:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/13871

أوسلو وسلاح المقاومة: أيهما خطر على الآخر؟ - معتصم حمادة

2017-10-26

■ قبل أن يخطو الطرفان، فتح وحماس، في تطبيق تفاهمات القاهرة، المفترض بها أن تؤدي إلى إنهاء الإنقسام، وإستعادة التوافق الثنائي، بادرت السلطة الفلسطينية إلى طرح مسألة سلاح المقاومة، بصيغة أرادت منها أن تجعل من هذا السلاح عقبة في طريق إنهاء الإنقسام، وإستعادة حكومة الحمدالله لمهامها وواجباتها في القطاع. وبذلك تجاهلت السلطة أن سلاح المقاومة لم يكن يوماً ما هو العائق أمام إنهاء الإنقسام، بل كانت الضغوط الإسرائيلية، والأميركية، والإقليمية على طرفي الإنقسام، فضلاً عن نفوذ تيار، داخل كل منها، راكم من سياسة الإنقسام، مصالح وفوائد ونفوذاً سياسياً وإقتصادياً وسياسياً، يتعارض بقاؤه مع خطوات إنهاء الإنقسام.
ولتبرير دعواها بسحب سلاح المقاومة، كشرط لتمكين الحكومة في القطاع، تحاول السلطة أن تعيد تقديم هذا السلاح بإعتباره يشكل خطراً على أمن السلطة (!) وأمن القطاع (!) يفترض سحبه من التداول وجمعه، وتسليمه إلى السلطة. ولعل شعار «بندقية واحدة»، الذي رفعته القيادة الرسمية السلطوية، أراد أن يلخص الأمر، وكأن سلاح المقاومة وظيفته أن يزاحم بندقية السلطة في إدارة الشأن العام للقطاع. أما الإدعاء بأن سلاح المقاومة، هو الذي إنقلب على السلطة في العام 2007، فهو قول يسطح الأمور، ويقزمها، ويزور الوقائع، ويتجاهل أن الطرفين ، فتح وحماس، إنخرطا في الإقتتال، على موجات عدة، وفي معارك متتالية، وإن الطرفين إستعملا ما لديهما من سلاح، الذي أخرج عن وظيفته الأساسية. سلاح حماس وسلاح فتح، متساويان في الإنخراط في الإقتتال. أما باقي الأجنحة العسكرية، كالجبهتين الديمقراطية والشعبية، وحركة الجهاد الإسلامي ، فإن سلاحها (سلاح المقاومة) لم ينجر إلى هذا الإقتتال، فهذا ليس ميدانه، بل لعب دوراً في إطفاء الحرائق التي أشعلها الطرفان، في أكثر من جولة، متحملاً بذلك مسؤولياته الوطنية أمام نفسه وأمام شعبه، إلى أن إنفجرت الأوضاع في 14/7/2007. ومع ذلك واصلت الأطراف الثلاثة، (بإعتبارها تميزت بكونها تمثل الحالة الفلسطينية المقاومة بالسلاح والتي تتولى أعباء الدفاع عن القطاع وشعبه) تحركاتها، ومبادراتها، للوصول إلى إنهاء الإنقسام، بالحوار، وبالضغط الشعبي. وبالتالي تؤكد التجربة، خطأ الإدعاء بأن سلاح المقاومة، في قطاع غزة يشكل خطراً على التوافق الوطني، ويعرقل عمل السلطة، ويشكل خطراً على الحالة الفلسطينية العامة.
* * *
لا يمكن للمراقب إلا أن يربط بين مطلب سحب سلاح المقاومة في القطاع، وبين أمرين اثنين:
• الأول هو إلتزامات السلطة الفلسطينية الأمنية نحو سلطات الإحتلال، والتنسيق اليومي معها، في مجالات مختلفة. وهو الإلتزام الذي تحرص السلطة على الوفاء به بإعتباره شرطاً رئيسياً من شروط إدراجها في المعادلة السياسية الأمريكية ــ الإسرائيلية. وهو الإلتزام الذي تحافظ السلطة على صونه وعدم المساس به، أياً كانت التطورات السياسية في المناطق الفلسطينية المحتلة. ومما لا شك فيه أن الأجهزة الأمنية والإستخباراتية الفلسطينية، سوف تقف أمام إلتزامات أمنية جديدة تؤديها لسلطات الإحتلال، في إطار إستعادة حكومة رام الله
لمهامها في القطاع، وتدرك هذه الأجهزة مسبقاً أن من شأن هذا التعاون أن ينشر أجواء من الحساسيات السياسية والأمنية، خاصة في ظل إعترافات صريحة للقادة في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية عن طبيعة هذا التعاون، ومدى عمقه وقدرته على المساس بالحالة الوطنية، في خدمة أمن الإحتلال وأمن مستوطنيه.
