حق العودة ليس أمرا معقدا -هآرتس
2017-10-19
زئيف ب.بيغن، ابن مناحيم بيغن، إنسان لطيف جداً، وهو من نوع الناس الذي ترغب أن يكون صديقك، ولكن للأسف مواقفه محببة بدرجة أقل، فهو متطرف أكثر من والده.
مناحيم بيغن، بعد أن ترأس "الايتسل"، جلس مع أنور السادات وصنع السلام. ابنه أقرب إلى غولدا مائير، التي تجاهلت خطوات البحث عن السلام التي قام بها السادات، والتي جلبت لنا حرب "يوم الغفران".
بيغن الابن مخلص للعقيدة الصهيونية، التي أقامها زئيف جابوتنسكي، والتي كانت إحدى مزاياها الأهمية التي أعطتها الحركة للكلمات المكتوبة والتصريحات، في حين أن حركة العمل برئاسة دافيد بن غوريون لم تعط تقريبا أي قيمة للتصريحات، واحترمت فقط "العمل على الأرض".
في الأسبوع الماضي كتب بيغن أحد مقالاته الفريدة، وكان هدفه الأساسي أن يثبت أنه ليس هناك أي إمكانية للتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين.
حسب رأيه، هذا سحر عبثي لهواة السلام الإسرائيليين، (هآرتس، 9/10). من خلال اقتباساته من نصوص فلسطينية مختلفة، وخطابات وحتى كتب تعليمية، أثبت بيغن أن الفلسطينيين لن يتنازلوا إطلاقاً وإلى الأبد عن حق العودة، ولأن حق العودة يرتبط بنهاية الدولة اليهودية، قال بيغن، فان السلام هو حلم يقظة.
أحد المفكرين المتعمقين، الكسندر يعقوبسون، توصل إلى الاستنتاج ذاته تماماً (هآرتس، 26/9)، وقد وجه مقاله لي شخصياً، وقال إنني "مخلص لإسرائيل، لكن ليس للحقيقة".
وهو يتهمني بإظهار التسامح مع الـ "بي.دي.اس"، التي تهدف إلى تصفية دولة اسرائيل. كيف عرف ذلك؟ هذا بسيط جدا: الـ "بي.دي.اس" توافق على حق عودة الفلسطينيين، وكما يعرف كل إنسان، فإن حق العودة يعني نهاية الدولة اليهودية.
هذا جيد، أنا أعارض الـ "بي.دي.اس" لأسباب أخرى. الحركة التي انتمي اليها، كتلة السلام، كانت هي التي فرضت (في 1997) مقاطعة المستوطنات.
هدفنا كان ابعاد الجمهور الاسرائيلي عن المستوطنين. الـ "بي.دي.اس" تحقق النتيجة المعاكسة، فهي تريد فرض المقاطعة على كل دولة اسرائيل، وأن تدفع الجمهور الاسرائيلي نحو المستوطنين. الحقيقة هي أنني لا أريد دعوة العالم لمقاطعتي.
ولكن من بين بنود حملة الـ "بي.دي.اس"، يقلقني أكثر من أي بند آخر، البند الذي يدعو للاعتراف بحق عودة الفلسطينيين. وحسب رأيي هذا بند مضحك. ايضا خلال ألف سنة لن تنجح الـ "بي.دي.اس" في إجبار الدولة على تطبيق ذلك ضد إرادتها. اذاً، لماذا الانفعال؟
قبل كل شيء سأسلط الضوء على الحقائق. عندما تركت بريطانيا فلسطين في 1948، كان يعيش بين البحر والنهر حوالي 1.2 مليون عربي وحوالى 635 ألف يهودي.
وفي حرب 1948 هرب/ طرد حوالى 720 ألف عربي. اليوم يسمون ذلك تطهيرا عرقيا. في المنطقة التي احتلها اليهود بقي عدد قليل من العرب، لكن في المنطقة التي تم احتلالها من قبل العرب لم يبق يهودي واحد.
ولحسن الحظ نجح العرب في احتلال مناطق قليلة (شرق القدس، غوش عصيون، وغيرها)، في حين أن الطرف اليهودي احتل مناطق واسعة ومأهولة. لقد كنت جنديا مقاتلا وشاهدت هذه الامور بعيني.
اليوم يبلغ عدد اللاجئين العرب حوالى ستة ملايين شخص. منهم 1.5 مليون يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، ومليون واحد في قطاع غزة، والباقون يوجدون في الاردن ولبنان وسورية وفي ارجاء العالم. هل هؤلاء جميعهم حقاً يريدون العودة إلى داخل اسرائيل إذا سنحت الفرصة لهم؟ هذا هو السؤال المطروح.
قبل سنوات حدثت معي حادثة غير عادية؛ فقد تم استدعائي لالقاء محاضرة في نيويورك، ولدهشتي وسروري رأيت في الصف الاول صديقي الشاعر العربي الشاب راشد حسين، من قرية مصمص قرب أم الفحم.
وقد توسل لي كي أزوره في شقته غير البعيدة عن نيويورك. وعندما وصلت اصبت بالدهشة. فالشقة صغيرة وكانت مليئة تماما: احتشد فيها لاجئون فلسطينيون من كل الفئات، شباب وشيوخ، رجال ونساء. وقمنا باجراء نقاش مطول مفعم بالاحساس حول موضوع اللاجئين.
