ازمة الحرم وعمل الكابينت- دروس وتوصيات- هآرتس
2017-08-05
انتهت الازمة التي نشبت حول الحرم في هذه المرحلة، ولكن الميزان العام حولها غير مرضٍ. لانه لا شك بأن احداثاً بمزايا مشابهة ستقع في المستقبل وسيكون من المهم انهاؤها بأضرار سياسية وامنية اقل على دولة اسرائيل، وينبغي وجود عملية دراسة وتحقيق ليس تحقيقا للبحث عن مذنبين، بل تحقيق يسعى الى استخلاص الدروس التي تساعد الكابينت السياسي والامني على أداء افضل في الازمة التالية.
يخيل أن ذروة ازمة الحرم باتت خلفنا. فخلاصة الاحداث تفيد انه بالرغم من بعض التوقعات، فإن الشرق الاوسط لم "يشتعل". فالجمهور وزعماء المنطقة مشغولون جدا في ازمات أخرى. كما أن الانتفاضة الثالثة ليست على الابواب. ولكن لا يمكننا أن نتجاهل المظاهر الخطيرة للازمة، وعلى رأسها عمليتان ضد الاسرائيليين (في الحرم وفي حلميش)، التوتر العالي مع الاردن، استمرار تدهور العلاقات بين الجمهور اليهودي والجنهور العربي في اسرائيل، وتآكل أخر في فكرة السيادة الغامضة لاسرائيل في الحرم.
مثلما في حالات الماضي، تحوم فوق الازمة سحابة وهي مسألة النتائج والاستنتاجات التي استخلصتها اسرائيل من الاحداث: هل سجل انجاز سياسي أم امني في صالحها؟ صحيح أن لا حاجة الى لجنة تحقيق او تقرير آخر عن عمل الكابينت، ولكن انتطلاقا من الافتراض بأنه يوجد احتمال في أن تقع احداث ذات مزايا مشابهة في المستقبل- من المهم اجراء عملية دراسة وتحقيق. وهدف العملية المقترحة ليس قطع الرؤوس والبحث عن مذنبين، بل سعي لاستخلاص دروس تساعد الكابينت السياسي على أن يؤدي دوره بشكل افضل في الازمة التالية.
من الصعب عزل عمل الكابينت. فقدرة اتخاذ القرارات لديه تضررت بسبب الخصومة السياسية الحادة بين اعضائه، التسريبات لوسائل الاعلام، التخوف من لجان التحقيق في المستقبل وضعف الهيئة التي من المفترض أن تعد البنى التحتية لجلساته- مجلس الامن القومي. وعليه فضروري اجراء تحقيق لا يركز على مجرد عمل الكابينت بل على المسائل الجوهرية والمبدئية والاهداف الاستراتيجية لاسرائيل. وفنذ ما بعد الحدث الارهابي في الحرم، حيث قتل شرطيان اسرائيليان، كان ينبغي تحديد اهداف واضحة والبحث في ضوئها في كل نقطة زمنية في أثناء تطور الازمة، القرارات بشان المنفعة والمخاطر المحتملة، التي تنطوي عليها سياسة الكابينت والاعمال المتخذة بناءا عليها.
الهدف الاول هو أمن المصلين، الزوار ورجال قوات الامن في الحرم. في هذا الاطار، كان سليما التأكد بأنه لا يوجد مزيد من السلاح في مجال الحرم وتصعيد الرقابة لمنع تهريب السلاح في
المستقبل. الهدف الثاني هو احتواء الحدث أي منع انتشار التوتر والمواجهة الى مناطق يهودا والسامرة ومنع التصعيد مع العالم العربي والاسلامي. الهدف الثالث هو حفظ وتعزيز علاقات اسرائيل مع دائرة الدول التي تتقاسم معها المصالح المشتركة في المنطقة وفي اطار ذلك حفظ اتفاقات السلام مع مصر والاردن، والتعاون مع السعودية ودول الخليج.