• الثاني، هو الشروط الجديدة التي أطلقها المبعوث الأميركي غرينبلات وأكدت عليها وزارة الخارجية الأميركية، يطلب فيها سحب سلاح المقاومة تمهيداً للذهاب إلى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي. وهو الشرط نفسه الذي أطلقه كذلك رئيس حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حين أوضح أن حكومته لن تقبل بمفاوضات مع القيادة الرسمية السلطوية قبل أن تجرد المقاومة في القطاع من سلاحها.
وبالتالي، وكما أوضحنا، فإن القضية في جوهرها ليست قضية أمنية بل هي قضية سياسية في الجوهر؛ تتعلق بالتوجهات السياسية التي تتبناها السلطة الفلسطينية في الحل مع الجانب الإسرائيلي. فهي مازالت، وستبقى ( حتى إشعار آخر)، تتبنى المفاوضات الثنائية مع الجانب الإسرائيلي، تحت الرعاية الأميركية المباشرة (وربما الإقليمية الشكلية) خياراً وحيداً للحل وهو الخيار الذي إعتمدته لأكثر من ربع قرن ومازالت مدمنة عليه، وترفض التراجع عنه، خاصة بعد أن راكمت لنفسها مصالح طبقية واجتماعية، مستمدة من الواقع الحالي، تتعارض مع أية تغييرات في التوجهات السياسية القائمة على المفاوضات الثنائية.
ولعل رضوخ السلطة للضغوط الأميركية، وتجميدها لتحركاتها الدبلوماسية في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، وممارسة الضغوط على وسائل الإعلام المحلية (جنباً إلى جنب مع مداهمات سلطات الإحتلال للمؤسسات الإعلامية في الضفة) كل هذا، إلى جانب مؤشرات أخرى عديدة، يؤكد أن السلطة تلتزم الشروط التمهيدية لإستئناف المفاوضات، ولا تريد لخطوات إنهاء الإنقسام أن تعطل هذه العملية.
ولعل ترحيب غرينبلات بالمصالحة (!) بعد أن عارضتها الولايات المتحدة طويلاً، يكشف حقيقة الموقف. فالأميركيون لا يرحبون بالمصالحة على أساس التوافق الوطني الفلسطيني لصالح البرنامج الوطني الإئتلافي، بل لأن المصالحة، كما يقول غرينبلات، من شأنها أن تعيد تقديم القيادة الرسمية السلطوية ممثلة لكل مناطق السلطة الفلسطينية وليس للضفة فقط ، ولأن المصالحة، وعودة حكومة رام الله إلى القطاع، من شأنها أن تلزم القيادة الرسمية بتطبيق وتنفيذ ما يتم الإتفاق عليه، في الضفة وفي القطاع معاً، في إطار أية حلول جزئية كانت أم أكثر شمولية.
* * *
بناء على هذا كله، يفترض أن نطرح السؤال التالي: من يشكل خطراً على من؟ هل هو سلاح المقاومة الذي يشكل خطراً على الحالة الفلسطينية في القطاع، حتى بعد عودة حكومة الحمدالله لتولي مسؤولياتها؟ أم أنه المشروع التفاوضي الهابط والفاشل، والذي من شروطه سحب سلاح المقاومة؟ وبالتالي لمصلحة من تقديم الصورة مقلوبة، والتخفي وراء عبارات أرادت أن تكون سيادية في مظهرها «سلطة واحدة، قيادة واحدة، بندقية واحدة»؛ بينما هي في واقعها محاولة لإخفاء الحقيقة التي تقول إن سحب سلاح المقاومة هو مطلب إسرائيلي، ومطلب أميركي، نفذت القيادة الرسمية السلطوية خطوة واحدة منه حين سحبت سلاح كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح، وحلت التشكيل العسكري كله، إنسياقاً مع الإستراتيجية السياسية التي إتبعتها القيادة الرسمية بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات. وهي الآن مطالبة بتنفيذ ما تبقى من خطواته، في الوقت الذي مازالت فيه الأرض،
ومازال فيه الشعب تحت الإحتلال، والخطر يتهدد القطاع في كل لحظة. وفي الوقت الذي يعترف فيه العالم، بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة المشروعة لتحرير أرضه [ ماعدا الولايات المتحدة وإسرائيل طبعاً].
الشعب يريد إنهاء الإنقسام. وكذلك قواه السياسية كافة، على قاعدة أن الإنقسام ألحق الدمار بالقضية والشعب وبالقطاع. لكن الشعب لا يريد، على الإطلاق، أن يكون ثمن إنهاء الإنقسام هو تجريد مقاومته من سلاحها.
ولنحتكم إلى الشعب، إذا كان هناك من يريد حقاً أن يحتكم إليه.■