:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/13652

أسرار تكشف لأول مرة حول حرب 1973!-

2017-09-30

في 12 تشرين الأول 1973 انعقد الكابينيت الأمني مع قيادة الجيش الإسرائيلي ورئيس "الموساد"، تسفي زمير، في ساعات الظهيرة، في بحث مصيري حول خيار اجتياز القناة. قائد الجبهة الجنوبية، الفريق احتياط حاييم بارليف، الذي يمثل رأي كبار رجالات قيادة المنطقة الجنوبية، يؤيد الاجتياز، ويقترح إجراءه كما هو مخطط له في الغداة. قائد سلاح الجو، اللواء بني بيلد، يؤيده. بالمقابل، نائب رئيس الأركان، اللواء إسرائيل طل، يعارض بشدة، ويدعي أن الاجتياز في مواجهة جيشين مصريين مدرعين وجاهزين معناه فشل ذريع على نحو شبه مؤكد.
في هذه المرحلة، عندما يكون من الصعب على رئيسة الوزراء، غولدا مئير، الوزراء، وقيادة الجيش، بمن فيهم رئيس الأركان دافيد اليعازر (دادو)، اتخاذ القرار، يستدعى زمير على عجل، مثلما في الدراما المسرحية، إلى الهاتف. فيتلقى نبأ لا يمكن التقليل من شأنه – "المعلومة الذهبية".
بعد 44 سنة من ذاك اليوم المصيري، يتذكر زامير، ابن الـ 92، تلك اللحظات الدراماتيكية عند تلقي المعلومة، ويستعيد الذكرى فيقول: "كان وضع الجيش الإسرائيلي في الجبهة الجنوبية مقلقا جدا. وقال ديان عندها: إذا فشلنا في هجوم آخر فسنضطر إلى الدفاع على تخوم تل أبيب. وكانت الصورة قاتمة وصعبة. طلبت غولدا من كل الحاضرين أن يكتبوا رأيهم على ورقة، ويوقعوا عليها، فقد كنا بحاجة في تلك اللحظة إلى اتخاذ قرار تاريخي.
"وعندها فتح الباب واستدعيت على عجل. وعلى الهاتف تحدث معي رئيس مكتبي، باردي عيني، المسؤول عن الأنباء التي يتلقاها في 'الموساد، يوئيل سولومون. بلغوني بالمصدر الذي
لم أكن أعرفه شخصيا، لكن أعرف وجوده، حيث نقل معلومة تقول: إن المصريين يعتزمون أن ينزلوا في الأيام القادمة المظليين من المروحيات على الهدف الذي أرادوا أن يهاجموه، خلف الجدي والمتلة. وكنت اعرف أن المصدر ذو مصداقية، وقدرت بأن المصريين لن ينفذوا مثل هذه الخطوة فقط بقوات تنزل بالمروحيات، بل ستترافق واجتياز قوات مدرعة تهاجم خط المعابر أيضا.
"بلّغت ما سمعت، وأضفت: انظروا، خطة المصريين معروفة لـ "الموساد"، وقد نقلناها إلى شعبة الاستخبارات أيضا. فهم يريدون تنفيذ هجوم آخر بعد أسبوع من اندلاع الحرب لاحتلال مناطق مهمة في عمق سيناء. أقترح أن ننتظر عدة أيام لنرى إذا كانوا سينفذون الخطة بإنزال القوات. أنا لا أؤيد هجومنا واجتياز القناة، فهجمات كهذه سبق أن فشلت، ولا أرى أي احتمال لنجاح أي هجوم آخر. فأخذت غولدا ورئيس الأركان، دادو، برأيي، وقالت غولدا، يا رفاق، تسفيكا أنهى نقاشنا".
من اليأس إلى الأمل
لفهم الأهمية الحاسمة للمعلومة، من المهم العودة إلى الأيام التي سبقت وصوله. في 8 تشرين الأول 1973، بعد يومين من اندلاع الحرب، يُمنى الهجوم المضاد المتسرع من الجيش الإسرائيلي في سيناء بالفشل. وبالتوازي، فان الجهود لاقتلاع استحكامات المصريين شرقي القناة لا تنجح. وكان الوضع في الجبهة الجنوبية في أسوأ حال، وكان الجمود في هذه الجبهة مقلقا.
في 10 تشرين الأول بحثت قيادات المنطقة الجنوبية مع رئيس الأركان دادو في المسألة المصيرية حول كيفية تغيير وجه المعركة. وكانت الخيارات على الطاولة صعبة. الأول – الجهد لاقتلاع المصريين من شرق القناة، الذي سيجبي من قواتنا ثمنا باهظا بالقوى البشرية والمعدات، في الوقت الذي تآكل فيه الجيش في المعارك، ولا سيما بالطائرات والطيارين؛ الثاني، اجتياز القناة، وهو رهان خطير وثمة إمكانية للفشل – ولا سيما في مواجهة فرقتين مصريتين مدرعتين توجدان خلفها؛ والثالث، إبقاء الوضع القائم، ما يعني جمودا عسكريا. أما حرب الاستنزاف في خطوط صعبة وتجنيد طويل للاحتياط فلا يمكن أن تتعايش إسرائيل معه.