الهدف الرابع هو حفظ الردع الاسرائيلي، تثبيت صورة القوة الاسرائيلية وتجسيد الثمن الذي يترافق مع المس بأمن اسرائيل بالعمليات الارهابية او بكل وسيلة اخرى. الهدف الخامس هو تثبيت شرعية دولية لعمل اسرائيلي، مع التشديد على الاتفاق مع الادارة الامريكية، الهدف السادس هو ترسيخ سيادة اسرائيل في الحرم بما في ذلك المسؤولية عما يجري في المجال، ولا سيما في الجانب الامني- الى جانب فهم مجلات مسؤولية الاوقاف ومكانه الاردن في الموقع، كما يتمان عمليا منذ 1967 وتثبيتها في اطار اتفاق سلام بينه وبين اسرائيل.
بشكل طبيعي، هناك توترات بين الاهداف المختلفة التي عرضت. والتفكير الاستراتيجي الصحيح يعرف كيف يحدد سلم اولويات ويجد التوازن الحساس بين الاهداف، وفقا للآلية الناشئة وفي ضوء المصالح المبدئية التي حددت. عندما نشبت الازمة في الحرم كان يبدو في البداية أن موضوع الامن هو ذو الوزن الاكبر الذي على الطاولة، ولم يكرس بحث كاف للاهداف والمواضيع الاخرى. هكذا حصل عندما نصبت البوابات الاكترونية في المجال دون الحوار مع الاوقاف ودون التنسيق مع الاردن، السلطة الفلسطينية ومصر. ومنحت الخطوة احادية الجانب فرصة لأعداء اسرائيل للسعي الى هز أركان الواقع. حماس، الحركة الاسلامية- الجناح الشمالي، قطر وتركيا نبشوا وسعوا جميعهم الى تصعيد الاحداث.
في الاسبوع الثاني لاندلاع الازمة، وبالتاكيد بعد الحدث الارهابي في حلميش نشأ توتر بين الاهداف الاستراتيجية من جهة تخوف من التصعيد والحاجة الى الاحتواء وحفظ التحالق الاقليمي مع الدول السنية، ومن جهة اخرى احتياجات الامن والخوف من خلق سابقة الاستسلام تحت الضغط. وللمفارقة، فإن الحادثة في نطاق سفارة اسرائيل في الاردن، حين قتل مواطنان اردنيين اثنان بنار حارس اسرائيلي سمحت لاسرائيل باعادة ترتيب الاوراق. فأمام ناظريها كان منع التصعيد وحفظ اتفاق السلام مع الاردن، بثمن اخذ مخاطرات في الجانب الامني وضرر معين للردع وبالسيادة الاسرائيلية الجزئية على الحرم.
في ضوء السلوك الاسرائيلي، ينبغي فحص عدة مسائل من اجل الاستعداد الافضل لازمة مستقبلية: اولا، يجدر السؤال اولم يكن صحيحا الاكتفاء بعد العملية في الحرم بالتفتيش الفوري في
المساجد (حيث لم يعثر على سلاح بالفعل) وتركيز العمل الامني على خطوات مدروسة ومنسقة قدر الامكان مع الاردن، مصر والسعودية؟ ثانيا، هل فحصت امكانية مشاركة قوى اكثر اعتدالا من الجمهور العربي في اسرائيل، في السلطة الفلسطينية، في الاردن وفي مصر، في خطوات تحتوي التصعيد؟ لو كان الاحتمال لذلك متدنيا على اية حال، وكان صحيحا التوجه للبحث عن حلول تكنولوجية وعملياتية، او لم يكن مطلوبا ان تكون هذه على مستوى ادنى من البوابات الالكترونية، فتساهم في حفظ الامن دون اهانة زائدة للمصلين (الذين في معظمهم لا يشاركون في اعمال العنف)؟
ثالثا، هل تقدير محافل المخابرات والاستخبارات بشأن اندلاع انتفاضة ثالثة أو"انفجار بركان" في الشرق الاوسط في أعقاب اتخاذ الخطوات الامنية في المجال كان مسنودا، ام انه عرض حالة متطرفة؟ ماذا كان يمكن أن تكون الخطوات الاكثر اعتدالا التي كانت ستتسبب بعدم تحقق هذا التقدير؟ رابعا هي مسألة طول النفس والصمود الاسرائيلية. ما هي قدرة دولة اسرائيل على احتمال مظاهرات غير عنيفة على مدى زمني يزيد عن اسبوع. وهل، في حالة انه يمكنها، لم يكن صحيحا الفحص على مدى الزمن قدرة صمود المتظاهرين الذين وقفوا ضد قرار اسرائيل. هل هناك خطوات مدروسة ولكن حازمة كان يمكنها ان تمارس ضغطا نفسيا وجوهرايا عليهم وتجبرهم على العودة الى الموقع حتى بدون الايفاء بكامل مطالبهم؟ الشكل الذي حلت فيه الازمة واحساس الانجاز من شأنهما ان يشجعا على الضغط وعلى المزيد من المطالبات.
