ربحنا الجولة الأولى من معركة الأقصى- معتصم حمادة
2017-07-29
لم تعد السلطة الفلسطينية بحاجة إلى المزيد من الإختبارات ليتأكد فشل مشروعها السياسي، الذي تبنته القيادة المتنفذة في إتفاق أوسلو بديلاً للبرنامج الوطني الفلسطيني. فبعد ربع قرن من العملية السياسية، وما إجتاحتها من خضات وعقبات وانتفاضات وتحولات عنيفة، ما زلنا عند نقطة البداية، خاصة بعد أن أعلن ترامب أنه لا يملك مبادرة سياسية وأنه يؤيد ما يتفق عليه الطرفان. في الوقت نفسه يتجاوز رئيس السلطة هذه الحقيقة، ويتجاهلها ليعلن تأييده لمبادرة ترامب (المزعومة) وليعلن شراكته لسياسة ترامب في المنطقة. وهي السياسة التي كشفت تحركات مبعوث البيت الأبيض جيسون غرينبلات أنها تتطابق، بل وتتبنى المشروع الإسرائيلي كاملاً، بدءاً من شروط تل أبيب لإستئناف المفاوضات وصولاً إلى النتائج المرتقبة.
بعد ربع قرن من المفاوضات الفاشلة فلسطينياً، والتي وفرت في الوقت نفسه للجانب الإسرائيلي الفرص الكبرى لإحداث تغييرات واسعة على الأرض، في القدس المحتلة وفي أنحاء الضفة الفلسطينية، وفي أحداث تحولات في المفاهيم السياسية حتى لدى النخب في السلطة الفلسطينية... مازالت السلطة الفلسطينية تراهن على المزيد من المفاوضات، سلاحها الوحيد الإنتظار، بينما الزمن الإسرائيلي يفعل فعله في الحالة السياسية، ويتفاعل مع الحالة الإقليمية، ويحصد النتائج الإيجابية لصالح مشروعه، ويسيطر على زمام المبادرة السياسية، وهذه كلها علامات تضاف إلى مظاهر الفشل السياسي لمشروع السلطة.
قدمت السلطة نفسها بإعتبارها نواة للدولة الفلسطينية التي كان يفترض، حسب الإتفاقيات، أن تقوم خلال خمس سنوات من توقيع الإتفاق وبداية تنفيذه (أي في سقف زمني لا يتجاوز حزيران (يونيو) 1998). بعد عشرين عاماً على هذا الموعد، تجد السلطة الفلسطينية نفسها في دوامة البحث في شروط إستئناف جولة جديدة من المفاوضات. مفاوضات تضع شروطها هذه المرة تل أبيب، وتتبناها واشنطن، وتقدم لرام الله على أنها ملزمة وأنها الممر الإجباري للمفاوضات في ظل بديل وحيد، هو الإنتظار الفلسطيني القائل، والتحرك الإسرائيلي في بناء وقائع يومية تسهم إلى حد كبير في صناعة النتائج المسبقة لأية مفاوضات قادمة.
* * *
لا يقتصر فشل النظام السياسي الفلسطيني القائم، على وصول مشروعه السياسي إلى الطريق المسدود، وعلى إفلاسه السياسي وعدم إمتلاكه بدائل، في ظل إلتزامه الإتفاقيات الموقعة، وإرتهانه لشروطها، [بينما الجانب الإسرائيلي، وبإعتراف صحافته، ينتهك يومياً هذه الإتفاقيات ولا يلتزم شروطها] بل إمتد الفشل الى الحد الذي طال المؤسسة الفلسطينية، التي تعاني هي الأخرى من الشلل، ولأسباب سياسية أفرزت وقائع تنظيمية مؤسساتية مفضوحة. ففي ظل نزعة التفرد والإستفراد، وإنتهاك مبادئ وشروط وآليات وبرنامج الإئتلاف الوطني الفلسطيني، وفي ظل إستهتار كامل بمبدأ الشراكة الوطنية [واستبداله بمبدأ التبعية وإلتزلم والزبائنية وشراء الذمم الفردية والجماعية] أصيبت مؤسسات م.ت.ف، بالشلل.
