عودة العرب إلى إفريقيا.. إمكانية ما زالات متاحة-حسن العاصي
2017-07-11
بات مؤكداً أن الوجود الإسرائيلي في القارة الإفريقية قد انعكس سلباً على المصالح العربية ليس فقط في إفريقيا، إنما للأسف على مجمل القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية التي كانت تشكل محور رئيسي مشترك في العلاقات العربية الإفريقية، فقد خاب أمل إفريقيا التي يقول العديد من زعماءها أن الإهتمام العربي بالقارة السمراء لم يصل بعد إلى الحد الذي تأمله الشعوب الإفريقة، وأن التعاون مع العرب لم يحقق مصالح وطموح إفريقيا، خاصة أن الدول الإفريقية تمتلك اقتصاديات ناشئة تحتاج إلى دعم مادي وفني كبيرين، وهذا ما قدمته إسرائيل لها للأسف، لذلك نجد النفوذ الإسرائيلي يتصاعد بشكل هادئ وتدريجي، مقابل انحسار للدور والنفوذ العربي.
هل يستطيع العرب العودة بقوة إلى إفرييا ؟ من المؤكد أنه ليس مستحيلاً استعادة الدور العربي على المستوى الإفريقي، وأنه مازال ممكناً مواجهة النفوذ الإسرائيلي المتزايد في القارة، ولابد من الإهتمام بداية بالجانب الاقتصادي والعمل على زيادة معدلات النمو الاقتصادي من خلال المساعدات والاستثمارات طويلة الأمد، فالقارة لازالت في مرحلة النمو وتحتاج إلى معونات بغض النظر عن الدولة التي تقدمها، فقضايا المبادئ والحق تراجعت خلال السنين الماضية، ليحل مكانها الجانب المصلحي الذي يحرك سياسات قادة معظم دول إفريقيا –كما هي طل دول العالم- بغض النظر عن الجانب الديني أو المعنوي أو العاطفي، فبقدر ما تزيد الدول العربية من مساعداتها واستثمارها في إفريقيا، بقدر ما تستطيع استعادة مكانتها، وإبعاد إفريقيا عن النفوذ الإسرائيلي، ولكن في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الدول العربية الغنية –دول الخليج العربي- نتيجة تراجع اسعار النفط، هل تستطيع هذه الدول التصدي لهذه المهمة ؟ لانعلم ولا نظن أنه سوف تتخذ سياسات جدية مغايرة من قبل العرب تجاه إفريقيا في المستقبل المنظور، بسبب أيضاً الأزمات الحادة التي تعيشها معظم الدول العربية حالياً، تدهور العلاقات العربية-العربية، وتراجع ملحوظ في اهتمام العرب والمجتمع الدولي في العمل على إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية .
أن مشكلة الديون الخارجية كانت وستظل أخطر معوقات التنمية والتقدم في إفريقيا ، وفي الحقيقة فان القارة السوداءمازالت مرهونة تماما لرأس المال العالمي وللبنوك الكبرى وللشركات عابرة القارات ،وشهر العسل بين افريقيا والصين ليس هناك مايشير إلى تواصله، وتجربة اللجوء الى صندوق النقد الدولي لم ينتج عنها سوى المزيد من الخراب والتدهور الاقنصادي وتراكم الديون والانسحاق تحت مقصلة التضخم المالي الذي يقفز قفزا متصلا بلا توقف . هذا الوضع الذي تعيشه القارة الإفريقية استثمرته إسرائيل إلى أقصى درجة ممكنة في عودتها الى القارة باوجه متعددة , وستظل اسرائيل تعمل بلاشك على انشاء مرتكزات يصعب استئصالها بقرار سياسي أو موقف آني وستحاول اسرائيل تطوير شبكة علاقاتها الى مستوى التحالف الاسترتيجي مع بعض الدول الإفريقية.
بعد مرور أكثر من سبع وستون عاماً على قيام دولة الكيان الصهيوني فإن نجمة داود ترفع في العواصم الأفريقية، هذه القارة التي كانت تعتبر إلى وقت قريب منطقة نفوذ عربية بامتياز ، تنازلت الأنظمة العربية عن دورها التاريخي فيها فاسحة المجال إلى إسرائيل لتسرح وتمرح كيفما أرادت مقدمة خبراتها العسكرية والأمنية وغيرها ، وقد تكون قد بنت في بعض دولها مثل إثيوبيا واريتريا قواعد عسكرية سرية ، على غرار قواعدها في جمهورية جورجيا في القوقاز ، كي تستخدمها إسرائيل متى شاءت وكيفما أرادت كرأس حربة مسمومة تغرسها في خاصرة الدول العربية وخاصة مصر والسودان.
