التبادل السكاني: نكبة جديدة في الأفق...-سهيل كيوان
2017-08-03
تكمن خطورة فكرة التبادل السكاني المقترحة بين أم الفحم ومستوطنات غوش عتصيون، كون رئيس الحكومة نتنياهو عرضها مؤخرًا بشكل علني على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبهذا فهو يبحث عن موافقة أميركية وعربية، وعلى رأسهم العربية السعودية والإمارات ومصر السيسي، هذه مؤشرات خطيرة تقول إن هناك خطة صارت جاهزة ومتبلورة بانتظار اللحظة المناسبة لتطبيقها.
تأتي هذه الفكرة القديمة الجديدة في سياق يهودية الدولة التي تعني التخفيف قدر الممكن من نسبة المواطنين العرب في دولة اليهود بحيث يهبط عددهم إلى أقل من 20% من السكان، وهي نفس الخطة المزمع تنفيذها في القدس ومنطقتها التي تطبق من خلال العزل والجدران وسحب الهويات للتخفيف من نسبة العرب، وهي نفس الخطة الجارية حاليا في النقب ضد العرب من ترحيل وهدم ومصادرات.
هناك من يتساءل بسذاجة وما الضرر من ضم أم الفحم إلى السلطة الفلسطينية مقابل ضم غوش عتصيون لإسرائيل!
هذا التبادل المقترح يأتي بعد مصادرة عشرات آلاف الدونمات من أراضي أم الفحم وقرى الروحة والمنطقة التي يعيش الكثير من سكانها في أم الفحم والقرى المجاورة منذ عام النكبة، هذا البرنامج يعني تحويل الحاجة الطبيعية للتكاثر السكاني لأهالي أم الفحم على حساب الأرض التي يفترض أنها تحت السيادة الفلسطينية بدلا من التوسع الطبيعي على أراضي أم الفحم الأصلية التي صادرتها إسرائيل أو على أراضي الدولة التي يجب أن تمنح مواطنيها مكانا للبناء أو شققا للسكن مثل أي دولة طبيعية، والتي تقام عليها مستوطنات لليهود فقط، وبالمقابل ضم ما يسمى غوش عتصيون بسكانه ومستوطناته الأربعة عشرة والأرض التي تحت نفوذها وتضم مئات آلاف الدونمات من الأرض الفلسطينية المحتلة والمصادرة منذ عام 1967 حتى يومنا إلى إسرائيل، هذا يعني باختصار خذوا البشر وتكفلوا أنتم باحتياجاتهم بالتوسع الطبيعي من غير أرض، بينما نأخذ نحن أرض غوش عتصيون وسكانها اليهود والأرض.
غوش عتصيون من خلال سياسة المصادرة عشرات أضعاف ما تملكه أم الفحم من احتياطي أرض ومساحة نفوذ. هذا يعني تحويل أم الفحم إلى مخيم آخر للاجئين بطبعة جديدة، لأنه محكوم عليها سلفا بمساحة محدودة من الأرض.
لهذا يجب مقاومة هذا المخطط من أساسه، فهو امتداد لما يجري في النقب من مصادرات وهدم وترحيل وما يجري من تهويد مستمر ومتسارع للمثلث والجليل والقدس، الصورة أكثر من واضحة، والخطورة فيها أنها ارتقت إلى مستوى المصادقة على التنفيذ من قبل دولة ترامب ومن بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية وبمباركة السيسي عن طريق دفع محمد دحلان إلى صدارة المشهد الفلسطيني وما أدراك ما دحلان، فهو الذي أعلن عن قدرته على ما لا يقدر عليه أبو مازن من تنازلات، وهو المتهم الأول فلسطينيًا باغتيال الشهيد ياسر عرفات.
البرنامج في التحريك السكاني سيكون أمرًا هامشيًا وصغيرًا جدًا قياسًا بما يجري من تقسيمات طائفية ومذهبية وقومية في سورية والعراق واليمن وتركيا، والحديث عن نقل مواطنة خمسين أو سبعين أو مائة ألف إنسان إلى كيان مجاور سيكون أمرًا ثانويًا على مستوى دول مثل مصر والسعودية وأمريكا التي ترى فيهم شارعًا صغيرًا في حي ما في مدينة مثل طنطا أو الاسكندرية، وبلا شك أنهم سيتقبلون الفكرة ببساطة، لأنه لا يعرف خطورتها على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم سوى أصحابها، ولهذا علينا أن نبدأ بمقاومة الفكرة وبقوة وبتنظيم منذ الآن، وعدم التهاون والتجاهل، ورفعها إلى أعلى المستويات الدولية، وتوضيح خطورتها لأنها تمس عصب القضية الفلسطينية برمتها بينما تبدو للبعيد كخطوة بريئة.
لقد أثبتت معركة البوابات الأخيرة في الأقصى أن العمل الجماهيري أقوى سلاح ممكن أن نستخدمه في وجه السياسة المتطرفة. وأثبتت أنها أكثر تأثيرًا بما لا يقاس من الخطابات والاستجوابات في الكنيست، وأن الذي يقرر في نهاية الأمر هو قدرة الجماهير وجاهزيتها على التصدي وتنظيمها الجيد، وأن نضال شعبنا الحقيقي ليس في الكنيست بل على أرض الواقع، العمل البرلماني هو نقل رسالة شعبنا بوضوح للأذن اليهودية، وهو رسالة بحقنا في الانتخاب كجزء من دولة المواطنة التي نسعى ونطالب بها ولكننا لسنا جزءا من ماكنة اتخاذ القرارات المصيرية التي يشترك فيها اليمين والوسط وحتى اليسار الإسرائيلي مثل توحيد القدس ويهودية الدولة وحتى التبادل السكاني المقترح، وكي لا نعزل أنفسنا عن الرأي العام اليهودي وحتى العربي. ولكن أخطر ما أصابنا هو حصر نضال جماهيرنا في المنبر البرلماني في القضايا المصيرية، وتحويل الفذلكات الخطابية إلى إنجازات كبيرة تمنح صاحبها شعبية بينما هي تساوي صفرًا على أرض الواقع.
تحويل البرلمان إلى "مربط خيلنا" جعل الجماهير تتساءل في كل قضية تواجهها "أين أعضاء الكنيست العرب"! ولا أحد يسأل ماذا فعلت الجماهير في قضايا مصيرية كقضية النقب مثلا!