الإنقلاب السياسي على المنظمة وبرنامجها، والذهاب إلى إتفاق أوسلو، بخطوات منفردة، هو الخطوة الأولى نحو شل مؤسسات م.ت.ف. لذلك نلاحظ أن المجلس الوطني، أي الهيئة التشريعية العليا، والمفترض بها أن تصوغ البرنامج الوطني الفلسطيني، بإعتبارها عنواناً لوحدة الشعب وقواه السياسية، وعنواناً للإئتلاف الوطني التنظيمي والمؤسساتي والبرنامجي، مازال مشلولاً منذ أن تمّ زجه عام 1996 في الموافقة (المنقوصة والملتبسة سياسياً وقانونياً) على إتفاق أوسلو. وتحولت قضية إنعقاد المجلس الوطني نفسها الى مشكلة سياسية من الطراز الأول، خاصة بعد أن أصبح هدف القيادة المتنفذة من هذا الإنعقاد، ليس إرساء أسس الإئتلاف الوطني، وليس تكريس مبادئ الشراكة الوطنية، وليس العمل على تطوير آليات العمل الوطني المشترك، بل صار الهدف من إنعقاد المجلس الوطني هو ما يسمى «تجديد شرعية القيادة»، أي شرعية مشروعها السياسي الفاشل، والذي وصل إلى الطريق المسدود. لذلك كان واضحاً لماذا عطلت القيادة المتنفذة نتائج إجتماع اللجنة التحضيرية في بيروت (شباط 2017) التي قررت تشكيل مجلس وطني جديد، تشارك فيه كل القوى السياسية، ويعقد في مكان يحضره الجميع، على طريق إعلان سقوط أوسلو، والعودة إلى العمل بالبرنامج الوطني الإئتلافي، برنامج العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة، برنامج الجمع بين العمل في الميدان، والعمل السياسي. الجمع بين المقاومة بكل أشكالها، والحراك الدبلوماسي وتدويل الحقوق والقضية الوطنية.
كذلك من علامات فشل النظام السياسي تعطيل المجلس المركزي بصلاحياته المعروفة. ولا حاجة لتوضيح الأسباب والدوافع التي تقف خلف قرار تعطيل المجلس المركزي، خاصة بعد قراراته المعروفة في 5/3/2015، والتي شكلت مدخلاً للخلاص من أوسلو وإلتزاماته، والعودة إلى رحاب البرنامج الوطني، بما في ذلك وقف التعاون الأمني مع الإحتلال، ومقاطعة الإقتصاد الإسرائيلي، وإستئناف ورعاية وحماية المقاومة الشعبية وتدويل القضية والحقوق الوطنية.
ودون إطالة، يمكن لأي مراقب أن يطلع على الواقع المأساوي الذي تعيشه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، التي أفرغت من صلاحياتاتها، وأحيلت هذه الصلاحيات، عبر التسلط والتفرد، إلى المطبخ السياسي المقيم في مقر المقاطعة في رام الله.
كذلك من علامات فشل النظام السياسي تعطيل المجلس المركزي بصلاحياته المعروفة. ولا حاجة لتوضيح الأسباب والدوافع التي تقف خلف قرار تعطيل المجلس المركزي، خاصة بعد قراراته المعروفة في 5/3/2015، والتي شكلت مدخلاً للخلاص من أوسلو وإلتزاماته، والعودة إلى رحاب البرنامج الوطني، بما في ذلك وقف التعاون الأمني مع الإحتلال، ومقاطعة الإقتصاد الإسرائيلي، وإستئناف ورعاية وحماية المقاومة الشعبية وتدويل القضية والحقوق الوطنية.
ودون إطالة، يمكن لأي مراقب أن يطلع على الواقع المأساوي الذي تعيشه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، التي أفرغت من صلاحياتاتها، وأحيلت هذه الصلاحيات، عبر التسلط والتفرد، إلى المطبخ السياسي المقيم في مقر المقاطعة في رام الله.
* * *
هذا الفشل، على مستوياته المختلفة، هو الذي قاد السلطة الفلسطينية، في لحظة الحرج التي إستشعرتها بإنفجار الوضع في القدس، إلى الإستنجاد بالوسيط الأميركي، على أمل أن يتدخل لتوفير آلية تعاون مع تل أبيب، لإزالة أسباب الغضب الشعبي.