خامسا ينبغي فحص توقيت الاحداث بالنسبة الى التنسيق مع الولايات المتحدة مدى مشاركة الاخيرة في حدث مثل هذا النوع وقدرتها على استخادم نفوذها على الدول السلمية. واخيرا، على مستوى استراتيجي اعمق هل راعت دولة اسرائيل في ادارتها لازمة الحرم تأثيراتها على التحديات الامنية الاكبر التي امامها؟ بتعبير آخر ماذا يمكن ان يكون تاثير سياسة اسرائيل على مواضيع ثقيلة الوزن مثل الانتشار الايراني في المنطقة، المواجهة المستقبلية مع حزبالله ومحاولة استئناف المسيرة السياسية الفلسطينية.
الاجوبة التي ستعطى للكابينت، من اجراء البحث المقترح هنا ستساعد اسرائيل على المواجهة الافضل للازمة التالية. معقول ان تاتي آجلا ام عاجلا، سواء كنتيجة لتآكل الردع الاسرائيلي عقب الانثناء في الازمة المذكورة التي بثت ضعفا، ام من الحاجة لصد التحريض المتواصل أم من تطلع المحور الراديكالي لاستغلال الفرص في الساحة الفلسطينية لتصعيد يمس باسرائيل. من
المهم أن يوجه الكابينت، في نظرة الى الامام، هيئات التنفيذ المركزية لبلورة سياسة للجاهزية والوقاية تكون افضل والاستعداد بناءا على ذلك.
في هذا الاطار ينبغي ان تتحقق مع مصر والولايات المتحدة تفاهمات وآليات لتدخلهما في المستقبل في ازمات مشابهة. ضروري اعادة بناء العلاقات مع الاردن واشراكه في نتيائج البحث، عبر الاعتذار ودفع التعويضات لعائلة القتيل الاردني في الحادثة في عمان (الذي لم يشتبه بالاعتداء على الحارس)، يجب تطوير ادوات لادارة دائمة في الحرم بالمشاركة مع الاردن وجهات اخرى مسؤولة من الجمهور العربي في شرقي القدس. وبالتوازي مطلوب تكريس انتباه للجهات اليهودية تحمل اعمال انتقامية من جانبها امكانيات تفجر كامنة اهم بكثير من كل البوابات الالكترونية التي نصبت في الحرم. وأخيرا ، ينبغي أن نبلور جوابا شاملا- سياسي ، استخباري وعملياتي-لصلة ونشاظ الحركة الاسلامية في اسرائيل، حماس وتركيا.
في وضع يكون فيه مجلس الامن القوميناقص في مسؤوليه وعديم التاثير الحقيقي، من المهم لوزراء الكابينت ان يأتوا الى المداولات في المستقبل وهم مزودون بنموذج تفكير يتضمن الاسئلة الجوهرية التي يجب ان تسال. فضلا عن ذلك. عليهم ان يتزيدوا بالاجوبة التي تتوفر في اعقاب التحقيق بأحداث الحرم في تموز 2017.