:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/13653

بيع التصفية للديمقراطية- هآرتس

2017-09-30

"في دولة ديمقراطية"، يكتب البروفيسور شلومو افينري في مقاله المهم "هرتسل وقانون القومية"، "ليس هناك مكان لقانون قومية، بأي صيغة. اسرائيل وصلت الى انجازات رائعة في كل مجال من مجالات الصهيونية بدون قانون قومية. العلاقات المركبة بين الاغلبية يهودية والاقلية عربية، والتي تشعر بنفسها تنتمي الى الفضاء الثقافي العربي الرحب، تشكلت على طريقة التجربة والخطأ، والتي لا ترضي كما هو مفهوم كل الاطراف (ويوجد هنالك أكثر من طرفين في هذه الانقسامات)، ولكنها تمكن من تعايش هش تحسده دول ديمقراطية أخرى" (هآرتس، 20/9). بالرغم أنني اعتقد
أن افينري وهو كبير خبراء الفكر الصهيوني، يظهر كرما كبيرا بتمعنه المتعاطف في طريقة "التجربة والخطأ" التي مررنا بها منذ تأسيس الدولة، ورغم أنني لا أوافق مع البركة التي يجدها في الامتناع عن وضع قانون ليبرالي في اسرائيل عندما كان الامر ممكنا – فان قوله الحاسم ان قانون القومية هو جسم غريب ومصدر مدمر في الديمقراطية هو حسب رأيي بمثابة صرخة تحذير حقيقي، والتي تُسمع قبل لحظة من أن يكون الوقت متأخرا جدا.
ولكن النقاش الجدي الذي يحاولون ادارته مع اليمين الحاكم منذ شهور طويلة، أفينري، د. ديمتري تشومسكي، البروفيسور دانييل بيلتمان، يحيعام فايتس وآخرون من صحافيي "هآرتس"، ببساطة ليس ذي علاقة من جهة بنيامين نتنياهو ومعاونيه او من جهة آييلت شكيد ونفتالي بينيت، بالضبط كما هو غير ذي صلة بالنسبة للعنصريين المكشوفين مثل بتسلئيل سموتريتش وامثاله. هذه المحاولة محكوم عليها بالفشل منذ البداية. زعماء اليمين غير مهتمين مطلقا بمسألة كيف يمكن تحسين عمل المؤسسات الديمقراطية ويركزون على مسألة كيف يمكن اضعافها والمس بدورها، وفيما اذا كان بالامكان افراغها من مضمونها. ديمقراطية حقوق الانسان تعتبر في نظرهم كخطر شديد على الدولة، لانها لا ترى في الدولة قيمة بحد ذاتها وحتى ليست أداة في ايدي القومية. صحيح، في التفكير الديمقراطي الدولة هي أداة لازاحة قوة الفرد والحفاظ بشدة على حقوقه. في نظر اليمين فان رؤية كهذه مشوهة من أساسها، ووزراءه يرون اصلاح الخطأ هذا كأساس لوظيفتهم في الحكم. من وجهة نظرهم فان الدولة ليست موجودة من أجل تأمين حقوق الفرد، والحرية والمساواة بين كل مواطنيهم، بل من أجل تحقيق حقوق القومية اليهودية كجسم عضوي. الحرية في نظرهم هي حرية الدولة بالقيام بكل ما يخطر ببالهم. وعندما تزعجهم المحكمة ويحتج اليسار ضد غياب مباديء الديمقراطية ونماذج الحكم هذه – كلاهما يتحولان الى خائنين. عن السكان المحتلين في المناطق لا يتحدثون مطلقا.
لصالح اليمين علينا القول انه جاء بوجه مكشوف: هو لا ينفي مطلقا حقيقة ان الاحتلال خلق واقعا من الابرتهايد في المناطق، هو لا يختلف مطلقا مع أقوال ابو مازن في الامم المتحدة لانه من وجهة نظر اليمين ليس هنالك مساواة بين اليهود وبين غير اليهود، فهذا هو الامر الطبيعي والمناسب سواء في المناطق أو في اسرائيل. كل تغيير يعتبر كمس بالصهيونية. في وجهة نظر اليمين، ان وظيفة اسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي هي تأمين التفوق والحقوق الزائدة للشعب اليهودي الساكن في اسرائيل. لهذا فان عدم المساواة الذي يؤمن تفوق اليهود على العرب سواء في اسرائيل او في المناطق يتحول بواسطة قانون القومية الى معيار قانوني
سامي.