بالتأكيد أن مثل هذه التطورات ليست في مصلحة الدول العربية ، بل أنها تنطوي على تهديد للأمن القومي خاصة بعد نجاح إسرائيل في احتواء إريتريا حيث بات لها موطئ قدم على البحر الأحمر , وهذا يفرض على الأمة العربية ضرورة التحرك لمواجهة الغزو الإسرائيلي للقارة الإفريقية بشتى الوسائل ، فالدول العربية بحاجة إلى مراجعة واعية وأمينة بكل علاقاتها بالقارة ، والواقع أن مواجهة إسرائيل في إفريقيا لا يتطلب استنفارا في الإمكانيات فحسب وإنما في العقل العربي أيضا الذي غاب عنه وضع تصور استراتيجي لبناء علاقة مميزو مع إفريقيا بالمعنى الشامل ، فالدعم العربي لم يرتبط بمشروعات وبرامج محددة وإنما اخذ شكل إعانات للخزينة ، دون أن يترك أثرا اقتصاديا أو سياسيا ثابتا.
إن أمام العرب فرصة تاريخية لتدارك التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا وتحجيمه وذلك من خلال تحرك سياسي ودعم اقتصادي ... التحرك السياسي ينطوي على تفعيل دور البعثات الدبلوماسية العربية في الدول الإفريقية فلم يعد كافياً أن يظل السفراء وأعضاء البعثات داخل القصور والمنتجعات دون أن يشاركوا في الحياة العامة من خلال التعاطي مع منظمات المجتمع المدني وتوسيع دوائر الحوار معها ومن خلال المنتدبات والمناسبات القومية بمعنى أن يتحرك العرب إيجابياً لكسب ثقة الأفارقة وأن يكون للعرب دور في حل النزاعات العرقية والطائفية من خلال وساطات بين القوى المتنازعة وهذا لن يكون بدون الشق الآخر وهو الدعم والمساندة الاقتصادية أخذا في الاعتبار المصالح المشتركة بين العرب الأفارقة والتي تتغذى في جانب كبير منها على وحدة العقيدة خاصة في البلدان التي يمثل المسلمون فيها غالبية السكان .وكذلك زيادة حجم المعونات والهبات والمنح إلى الدول الإفريقية كمساهمة عربية في إقامة البنية التحتية في هذه الدول ، فضلاً عن المساهمة في مكافحة الأمراض المتوطنة وإنشاء المستشفيات والمدارس. تخصيص مبالغ لأقراض هذه الدول بسعر فائدة مميز ضئيل ويسدد على آجال طويلة. والعمل على إقامة استثمارات مشتركة في مجالات الزراعة والتصنيع وهذا يعمل على تحقيق فائدة للجانبين. فتح أبواب الجامعات والمعاهد أمام الأفارقة وهذا التوجه بالذات يخلق ترابطاً عضوياً وثقافياً بين الخريجين والدول الذين درسوا وعاشوا فيها . زيادة حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والإفريقية وتعظيم التواجد العربي فيها من خلال إقامة المعارض الدولية والبعثات الترويجية .لقد قامت إسرائيل بإنشاء "المؤسسة الدولية للتعاون" منذ عدة سنوات وتتبع مباشرة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وأوكل إليها مهمة الربط بين مؤسسات الدولة وشركات القطاع الخاص الإسرائيلية بهدف إحداث وتعميق اختراقات محكمة للقارة الافريقية، وعلينا أن نعلم أن الوجود الإسرائيلي في أفريقيا ليس هدفاً إسرائيليا فقط ، بل هو تعبير عن مصالح أميركية وغربية وإسرائيلية متشابكة تشابكا عضويا ، واسرائل تعمل على رسم وتنفيذ هذه المصالح عبر استرتيجية تعتمد بشكل رئيسي على تقديم المساعدات العسكرية لتثبيت أركان حكم معظم القادة الأفارقة لعلمها الحاجة الملحة لهذا النوع من الخدمات من قبل هؤلاء القادة ، خاصة خلال السنوات القليلة المنصرمة ، والتي شهدت تحولات كبيرة وعميقة في العالم العربي، وانتشار الأفكار المتشددة لدى قطاعات غير قليلة من الشباب العربي الذي يعتقد بمشروعية ممارسة العنف لتحقيق أهداف عحزت الأجيال السابقة عن تحقيق ولو جزء منها لأسباب متعلقة بالظلم والتعسف الذي تمارسة معظم الأنظمة العربية بحق مواطنيها، هذا الخطر بدأت القارة السمراء تتلمس سهولة انتقاله إلى دولها مما يشكل خطراً مصيرياً يتربص بها ، وهنا يظهر دور اسرائيل باعتبارها الظرف الذي يقدم الخدمات المهمة للقضاء على هذا التهديد .
على العالم العربي تقع مسؤولية مراجعة شاملة ودقيقة لعلاقتها مع دول القارة السمراء بما يحقق المصالح الاستراتيجية المشتركة، ويضمن عدم تحول افريقيا إلى مستوطنة إسرائيلية.