه ايران بشكل خاص.
المسألة في جوهرها أبعد من "أسلحة كيميائية،" محتملة أو مختلقة، بين القطبين العالميين. انها صراع على النفوذ ومستقبل سوريا في منطقة لا تزال تشهد صراعاتٍ وهزاتٍ اجتماعية لن يغامر أحدهم بالتكهن الى ما ستؤول اليه الاوضاع المقبلة. وهو صراع يحشد فيه الطرفين حلفاءهما، لا سيما حلف الناتو وتمدده في اوروبا وبمحاذاة الحدود الطبيعية لروسيا.
إن إحدى المشاكل المرتبطة بهذا النهج الامريكي المجرم هي صفوف المصفقين والمذعنين العرب لهذه الأكاذيب، بسبب معارضتهم للنظام السوري. فانطلاقا من موقف شرعي قابل للجدل والنقاش والحوار، يُقدمون من خلال تبرير وتمرير الكذب الأمريكي على ارتكاب خطأ هائل إن لم نقل أكثر بحق سوريا كلها! لكن الغاية لا تبرر الوسائل!، خصوصًا حين تكون الوسيلة من إنتاج أكبر اعداء الشعوب والأمة العربية – إدارات وسياسات الولايات المتحدة الرسمية! فاليقظة والحذر والانتباه!