:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/13569

ننضم الى موشيه شريت وليس لبن غوريون-عودة بشارات

2017-09-19

من أجل أن يشرح لماذا كذب بشأن مذبحة قبية- عندما قتل فيها أكثر من 60 فلسطينيا في هجوم للجيش الاسرائيلي عليها سنة 53- قال بن غوريون انه عندما خبأت الراهبة جان فلجان في رواية "البؤساء" لفيكتور هوغو، أجابت الضابط انه غير موجود، هي لم تخطئ لان الكذب استهدف انقاذ حياة. لهذا ومن أجل مصلحة الدولة اعتقد بن غوريون انه من المسموح الكذب في ظروف محددة. هكذا كتب ميخائيل بار زوهر في كتابه "بن غوريون – الرجل الذي يقف خلف الاسطورة". كم هي خطيرة "مصلحة الدولة"، كم من الجرائم ترتكب باسمها.
تذكرت هذه القصة عندما كنت اشاهد فيلم "بن غوريون، في آخر حياته" الذي بث في الاسبوع الماضي في القناة العاشرة. بن غوريون، خلافا لطبيعته الحادة بدا وكأنه مقنع بوجه راهب وهو يشرح، ان اليهودي بالنسبة له هو ان يكون "منطقي، مخلص للحقيقة، ان يساعد كل من هو محتاج للمساعدة ويحب الاخر كما تحب نفسك. لحظة من فضلكم، لسماع هذه الاقوال تخنقني العبرات ويمكن ان نقدر بانها تخنق ايضا احفاد اللاجئين الذين طردوا في 1948.
على كل الاحوال اذا نقبنا في التاريخ فانه بدلا من ان نحضر تراث بن غوريون الذي نحن غارقون فيه حتى قمة رؤوسنا حتى اليوم، من المهم ان نعرض التراث المضاد له – تراث موشيه شريت الذي شغل منصب رئيس الحكومة طوال سنتي 1954 الى 1955. وفي هذه الفترة القصيرة وضع سياسة مخالفة للسياسة البن غوريونية بصورة واضحة. كل هذا في الوقت الذي كان بن غوريون يتآمر عليه حتى أطاح به بانقلاب مقيت.
لقد وقت شريت امام مواصلي درب بن غوريون الذين ارادوا تحويل كل حادث – أيضا حتى لو كان كاذبا في اساسه – الى لوحة قفز لعملية دامية وحتى الى حرب. مثلا، شريت كتب في مذكراته عن تقرير وصل اليه عن موقع مصري جديد اقامه المصريون، وفي اعقابه ايضا وزير الدفاع حينها بنحاس لافون وكذلك رئيس الاركان موشيه دايان قاموا بضجة حول الموضوع. عندما فحص شريت الامر اتضح حسب أقواله ان الموقع لم يكن داخل دولة اسرائيل كما ادعي، بل داخل الحدود المصرية. شريت كتب: "لو استجبت لرئيس الاركان ووزير الدفاع، لكنا قد فشلنا بفضيحة مدوية وكنا قد تعرضنا للتحقير والتوبيخ".
شريت كتب ايضا عن ردود قاسية طالب ضباط كبار القيام بها ضد الاردن في ظروف معينة، وعندما فحص الوقائع اتضح له انها تختلف عما كتبوا له في التقارير، وقد تم تسوية الامور بطريقة سلمية.
كانت الذروة عندما أجبرت طائرة مدنية سورية على الهبوط في اسرائئيل من قبل طائرات سلاح الجو الاسرائيلي – كرد على القاء القبض على خمسة جنود اسرائيليين اجتازوا الحدود الى سوريا من أجل وضع جهاز تنصت – بهدف استخدام ركابها كاوراق مساومة. شريت طالب بالافراج عن الطائرة بقوله: "اننا لا نحتاج كدولة لوسائل يمكن ان تضطر لها منظمات غير رسمية".
ولكن قمة المواجهة بين الاستراتيجيتين كانت عندما طالب بن غوريون احتلال غزة بعد دامية في مستوطنة بطيش في النقب. يصف شريت كيف حاول بن غوريون من خلال سلسلة لقاءات ان يقنعه ويقنع الوزراء بتأييد اقتراحه. بن غوريون انشغل بجانب تقني: العرب والعالم لن يتدخلوا. مصر لن ترد. وبالمقابل عرض شريت موقفا أخلاقيا وحكيما. في جلسة الحكومة قال: "لنفرض أنه في غزة يوجد 200 الف عربي، لنفترض ان نصفهم هربوا او طردوا الى جبال الخليل. فسوف يهربون عراة وليس معهم اي شيء، وبعد أن يجدوا لانفسهم مكانا دائما سوف يتحولون الى جمهور مهمل ليس له مكان يؤيه. علينا ان نقدر حجم الغضب والكراهية والمرارة والرغبة في الانتقام التي ستسود في وسطه".
الدولة والمنطقة محتاجة ليس فقط الى طريق شريت بل أيضا الى استقاماته وشجاعته التي حارب بهما للدفاع عن رأيه امام اشخاص متهورين وحتى امام شخص بمقاييس بن غوريون. ان تعليم تراثه، وخاصة في السنتين اللتان تولى فيهما رئاسة الحكومة، هي واجب لمن يبحث عن تغيير طريق في حياة الدولة والمنطقة.

هآرتس

17/9/2017