عندما نقرأ الأقوال المرتبة لشكيد وسموتريتش نرى أنها لا تختلف في جوهرها عن عقيدة زعماء اليمين القومي الالماني، والذين حققوا نجاحا كبيرا في الانتخابات يوم الاحد. في اليسار الالماني يرونهم كنازيون جدد. هنالك فقط فرق واحد بين اليمين الاسرائيلي واليمين في المانيا: سموتريتش هو نائب رئيس الكنيست وشكيد هي وزيرة العدل. أمر يثير الاهتمام ما كنا سنقوله اذا كان هذا هو الوضع في المانيا، او ربما ايضا في فرنسا لو صعد هناك للسلطة حزب الجبهة الوطنية.
ليس مصادفة اننا وصلنا الى الوضع المدمر الذي يوجد في الكنيست أغلبية – أو ما يقارب الاغلبية – لتصفية الديمقراطية، حقوق الانسان، الحرية والمساواة. الصهيونية كما قالت لنا شكيد لن تحني رأسها امام حقوق الانسان بمعنى معايير عالمية. صحيح، هي وزيرة العدل الوحيدة في الغرب – باستثناء ربما وزير العدل العنصري في الولايات المتحدة جيف سشنس من الباما (رغم انه ايضا لا يتجرأ على القول علنا كشكيد) – بانها لا تعترف لا بالمعايير العالمية ولا بحقوق الانسان بل فقط بحقوق القومية أو بحقوق ابن القومية بقوة كونه جزء لا يتجزأ من الجسم القومي. بالنسبة لشكيد الدولة هي حامية القومية، ومن خلال وظيفتها هذه فانها متحررة من كل معيار عالمي مقيد. يجب الا نندهش ويصيبنا الذعر من قول كلمة فاشية: فكل هذه هي دلائل واضحة للايديولوجية الفاشية.
وفي الحقيقة كل حركة قومية تحمل في داخلها خطرا دائما للراديكالية والانزلاق نحو عبادة غير محدودة للقومية والدولة، من خلال تحويل الفرد الى أداة في خدمة المجموعة القومية ومن خلال رؤية الاجنبي والاخر كعدو من الداخل. الفاشية الاوروبية كانت نتاجا لتطرف ايديولوجي كهذا والذي بدأ منذ وقت طويل قبل الحرب العالمية الاولى. ما الذي منع الصهيونية كحركة قومية من المرور منذ فترة في عملية مشابهة لتلك التي تغرق فيها الان؟ هذه مسألة تستحق النقاش بحد ذاته. مع ذلك يمكننا ان نخاطر ونقول انه اضافة الى الكارثة التي حلت بالشعب اليهودي في اوروبا والعبرة التي استخلصت في البلاد ترعرع الايديولوجيات المدمرة التي سمحت بالتدمير، فان الاساسات المتنورة للديمقراطية التي وضعت في فترة الانتداب البريطاني صمدت في اسرائيل الواقعة داخل الخط الاخضر الى حين بدأ الاحتلال والكولونيالية والابرتهايد تعطي ثمارها النتنة.
ليس هنالك أي تراث أبدي، والتراث البريطاني كان له وجهان: في الجانب الايجابي يمكننا تسجيل تشكيل قسمات الدولة الجديدة بروح المباديء المقبولة في الديمقراطية الليبرالية الانجليزية
القديمة والثابتة، في الجانب السلبي يجب ان نسجل حقيقة ان الاستمرارية هذه هي من بين العوامل التي منعت النظام الذي أقيم في أيار 1948 من القيام بقفزة نوعية الى الامام وأن يمنح إسرائيل قانونا ليبراليا. ان حقيقة انه لانجلترا لم يكن - وما زال - ليس لديها قانونا مكتوبا، ويوجد لها فقط قواعد تصرف مقبولة، لعبت أيضا دورا هنا. لقد واصلت الدولة فترة اليشوف (الاستيطان) ولهذا أيضا فقد كان الاقتصاد الرأسمالي الإسرائيلي استمرارا مباشرا لهيكل السوق المفتوح الذي شكل على يد الحكم البريطاني. في نفس الوقت فان غياب دستور كان مريحا لدافيد بن غوريون. فترة حكمه كانت مليئة بالامراض مثل الحكم العسكري الذي فرض على مواطني الدولة العرب أو العبادة المبالغ بها للرسميات والقوة العسكرية.