هذا الفشل، على مستوياته المختلفة، هو الذي قاد السلطة الفلسطينية، في لحظة الحرج التي إستشعرتها بإنفجار الوضع في القدس، إلى الإستنجاد بالوسيط الأميركي، على أمل أن يتدخل لتوفير آلية تعاون مع تل أبيب، لإزالة أسباب الغضب الشعبي.
تحرك قيادة السلطة في ساعاته الأولى، لم يكن يهدف إلى رعاية الإنتفاضة الشعبية ودعمها، كما يفترض أن يكون، وكما قرر المجلس المركزي في دورته الأخيرة، بل تطويق هذه الإنتفاضة وإخماد نيرانها قبل أن تمتد إلى كل مكان في الضفة الفلسطينية، وقبل أن تخلق وقائع سياسية جديدة، تحشر السلطة الفلسطينية في زاوية ضيقة، تجد فيها نفسها متناقضة بين إلتزاماتها الأمنية والسياسية، وبين الواقع الذي يفرضه الشارع بصلابته وتماسكه وموقفه الواضح غير القابل للمساومة. لذلك لا مبالغة في القول إن الشارع إبتعد، في مساره النضالي، عن القيادة الرسمية، وإنفصل في مساره الكفاحي عن مسار السلطة الفلسطينية، ورسم لنفسه منحى جديداً، هو منحى الدفاع عن الأرض والحقوق عن القدس، والمقدسات، في قناعة راسخة أن المقاومة هي وحدها السبيل الوحيد لمجابهة العدوان الإسرائيلي، وهي السبيل الوحيد لإرغام الجانب الإسرائيلي على التراجع عن إجراءاته.
لذلك يجب القول إن الإنتفاضة الشعبية، في القدس، وفي الضفة، وصداها الكبير في الشارع العربي، وفي عواصم القرار، هي التي أرغمت المبعوث الأميركي غرينبلات على القدوم إلى المنطقة (رغم أنه لا يحمل إلا ما يرضى إسرائيل)، وهي التي أرغمت الرأي العام على التحرك، وهي التي أرغمت نتنياهو على تفكيك بواباته الإلكترونية، وإستبدالها بالكاميرات الخفية.
في السياق نلاحظ كم كان خطاب الرئيس عباس باهتاً، لأنه كان دون قرارات المجلس المركزي، وكان، مقارنة مع قرارات اللجنة التنفيذية، خطوة إلى الوراء، وكان مقارنة مع الغضب الشعبي، دبلوماسياً أكثر من اللازم، أمسك العصا من الوسط، أوحى وكأنه يستجيب للإرادة الشعبية، لكنه كان في الوقت نفسه يعطي للمساومة هامشاً شطبته وقفات الشارع الفلسطيني، وإصراره على رفض كل الإجراءات الإسرائيلية، التي من شأنها أن تكرس السيادة الإسرائيلية وأن تلقي القبض على الحرم القدسي الشريف وعلى الكرامة الوطنية للفلسطينيين.
ربحنا الجولة الأولى من معركة الأقصى
وأمامنا جولات أخرى■
في السياق نلاحظ كم كان خطاب الرئيس عباس باهتاً، لأنه كان دون قرارات المجلس المركزي، وكان، مقارنة مع قرارات اللجنة التنفيذية، خطوة إلى الوراء، وكان مقارنة مع الغضب الشعبي، دبلوماسياً أكثر من اللازم، أمسك العصا من الوسط، أوحى وكأنه يستجيب للإرادة الشعبية، لكنه كان في الوقت نفسه يعطي للمساومة هامشاً شطبته وقفات الشارع الفلسطيني، وإصراره على رفض كل الإجراءات الإسرائيلية، التي من شأنها أن تكرس السيادة الإسرائيلية وأن تلقي القبض على الحرم القدسي الشريف وعلى الكرامة الوطنية للفلسطينيين.
ربحنا الجولة الأولى من معركة الأقصى
وأمامنا جولات أخرى■