عندما خرجنا من هناك قلت لزوجتي: "هل تعرفين بماذا شعرت؟ شعرت أن قليلين منهم يريدون العودة الى البلاد حقا، لكنهم جميعا على استعداد للتضحية بحياتهم من اجل حقهم في العودة". رحيل، التي لها قدرة خارقة على الفهم، ردت بأن هذا كان شعورها أيضا. الآن، بعد عشرات السنين من ذلك التاريخ، أنا على قناعة بأن هذا ما زال صحيحا.
أعتقد أنه يوجد فرق كبير بين المبدأ وبين تطبيقه. المبدأ لا يمكن نفيه. فهو يعود للاجئ الفرد. وهو معجون بالقانون الدولي وهو مقدس. كل اتفاق سلام في المستقبل يجب أن يتضمن بندا يصادق على ان اسرائيل تقبل بصورة مبدئية حق العودة للاجئين الفلسطينيين وأحفادهم.
لا يوجد أي رئيس فلسطيني سيكون مستعداً للتوقيع على اتفاق سلام لا يتضمن هذا البند. يمكنني تخيل المشهد: بعد أن تم الاتفاق في مؤتمر السلام على هذا البند، سيأخذ الرئيس نفسا عميقا ويقول: الآن، اصدقائي، تعالوا ننتقل إلى المشكلة الحقيقية. كيف سنحل مشكلة اللاجئين عمليا؟
هناك انواع مختلفة من اللاجئين، ليس هناك حل واحد يناسب الجميع. هناك العديد منهم الذين بنوا خلال الخمسين سنة الاخيرة حياة جديدة في دول اخرى. هم لم يكونوا يحلمون بالعودة الى قرية آبائهم، حتى لو كانت ما زالت قائمة. وهناك بينهم اشخاص اقطاعيون، وهناك أثرياء وهناك أثرياء جدا.
أحد هؤلاء هو صديقي (هل مسموح لي تسميتك هكذا؟)، سلمان أبو ستة، الذي كان في طفولته صبياً حافي القدمين في النقب.
في 1948 هرب مع عائلته الى غزة، وبعد ذلك تحول الى مقاول ناجح جدا في بريطانيا وفي دول الخليج. وقد التقينا في مؤتمر للسلام في باريس، وبعد ذلك كان بيننا حديث مطول ومؤثر على وجبة عشاء خاصة. لم يكن بيننا اتفاق. أبو ستة يصر على أنه يجب السماح بعودة كل اللاجئين الى داخل اسرائيل، حتى لو تم اسكانهم جميعا في صحراء النقب. لم أر في ذلك أي منطق عملي.
على مدى السنين كانت لي مئات المحادثات مع الفلسطينيين حول مشكلة اللاجئين، بدءاً بياسر عرفات وانتهاء بسكان مخيم للاجئين قرب بيروت. كانت الأغلبية ستوقع اليوم على صيغة تدعو الى "حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين". "متفق عليه" يعني متفق عليه مع اسرائيل.
هذه الصيغة تظهر ايضا في مبادرة السلام العربية والتي وافق عليها رسميا كل العالم الاسلامي تقريبا.
كيف سيبدو ذلك فعليا؟ تفسير الامر أنه سيعرض على كل عائلة لاجئين الاختيار بين العودة الفعلية وبين التعويض المعتبر. العودة الى أين؟ في حالات نادرة جدا، القرية ما زالت قائمة وفارغة. يمكننا تخيل إعادة إعمار تلك القرى – ربما قريتين أو ثلاث قرى – على أيدي سكانها الاصليين. فلسطينيون بعدد متفق عليه سيسمح لهم العودة الى داخل اسرائيل، وخاصة من توجد لهم عائلات هنا. يصعب على الاسرائيليين هضم ذلك، صعب، لكنه ليس صعبا جدا. يعيش في اسرائيل الآن حوالى مليوني مواطن عربي، يشكلون اكثر من 20 في المئة من اجمالي عدد السكان. عدد آخر – لنقل ربع مليون – لن يحدثوا أي تغيير جذري.
الباقون سيحصلون على التعويضات السخية، أموال ستساعدهم على تأسيس حياتهم في أماكن تواجدهم الآن، أو من اجل الهجرة إلى دول اخرى ترغب في استقبالهم (هم وأموالهم).
جميعهم سيحصلون على التعويضات. من أين سيأتي المال؟ يجب على اسرائيل دفع جزء منه (حيث ستوفر الأموال الكثيرة من خلال تقليص ميزانية الدفاع). المؤسسات الدولية يجب عليها الاسهام بشكل سخي.
هل هذا ممكن؟ نعم، بالتأكيد. وأنا أتجرأ على قول اكثر من ذلك: اذا كان الجو مناسبا، فان هذا سيكون معقولاً جدا. خلافا لما يعتقد زئيف ب. بيغن في النصوص المكتوبة، التي هي ثمرة اقلام ديماغوجيين يهتمون بمصالحهم، عندما ستنطلق عملية كهذه لن يكون أي إمكانية لوقفها. ويجب أن لا ننسى للحظة أن هؤلاء "اللاجئين" هم بشر.