بن غوريون ومباي لم يشعرا بحاجة لتقييد أنفسهما، لانهما لم يشكل بقدرتهما لمواصلة حكم الدولة كما حكموا اليشوف اليهودي. كان ذلك إضاعة كبيرة للفرصة، والذي نبع من الثقة من أن ما كان هو ما سيكون. مؤسسو الدولة لم يفكروا بإمكانية أن يتغير المجتمع وأن حكمه سيزول من أيديهم. لقد أوهموا أنفسهم بانهم يستطيعون تجميد الوضع القائم ولم يكونوا مستعدين ان يروا ان التاريخ أتاح لهم في تلك الفترة لحظة مناسبة فريدة من نوعها للقيام باعمال عظيمة، وهذه اللحظة لن تتكرر ثانية: الحريديون كانوا طائفة صغيرة غير ذات وزن، اليهودية الدينية – القومية كانت ليبرالية ومنفتحة، بالضبط مثل الجمهور الذي انتمى الى المركز الصهيوني العام، الذي ضم أيضا الحزب التقدمي لبنحاس روزم وزير العدل الأول. الحركة الكيبوتسية كانت القوة المركزية في حركة العمل. اليمين التنقيحي كان صغيرا ومختلفا عن يمين اليوم: هل بالإمكان المقارنة من أي جهة كانت مناحيم بيغن مع بنيامين نتنياهو، او يوحنان بادر مع ديفيد بيتان، او استير رازيئيل – ناؤور مع تسيبي حوتوبيلي؟ هل بالإمكان المقارنة من نواحي النوعية الإنسانية والتمسك بالقانون والقضاء وبادوات اللعبة الديمقراطية؟
مشكلة أساس واحدة كانت بنيوية في الصهيونية منذ سنوات العشرينيات أو على الأقل من سنوات الثلاثينيات والتي نحن نواجهها اليوم. الصهيونية كانت حركة قومية راديكالية وضعت لنفسها هدفا رئيسيا واحدا: هي ناضلت من أجل احتلال البلاد ومن أجل إقامة دولة قومية. كل ما تبقى كان ثانويا ولهذا لم يكن هنالك أي محاولة جدية لتحقيق اهداف أخرى: خلافا للكيبوتسات، الاشتراكية، العدل والمساواة الاجتماعية كانت أساطير فقط أُعدت من اجل تجنيد الجمهور. أخذت بنفس القدر من الجدية مثل أساطير "ضوء للاغيار"، والذي استخدم كشعار احب بن غوريون رفعه فوق رأس الدولة الشابة. مَن مِن أبناء ذلك الجيل لا يتذكر تلك الابتسامة
المتسامحة التي كانت تستقبل بها مواعظ العجوز (بن غوريون)؟ لهذا السبب تم استيعاب الهجرات لسنوات الخمسينيات بالطريقة التي استوعبت بها، وليس فقط بسبب الفقر والتواضع في البلاد.
متحللة من وسائل الموازنة والصد التي كانت ما زالت قائمة في الماضي غير البعيد، القومية المحتلة والمدمرة تتقدم في مسار جزء منا سبق وشخصه قبل عشرات السنين: الاحتلال يفسد المجتمع الإسرائيلي كله. من اليمين القديم، من التنقيحيين الأوائل، مثل الرئيس روبين ريفلين، بن دوري لم يتبقَ سوى أشلاء. راية اليمين الجديدة ترفع ليس فقط من قبل سموتريتش وشكيد بل أيضا من قبل دافيدأمسالم، ميري ريغف وميكي زوهر وامثلهم. أشخاص كهؤلاء مثل نتنياهو نفسسه لا يرتدعون من الكولونيالية او الابرتهايد، يخيفهم فقط القوة بانواعها. لهذا من المطلوب ان يتذكر الجميع، ان دولة الابرتهايد اليهودية الدولة الكولونيالية الاخيرة في الغرب، ستضطر أيضا في يوم من الأيام ان تقدم تقريرا لنفسها وللشعب اليهودي في المنفى والعالم. ربما هذا أيضا ما سينقذ الديمقراطية الإسرائيلية.