لا لحل السلطة !- نهاد أبو غوش
2017-09-28
لطالما سمعنا نداءات وآراء تدعو لحل السلطة الفلسطينية، وقد تصدر هذه النداءات عن سياسيين أو أكاديميين وقادة رأي، أو عن مواطنين حانقين بسبب مظلمة تعرضوا لها كمخالفة سير ظالمة، أو إجحاف في الاستفادة من خدمة ما. وذهب البعض إلى تفسير تعسفي لخطاب الرئيس الأخير في الأمم المتحدة حين قال:إنّ"استمرار الوضع القائم سيدفعنا لمطالبة إسرائيل بتحمل مسؤولياتها، ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام الخطر الذي يهدد حل الدولتين ويستهدف وجودنا"، وهو قول لا ينبغي عزله عن سياقه، ولا يمكن على الإطلاق تفسيره بأن خيار حلّ السلطة وتسليم "المفاتيح" للاحتلال خيار قائم أو جِدّي.
المشترَك في الدعوات لحل السلطة أنها تصدر عن حالة ضياع وإحباط ومشاعر نقمة تعززها ممارسات وأجواء سلبية، بعضها ذاتي من صنع أيدينا وبعضها خارجي؛ بسبب صمت المجتمع الدولي وتقاعسه وإحجامه عن التدخل لوقف الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية.
أبرز العوامل التي تشجع على هذا التفكير وأخطرها هو ما تقوم به إسرائيل من ممارسات وضغط متواصلين لانتزاع صلاحيات السلطة الإدارية والأمنية والسياسية، وتحويلها إلى حارس لأمن الاحتلال، بالإضافة لتبعات الانقسام وما ألحقته سنواته الطويلة من أضرار فادحة، وتآكل شرعية السلطة والمؤسسات السياسية لترهلها وتكلسها وغياب الانتخابات وأدوات الرقابة الشعبية، فضلاً عما نشهده مؤخرًا من ميول لفرض نظام بوليسي وقيود متزايدة على الحريات العامة، بما فيها حرية التعبير والانتماء السياسي، وفوق كلّ ذلك انتشار مظاهر الفساد والمحسوبية وتردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
وهكذا فإنّ اقتران ثالوث الفساد بالاستبداد بالعجز الوطني سيحول السلطة فعلاً إلى عبء على الشعب الفلسطيني، وينعش أحلام وحنين بعض الفئات والشرائح بالعودة إلى الماضي الجميل سواء تمثّل في الانتفاضة الأولى وأجوائها وقيمها، أو ماضي الحدود المفتوحة للسفر والعمل.
استسهال الدعوة لحلّ السلطة يتجاهل الآثار القانونية والسياسية لمثل هذا الخيار العدمي، بدءًا من مصير أكثر من 160 ألف موظف عامل ومتقاعد، وما إذا كان هذا الخيار يعني عودة ضباط الإدارة المدنية للإشراف على التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية وغيرها من الخدمات،
وما هو مصير المؤسسات والدوائر والوزارات والبرامج والخطط التي بنتها السلطة أو باشرتها كأساس لمؤسسات الدولة، كما يتعامى هذا الطرح عن رؤية خيارات إسرائيل الماضية في بناء نظام فصل عنصري أول ما يشترطه هو الانفصال عن الفلسطينيين.
حلّ السلطة ليس خيارًا واقعيًّا ولا وطنيًّا، والشعب الفلسطيني، ليس محصورًا أمام ثنائية: إما سلطة فاشلة تشكل عبئًا عليه، أو حلها على طريقة "يا أبيض يا أسود"، بل ثمة خيار أكثر واقعية وأكثر انسجامًا مع مشروعنا الوطني، وهو ما تضمنته قرارات المجلس المركزي قبل عامين، بإعادة صياغة وظيفة السلطة ودورها بالتحرر من قيود اتفاقيات أوسلو وبروتوكول باريس، وتركيز مهام الحكومة على تعزيز صمود الناس، واعتماد سياسات اقتصادية واجتماعية أكثر عدالة في توزيع أعباء الاحتلال بعيدًا عن أوهام التنمية الزائفة، وتكثيف الجهود لتوسيع الاعتراف العالمي بدولة فلسطين وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وتجديد هيئاتها ومؤسساتها.