بارليف، والجنرالان شموئيل غورديش غونين، قائد المنطقة الجنوبية، وأريك شارون، قائد الفرقة 143، يؤيدان بحزم اجتياز القناة، ويدعيان بأن من الواجب تغيير الوضع العسكري، وتحقيق مبدأ القتال الإسرائيلي لنقل الحرب إلى ارض العدو وتحقيق إنجازات استراتيجية. دادو يتردد، ولكن يريد أن يصل في اقرب وقت ممكن إلى وقف إطلاق نار، وإلى "إعادة التنظيم" ومعني بأن تأخذ القيادة السياسية نصيبها من القرار الحاسم في ذلك. أما وزير الدفاع، موشيه ديان، فغير مستعد لقبول فكرة وقف النار، بل يرى فيها نوعا من الاستسلام. ولكن هو أيضا يتردد في موضوع الخيار العسكري المفضل، فينتقل النقاش إلى طاولة الحكومة.
في إطار كل هذا، فإن الأجواء العامة في القيادة العسكرية والسياسية متكدرة. وكما يذكر، عندما عاد ديان في 7 تشرين الأول من جولة في الجبهتين الشمالية والجنوبية، بدا كمن خرب عالمه، يتحدث عن إمكانية انسحاب في سيناء وضياع ذخائر حيوية، واقتبس قوله لغولدا: "أخطأت، نحن عرضة لكارثة، قد يكون هذا خراب البيت الثالث". غولدا نفسها يقتبس عنها أنها قالت: "إذا كان ديان محقا، فسأنتحر". في هذه الأجواء الصعبة تنعقد، كما أسلفنا، القيادة السياسية والأمنية في 12 تشرين الأول وتتردد بالأساس، وعندها يأتي النبأ المصيري – المعلومة الذهبية.
يقول زامير: "دادو قال: إنه يعد لواء المدرعات للصد، على افتراض أنه بعد إنزال المظليين ستجتاز الفرق المدرعة المصرية القناة وتهاجمنا. وبالفعل، بعد وقت قصير اجتازت المدرعات المصرية القناة وهاجمت، ولكن الجيش الإسرائيلي ضربها صدمة ركّعتها بشكل حطم المصريين معنويا أيضا. هذا النصر سمح لنا بالخروج إلى هجوم خاص بنا، وأن يتم اجتياز القناة بسهولة نسبية اكبر. هذا لم يكن بالطبع هجوما سهلا، ولكن وصول المعلومة والاستعدادات التي نفذت في أعقابها، حسنت بالتأكيد الوضع بالنسبة لنا".
كما أن المعلومة أتى تلقاها زامير تداخلت أيضا مع الضغط السوري على المصريين لتشديد قوة الحرب في الجنوب للتخفيف عن الضغط الإسرائيلي في الشمال، الذي شكل منذ ذلك الحين تهديدا خطيرا على دمشق.
لم يكن المصدر هو أشرف مروان، بل مصدر آخر في مصر. وكان العميد احتياط أهارون لبران (85 سنة) رجل سلاح الاستخبارات والحاصل على وسام الشرف، كان في الحرب نائب رئيس دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات، ويعرف عن كثب المصدر، وكان له الحق الأول لوجوده وأدائه. لبران، يحلل هنا لأول مرة الأهمية الحاسمة للمعلومة فيقول: "المعلومة الذهبية وصلت بيقين فقط من ذاك "المصدر الآخر". أتذكر أنه في ذاك اليوم الذي وصلت فيه المعلومة كنت في الكرياه. وعندما عاد دادو من البحث مسح جبينه وقال: "أنا الآن أعرف ما العمل"".
وبالفعل، في 14 تشرين الأول اجتازت قوات مدرعة مصرية القناة نحو الشرق. القوات، التي تضمنت فرقة المدرعات 21، على الأفل لواء مدرعات واحد من فرقة المدرعات 4 ولواء مؤلل من الفرقة 23، ضربها الجيش الإسرائيلي في إحدى معارك المدرعات الكبرى في حروب إسرائيل. وحسب قائد الجيش المصري، سعد الشاذلي، في ذاك اليوم دمرت 250 دبابة مصرية، واعترف المصريون لأول مرة بتدمير 100 دبابة لهم. وهكذا انقلبت صورة المعركة في الجبهة الجنوبية رأساً على عقب بفضل "المعلومة الذهبية".